مجلة البعث الأسبوعية

ديموغرافية السكن العشوائي الفريدة تستوجب تشذيبه وتأهليه وتطوير خدماته.. منطقة الـ86 نموذجاً

البعث الأسبوعية – ديانا رسوق

أم أحمد امرأة تعتبر نفسها من الأعمدة الاساسية في منطقة الـ86 بالمزة، كونها ومن أوائل سكان هذه المنطقة العشوائية والتي كانت في بدايات نشوئها “أي المنطقة” غير مؤهلة للعيش، وكابدت العيش فيها حتى وصلت المنطقة إلى مستوى من التطور العمراني والكثافة السكانية –حسب تعبير أم أحمد- جعل منها مقصداً جاذباً لكل من يطمح للعيش في العاصمة..!.

في المقابل جارتها أم سعيد التي أجبرتها ما مرت به البلاد من أزمة غير مسبوقة للعيش في منقطة الـ86 بعد بحث وتنقيب على مكان مناسب مالياً وسكنيا لها، لم تر في المنطقة ذلك المستوى من الخدمات الكفيلة بجعل المنطقة مقصداً للعيش المريح، أسوة بما كانت تتمتع به منطقة مخيم اليرموك -المنظمة نسبياً- من خدمات..!.

عوامل دافعة

نستخلص من هذين المشهدين أن عامل “الأمان” في منطقة الـ86 العشوائية، وقربها من مركز المدينة، وانخفاض بدل الإيجار فيها مقارنة مع أحياء العاصمة المنظمة، جعلها مقصداً للعيش خلال سنوات الأزمة، ولعل هذه العوامل مجتمعة أعطت مزيداً من الزخم لضرورة تأهيل وتشذيب منطقة الـ86 خصوصاً، ومناطق السكن العشوائي عموماً، سواء لجهة الخدمات، أم لجهة تدعيم الأبنية، وذلك على اعتبار أنها أصبحت واقعاً راهناً، وهنا يصف مختار حي الـ86 أن وضع الخدمات في هذا الحي بالسيئة، مشيراً إلى أن مؤسسة الكهرباء تتهم السكان بزيادة الحمل على الشبكة واستخدام السخانات، علماً أن كل البلاد لا تتواني عن استخدامها، معتبراً أن أس مشكلة الكهرباء في هذا الحي تكمن بأن مؤسسة الكهرباء تستخدم أكبال الألمنيوم بمواصفات لا تتناسب مع حجم المنطقة وعدد السكان، فضلاً عن قلة عدد المحولات..!.

في حين اعتبر عضو المكتب التنفيذي بمحافظة دمشق باسل ميهوب أن وضع البنية التحتية للكهرباء في المنطقة لا بأس فيه إذ يوجد ٦ مراكز كهرباء موزعة بين /٣/ برجي و/١/ بناء و/٢/ مسبق صنع، إضافة إلى تم  تبديل /٣/ محولات محروقة برجية.

مشكلة النقل

أثار كثافة السكان بمنطقة المزة ٨٦ والتوسع الكبير في عدد الأبنية مشكلة يمكن وصفها بالمشكلة المزمنة، تتمثل بتدهور واقع النقل، إذ يعاني سكان المنطقة من تدني وسائط النقل، وهذه المشكلة –بحسب مختار الحي- ليست وليدة اللحظة، وما يفاقهما تعاقد السرافيس المخصصة لنقل السكان مع الروضات والمدارس الخاصة وبالتالي غياب تواجدهم على الخط أثناء ساعات الصباح وساعات الذروة، وعلى الرغم من الإجراءات التي تتخذ بحقهم من حجز وتوقيف عدد من السرافيس على خلفية هذا الأمر وحرمانهم من الدعم، إلا أن هذا لا يكفي فعدد سرافيس الخط هو ٨٠ سرفيس بينما فعليا لا يتجاوز عددها الـ١٠ سرافيس، مقترحا الاستعاضة عن مراقبي الخطوط من مؤسسة النقل، برجال شرطة المرور لتنظيم الخطوط وتواترها نظراً لضرورة إيجاد الحل الأسرع لهذه المشكلة الملحة بالمنطقة..!.

هاجس خطير

إذا ما افترضنا جدلاً إعادة تأهيل الخدمات في هذه المنطقة، وتحسين مستواها، يبقى هناك هاجساً لا يزال ينتاب سكان المنطقة المتعلق بحفظ حقوق ملكية سكنهم، ولاسيما إذا ما علمنا أن واقعة البيع لا تسجل إلا بموجب عقد غير معترف فيه بالسجلات العقارية ولا في سجلات الكاتب بالعدل، وهنا يبين المحامي منيب هائل اليوسفي أن العقارات التي بنيت في مناطق المخالفات تعتبر قانونياً بمثابة تعدي على أملاك ولا يوجد أي قيود عقارية لها، وإثبات الاشغال يتم فقط بفاتورة الكهرباء، وغالبا من خلال بيانات من المالية وهذه لا تثبت الملكية، وتتم عمليات البيع من خلال إجراءات فردية إضافة لوجود شهود، مبيناً أن العقارات في هذه المنطقة مكتومة ولا يوجد أي نوع أو سبب من أسباب نقل الملكية من (طابو أو حكم المحكمة أو وكالة لكاتب عدل).

ما ذكره اليوسفي ينسجم تماماً مع تأكيدات جهاد الريابي مدير الرقابة في المصالح العقارية بأنه لا يوجد صيغة معينة لإثبات حق المتملك في مناطق السكن العشوائي سوى فاتورتي الكهرباء والماء، فمنطقة الـ٨٦ منطقة مخالفة عشوائية مشادة الأبنية فيها على أملاك الجمهورية العربية السورية بشكل مخالف للقانون ولا يوجد أي سند لشاغلي تلك المنطقة في التملك لدى مديرية المصالح العقارية..!.

في وقت يقترح أهالي الحي تشميل حييهم بقانون التنظيم العمراني، تبين المهندسة لونا الناصر معاونة مدير التنظيم والتخطيط أن أولوية الدراسة للتنظيم والتخطيط بالوقت الراهن هي للمناطق التي تعرضت للإرهاب والعمل على إعادة إعمارها كمناطق جوبر والقابونوالقابون الصناعي.. ماروتا سيتي ..وباسيليا سيتي خلف الرازي، وبذلك لا حصة لحي المزة ٨٦ من التشذيب والتأهيل من الناحية العمرانية والخدمية.

وأضافت الناصر أن سوء أحوال الطرق والبناء العشوائي وما يسببه من إيذاء للقميص الإسفلتي للطرق وازدياد الحفريات والمطبات شكلت هماً دائماً للسكان على الرغم من الخدمات المستمرة التي تقوم بها محافظة دمشق والتي كان آخرها تنفيذ /١٢٦٥/ مترمربع من بلاط الأرصفة ضمن المناطق النظامية في الشوارع الرئيسية وشملت الجادات والسكن العشوائي (المزة ٨٦) و/١٢٢٤/ متر طولي من أعمال الأطاريف و/٢٠٠/ متر مربع من أعمال ترميم للأدراج ، و/٦٠/طن من التزفيت اليدوي.

إضافة للخدمات التي تقدمها الدولة لمنطقة الـ86، هناك بعض الخدمات النوعية من قبل المجتمع الأهلي من خلال شبان وشابات متطوعيين في الجمعيات الأهلية بالمنطقة، التي تسعى لتنفيذ مبادرات تتعلق بالجانب الخدمي وبتأهيل الشباب وتدريبهم ليأخذو دورهم الفعال في عملية التنمية الاجتماعية، ولفت الأنظار إلى أهمية هذه التجمعات السكنية وضرورة الاهتمام بالجوانب الإنسانية فيها،  ومنها (منظمة سلام) التي أكدت مديرة برامجها المهندسة علا ناصر اشتغال المنظمة على التنمية وتمكين قدرات الشباب وتوفير مساحة لليافعين لينموا قدراتهم من خلال الدعم النفسي الاجتماعي، وتمكين المتطوعين الشباب ليكونوا فاعلين بالمجتمع، وذلك من خلال البرامج والانشطة كمبادرة ترميم جدار كان يشكل خطر للمارة في منطقة المزة 86 ساحة الضباط حيث تم إزالته وإقامة جدار استنادي شكل ثاني أكبر جدارية على مستوى سورية، وتم بعدها تزفيت الطريق بدعم من المحافظة والبلدية وبالتعاون مع الأهالي وضمن هذه المبادرة شارك العديد من الموسيقيين وأهالي الحي اللذين عملوا على تقديم كل المساعدة للمتطوعين.

أخيراً..

بحكم نشوء السكن العشوائي على أطراف المدن واحتوائه على أعداد كبيرة من السكان الذين قدموا من جميع المناطق الأقل نموا والمهمشة منذ عقود، فقد نشأت حالة ديمغرافية فريدة واستثنائية ضمن هذه التجمعات الإنسانية.. في المزة ٨٦ على سبيل المثال سنجد من جاء من مدينة حمص، وآخر من حلب، دير الزور، الساحل، وغيرها من المحافظات. وهذا ما حول المنطقة المشار إليها إلى تجمع سكاني كبير يضم مختلف المناطق والأديان والطوائف. الأمر الذي من شأنه يفرض، وبغية المحافظة على حالة التعايش والسلم الأهلي وتعزيزها، وضع خطة تنموية للمنطقة تنطلق من نقطتين: الأولى معالجة المشاكل القائمة حالياً وتأمين احتياجات المنطقة من المراكز والأندية الثقافية والفكرية عبر مشاركة المجتمع الأهلي والمدني. والنقطة الثانية هي في وضع مخطط مستقبلي لتنظيم المنطقة لاسيما في ظل المخاطر التي تتهددها لجهة سلامة الأبنية في ظل طبيعة تربة المنطقة والكهوف التي تكثر فيها ومخالفات البناء التي زادت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.