مع عودتها “الميمونة”.. الحوراني: جمعية المسرح كانت في سبات عميق
مرّ خبر عودة جمعية المسرح في اتّحاد الكتّاب إلى نشاطها الشّهر الماضي سريعاً ومن دون ضجّة، طبعاً باستثناء الأخبار التي تحدّثت عن باكورة أعمالها “عالم مفعم بالجنون” وعن شخصيّات العرض وصراعها وتطوّراتها وأدواتها، وما إلى ذلك من تفاصيل العرض المسرحي. وربّما لعدم قدرتنا على متابعة كلّ النّشاطات الثّقافية والمسرحية، في المحافظة التي نقطن فيها فكيف ببقية المحافظات، لم نستطع حينها التّعرف على هوية هذا العرض ولم تصلنا أخبار عن عودة الجمعية التي لم نسمع شيئاً عن نشاطها منذ زمن – وأتمنى ألّا تخونني الذّاكرة ها هنا – لا بل لم نسمع سابقاً بوجود فرقة مسرحية خاصّة بالاتّحاد. يقول رئيس الاتّحاد الدّكتور محمد الحوراني في تصريح خاصّ لـ “البعث”: لا شكّ أنّ المسرح واحد من أهم الفنون الإبداعية التي يمكن أن تحقق حضوراً كبيراً عند الجمهور، ولهذا فقد أطلقت عليه تسمية “أبو الفنون” لما يحمله من رسائل لا يمكن لغيره من الأجناس الإبداعية والفنون أن يحملها، من هنا أتى اهتمام الاتّحاد بدورته الحالية العاشرة، ليعيد لهذا الفنّ حضوره في الأوساط الشّعبية، فكان العرض المسرحي “عالم مفعم بالجنون” تأليف وإخراج الدّكتور محمد إسماعيل بصل، والذي قدّمته فرقة الاتّحاد على خشبة مسرح دار الأسد للثّقافة في اللاذقية قبل أكثر من شهر وشهد حضوراً مميزاً ولافتاً، مضيفاً: جمعية المسرح في الاتّحاد كانت قد دخلت في سبات عميق نتيجة ظروف الحرب وغيرها من الظّروف غير الموضوعية.
تجربة أولى لم نتمكّن من تقييمها، لأنّنا كما أسلفنا لم نستطع حضورها، تلتها منذ يومين تجربة أخرى مونودراما “ليلة أخيرة” قُدّمت ليوم واحد فقط على خشبة مسرح القبّاني بدمشق من تأليف وإخراج الأديب وعضو اتحاد الكتّاب محمد الحفري، تمثيل الشّاعر مدين رحّال، وهنا يوضّح الحوراني: يأتي هذا العرض المسرحي الجديد ليؤكّد عودة اهتمام الاتّحاد بالمسرح، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلّا بتعاون الجميع وتضافر جهودهم، وفيه تُرك لكاتب النّص حرية اختيار كوادر تنفيذ العمل لأنّه هو المعنيّ بشكلٍ مباشر بالعمل، أمّا بالنّسبة للممثّل فليس بالضّرورة أن يكون عضواً في الاتّحاد، بل ربّما يكون جديداً في هذا المجال لكن لديه الرّغبة بتطوير نفسه وعرض العمل بأفضل طريقة ممكنة، أمّا كاتب العمل فهو عضو في الاتّحاد.
وبالحديث عن موضوعي العرضين المسرحيين، فقد تناول الأوّل “عالم مفعم بالجنون” الصّراعات الحاصلة في العالم والأزمات التي خلّفتها الحروب والإرهاب ومن دعمه من قوى خدمةً لأهدافها ومصالحها، بينما تناول الثّاني موضوعاً اجتماعياً بحتاً مع نكهة الأحوال الاقتصادية، وفيه يؤدّي رحّال شخصية بائع كتب يعيش “بحبوبة” مادية يوماً ويجوع أيّاماً، يتزوج أربع مرّات ولا يكتب له أن ينجب طفلاً ويروي لرابع زوجاته “خديجة” كيف انتهت زيجاته قبلها، فواحدة كانت تضع له حبوباً منومة لكي تقابل عشيقها، والثّانية كانت تأكل كثيراً وكان مصروفه لا يلبّي بطنها الكبير، والثّالثة لم تحتمل أن تكمل حياتها من دون طفل، وفي كلّ الحالات طلّقهن القاضي الذي يردّد دائماً: الجميع يحبّ هذا القاضي إلّا أنا.. وكأنّه السبب في ترك زوجاته له، يستمرّ ببوح أحزانه لـ”خديجة” التي أيضاً تقرّر الرّحيل، فيقتل نفسه وينهي حياته وحزنه وفشله في الزّواج والإنجاب.
النّص كـ “نصّ عودة” إن صحّ التّعبير نصّ عاديّ جدّاً مقارنةً بالمنتوج الأدبي الغنيّ للحفري، لذلك أعتقد أنّه نجح هذه المرّة إخراجياً أكثر من نجاحه في النّص، من حيث الدّخول إلى الموضوع والتّمهيد للأحداث اللاحقة ومن حيث الدّيكور الفقير كفقر حال الشّخصية، فكان عبارة عن سلم ترتمي عليه الملابس متعبةً مثقلةً بالهموم وعلى الطّرف الآخر طاولةٌ وكرسي يجلس عليهما حين يتقمّص دور القاضي، وعلى الجدار صور زوجاته الثّلات، و”مينيكان” ترتدي ملابس رثّة لتكون هي زوجته “خديجة” التي يبوح لها بكلّ ماذكرنا، لكنّها تدفعنا للتّساؤل: هل يقصد بها زوجته في الواقع والحقيقة، أم أنّها مجرد مجسّم يبوح له في وحدته وأطلق عليها اسماً؟
وأيّاً يكن مستوى ما قدّمته، اليوم، جمعية المسرح في اتّحاد الكتّاب العرب، نبارك لهم هذه العودة وننتظر دوراً أكثر فاعلية، يبيّن الحوراني: ثمّة خطوات أخرى لتفعيل عمل الجمعية تتمثّل بالتّحضير لإقامة بعض النّدوات بالتّعاون مع جهات مسرحية أو تهتم بالمسرح، وكذلك إطلاق مسابقة متخصّصة بالنّص المسرحي، وأفكار أخرى يتمّ التّحضير لها والعمل عليها.
نجوى صليبه