قضايا مهمة على طاولة الاتحاد الكروي الجديد… فهل يكون رهان الناخبين في محله أم أن كرتنا تنتظر صدمة أخرى؟
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
انتهت الانتخابات الكروية التي طال انتظارها ففاز من فاز وخسر من خسر وبغض النظر عن كل التفاصيل والأحداث التي رافقت العملية الانتخابية فإننا أمام واقع بات مفروضاً على جميع الكوادر، فهؤلاء من سيقود كرتنا، فإما سيقودونها نحو الهاوية كما الراحلون أو إنهم سيجتهدون في تلافي الثغرات وإزالة العثرات ووضع كرتنا على الطريق الصحيح، وخصوصاً أن الوضع الكارثي لكرتنا لا يحتمل الحلول الوسط.
أغلب الكرويون تنفسوا الصعداء مع ساعة رحيل اللجنة المؤقتة التي فشلت بمهامها تماماً ولم تخلف أي بصمة حسنة يمكن أن يذكرها أحد من الجمهور أو المراقبين على حد سواء، ونحن لا نتهم أحداً بتقصد تخريب الكرة السورية إنما هو الإهمال وضعف الخبرة.
وما لا شك فيه أن الاتحاد الكروي الجديد ورث حملاً ثقيلاً ووضعاً غير مريح وقد يضطر لمواصلة الليل مع النهار لإصلاح ما تم هدمه، ولن نكون متفائلين ولا متشائمين ولن نقيم الوضع الآن، لكننا سنعطي القادمين الجدد الفرصة الكاملة لنرى صنيعهم لأننا لم نعد نؤمن بالتصريحات والوعود فأعمالهم ستدل على صدقهم أو العكس.
وسبق أن تحدثنا في العدد الماضي عن موضوع ترتيب البيت الداخل لاتحاد كرة القدم وضرورة إعادة هيكليته وتنظيمه حسب التطورات الكروية الحديثة، وعلى اتحادنا أن يواكب التطور في العمل الإداري والتنظيمي الموجود في كل العالم من خلال استثمار التقنيات الموجودة وتعزيزها والبحث عن موظفين يتقنون العمل الإداري حسب المفهوم القاري والدولي، مع تعيين أمين سر يكون قادراً على ملء الفراغ بأمانته وخبرته وعلمه، فأمانة السر في اتحاد كرة القدم تحتاج إلى خبير وعليم في فن التعامل مع الاتحادات الوطنية والقارية والدولية وفن إصدار القرارات والبلاغات.
ولا شك أن من أولى الأوليات إصدار روزنامة النشاط التي لا تتعارض مع النشاط الخارجي وأن تكون مواكبة لكل الأحوال والأجواء لنشهد موسماً راقياً بإدارته ونظامه ومواعيده.
الأهم في الموضوع عملية التبعية، فمؤسساتنا الرياضية كلها تربطها علاقات مختلفة ومتنوعة ونحن مع الاحترام المطلوب بين هذه المؤسسات ومع عملية الولاء للمؤسسات الأعلى وهذا لا يتعارض من أن يملك الاتحاد الكروي شخصية قوية يكون من خلالها قادراً على الدفاع عن خططه واستراتيجيته وقراراته، فالتبعية العمياء غير مشكورة ومن المعيب أن يتحول اتحاد كرة القدم من صانع قرار إلى تابع للآخرين.
كأس العالم
التفكير بدخول كأس العالم 2026 سيكون ضرباً من الجنون لأن تحقيق هذا الأمر مستحيل أمام الواقع الكروي الحالي الذي يحتاج إلى سنوات كثيرة من الإصلاح الداخلي لكرتنا، لذلك فإننا نأمل ألا يضع اتحاد كرتنا الجديد هدفه الوصول إلى نهائيات كاس العالم ونحن لا نستطيع تجاوز الدور الأول من البطولات الآسيوية والإقليمية بكل الفئات.
عاطفياً الجميع من الجمهور وغيرهم يتمنى الوصول إلى المونديال، ولو وصلنا بهذه الحال هل سنكون دريئة تتدرب بها الفرق العالمية، لذلك من أول الأعمال والخطط التي من المفترض أن تبحث هي وضع استراتيجية عمل للسنوات الأربع القادمة يكون في طليعتها إعادة بناء كرة القدم من الصفر، فبعد إصلاحات الأمور الإدارية والتنظيمية لا بد من إصلاح الأمور الفنية.
البناء من الصفر نقصد به أولاً العناية بكل المسابقات الرسمية ووضع برنامج نشاطات محترم يحاكي واقع الأندية فلا ضرورة في هذه السنوات للعدد الفضفاض في الدرجة الممتازة والدرجة الأولى حتى ترمم الأندية وضعها وتصبح قادرة على الظهور بمظهر القوي والمنافس وحتى تصبح أنديتنا قادرة على البناء والتطوير.
ونقصد به أيضاً العناية بالقواعد وتطويرها وإيلائها الاهتمام الكامل والمطلوب، وعلى سبيل المثال أن يتم التعاقد مع مدربين اختصاصيين للمنتخبات القاعدية وأن يعملوا على تطوير قواعد كرتنا وهذا أفضل من أن نأتي بكبار المدربين العالميين للرجال الذين لن يستطيعوا الإفادة.
والتجارب من الدول التي حولنا بينت أن هذه الفكرة كانت ناجحة فلم تصل دول الخليج المتقدمة كروياً إلى ما وصلت إليه إلا بمثل هذه الخطوات.
العمليات الفنية لا تقتصر على بناء القواعد والعناية بالفرق الصغيرة بل من المفترض أن يتم بناء مدرب القواعد وتطويره لأننا لا نملك المدربين الاختصاصيين بهذه الفئات، وكل من يعمل في مجال تدريب القواعد مشكوراً عبارة عن اجتهاد شخصي وتراكم خبرات من هنا ومن هناك فبعضهم ينجح والكثير منهم يفشلون.
المدربون العرب الناجحون في العراق ومصر والجزائر وتونس والمغرب لم يصلوا إلى حدود العالمية جراء اجتهاداتهم الشخصية فقط، إنما كان بفضل اهتمام أنديتهم واتحادهم الكروي، والدورات التدريبية التقليدية لا تصنع مدرباً ناجحاً بل تحتاج إلى مواكبة للمدربين الكبار عبر فترات سنوية يتم التعايش فيها مع مدربين مطورين للقواعد ومدربين على مستوى عال لفرق الرجال، منذ زمن بعيد طالبنا بتفعيل هذا الأمر والبناء عليه ولم نجد الآذان المصغية، لذلك نجد أن كل مدربينا على سوية واحدة وقد يفوق بعضهم البعض بأمور بسيطة وذلك لأنهم اعتمدوا على اجتهاداتهم الشخصية وجهودهم الذاتية.
ومن تمام النجاح في العمل إلحاق الناجحين من كوادرنا بدورات متقدمة في العمل الإداري والتنظيمي، هذا الأمر مع تنظيم دورات ومحاضرات ومعسكرات خارجية عبر اختصاصيين دوليين لحكامنا فسنجد أن الصورة التي يمكن البناء عليها لكرة تحلم بالوصول إلى كأس العالم وتحقيق بصمة مشرفة فيه تتكامل.
الملاعب وملحقاتها
من غير المفيد أن نُلحق الملاعب باتحاد كرة القدم ليقوم برعايتها وصيانتها فهذا اختصاص منفصل كما صرح أحد المرشحين قبل الانتخابات، ولكن على اتحاد كرة القدم أن يلاحق هذه العملية وأن يطالب بها بكل جدية، وشاهدنا بأم أعيننا الملاعب التي أقيمت عليها مباريات الدوري الممتاز وكان منظرها مخجلاً ومؤسفاً عندما تنقل المباريات على الشاشات الفضائية، أما ملاعب الفئات وباقي الدرجات فكانت في حال يرثى لها وهي أشبه ببقعة من الأرض المتصحرة يمارس عليها كرة القدم.
ونحن قبل أن نطالب برفع العقوبات عن ملاعبنا، هل فكرنا إذا جاءت لجنة دولية لتطلع على الملاعب أي ملعب سندعهم يشاهدونه ويطلعون عليه.
نعرف تماماً أن القضية قد تكون أكبر من هذا لكن يجب ألا تكون الملاعب حجة سيئة لعدم الموافقة على رفع القرار الذي يتضمن حظر اللعب على ملاعبنا.
الملاعب ركن أساسي من أركان كرة القدم ودون ملاعب سليمة لن تتطور كرتنا ولن تمنحنا لاعباً موهوباً، وهذا الأمر بحاجة إلى تكاتف كامل ومخلص بين كل أطراف اللعبة من الاتحاد الرياضي واتحاد كرة القدم والأندية، للوصول إلى كرة قدم متطورة من الطبيعي أن تملك فرق الدرجة الممتازة ملاعب جيدة وأن يملك اتحاد كرة القدم ملاعب دولية، والملاعب وحدها لا تكفي فلا بد من تأمين التجهيزات والمستلزمات الضرورية وأن تكون الملحقات الصحية وغرف اللاعبين والحكام والمراقبين لائقة وجيدة وكم من فريق رأيناه يبدّل ملابسه على أرض الملعب وهذا وحده معيب ولو حدث بمباراة من دوري الدرجة الأولى أو بفئة الناشئين.
قضايا الاستثمار
التسويق والإعلان والرعاية وما شابه ذلك قضايا استراتيجية وملحة يجب أن يعمل عليها الاتحاد الكروي الجديد من أجل تحصيل أكبر مبلغ لكرتنا ليكون عوناً لبنائها ودعماً للأندية، وكل الاتحادات السابقة كانت مقصرة في هذا الاتجاه لأنها لا تملك اختصاصيين في العمليات التسويقية.
وهناك الأموال التي تحتاج تحصيل من هنا وهناك كما أفادتنا اللجنة المؤقتة ولامت بها الاتحاد الكروي المستقيل ولم تستطع تحصيل كامل المبالغ، وعلى اتحاد الكرة أن يسأل عن المبالغ المحصلة كيف تم تحصيلها وأين صرفت وعن الأموال المتبقية؟
أيضاً الأموال المجمدة كيف يمكن استثمارها في كرة القدم بدلاً من صرفها على الرحلات السياحية والمطاعم والفنادق والمدربين الذين لم نوفق بهم، وسمعنا أن هناك أموالاً إن لم تصرف ضمن الميزانية السنوية نفقد حقنا بها، لذلك يجب أن تكون هناك دراسة جدية لنحصل على أموالنا بمشاريع مفيدة وهو أفضل من أن تضيع بلا طائل أو أن نُحرم منها.
كل الرعاية التي تمت سابقاً للمنتخبات الوطنية لم تكن مكتملة الصورة والمطلوب من اتحادنا الجديد أن يسلك الطرق المهنية الصحيحة في جلب الرعاة القادرين على تأمين الرعاية الصحيحة المتبعة بكل الاتحادات الوطنية سواء المتقدمة كروياً أو المتخلفة كروياً.
أما في الشأن المحلي فإن رعاية الدوري بمختلف وسائل الإعلام يجب أن تأخذ اهتماماً أكثر جدية وأن يكون السعي مخلصاً، مع ضرورة البحث عن رعاة قادرين على تحمل كل الأعباء وإعطاء الدوري صورة ناصعة البياض من كل الاتجاهات، المشكلة أن الدوري يباع بثمن بخس وهذا لا يتناسب مع أسعار السوق مطلقاً، ومن هذه الزاوية من المفترض أن يسلك اتحاد الكرة طريقاً مخالفاً لما سبقه فقد يصل إلى مبتغاه.
هناك الكثير من الاستثمار الرياضي المتاح أمام كرة القدم تبدأ من التسويق والرعاية والإعلان ولا تنتهي بالمشاريع الصغيرة، لكن السؤال المفترض: هل اتحادنا الجديد قادر على القيام بهذه المهام الضرورية أم إنه سيبقى يبحث عن المبررات كغيره من الاتحادات السابقة هروباً من تحمل المسؤولية؟
وهناك المزيد من المحاور التي يمكن التطرق إليها ويمكن ممارستها وكلها تصب في مسألة التطوير الكروي والنهوض بالعمل الرياضي، وما تم ذكره قد يكون الأهم، والمسألة تحتاج إلى نية صادقة بالعمل والبحث والسعي الجادين عن مخارج للأزمات التي تعاني منها كرتنا، والأهم البحث عن كوادر اختصاصية تكون قادرة على التنفيذ وذلك عبر لجان عليا لا يتم تعيينها من مبدأ العرفان وتأدية دين الصوت الانتخابي، إنما يتم تعيينها وفق ميزان النزاهة والخبرة، وكما قلنا نحن بحاجة إلى اختصاصيين في الكثير من الأمور المهنية وخصوصاً ما يتعلق بالاستثمار والمال وإدارة الأعمال.