مجلة البعث الأسبوعية

حسان أبو عياش “شيخ كار” ديكور الدراما التلفزيونية السورية: شركات اليوم نفَسُها قصير وتعمل بسرعة!!

” البعث الأسبوعية ” أمينة عباس 

يُلقَّب بشيخ كار ديكور الدراما التلفزيونية السورية وهو الذي واكبَ مسيرتها منذ منتصف الستينيات، “أيام الأبيض والأسود”، ومازال يعمل بحب وشغف فيها حتى الآن، لذلك من الصعب الحديث عن رصيده الكبير ومسيرته التي تمتد لأكثر من خمسين عاماً من الأعمال التلفزيونية والمسرحية والسينمائية التي تُعدّ من روائع الدراما السورية في معظمها، وكان آخرها مسلسل “سوق الحرير” لمؤمن الملا وشركة ميسلون، والذي نال قسطاً كبيراً من حوارنا معه.. إنه مصمم الديكور حسان أبو عياش أحد أقدم مهندسي الديكور وأكثرهم خبرة، وهو اليوم مشغول بالتحضير لعمله الجديد “حارة القبة” – إخراج رشا شربتجي.

 

علاقتُكَ الفنية مع المخرجين بسام الملا ومؤمن الملا قديمة.. حدّثنا عن هذه الشراكة الفنية التي أثمرت العديد من الأعمال.  

– بدأ تعاملي مع الفنان بسام الملا منذ التسعينيات، من خلال مسلسل “الخشخاش”، واستمرت علاقتي معه لاهتمامه الكبير بالديكور في أعماله.. لذلك كثيرة هي الأعمال التي كانت معه، ومع شركة ميسلون، وأذكر منها: “الخوالي”، “أيام شامية”، “ليالي الصالحية”، “باب الحارة”.

 

أية خصوصية حملها مسلسل “سوق الحرير” على صعيد الديكور؟

– يحمل المسلسل اسم “سوق الحرير”، لذلك كان من الضروري تصميم وبناء سوق كامل يتناسب مع الفترة التاريخية التي يتناولها العمل، وقد ضم السوق 45 متجراً بالديكورات الداخلية والإكسسوارات، إضافة إلى تصميم وبناء قرية يدور فيها قسم من أحداث العمل. وأكثر ما أسعدني اعتقاد البعض أن العمل صوّر في سوق الحرير الحقيقي، علماً أن قسماً آخر من الأحداث صوّر في بيوت دمشقية قديمة تتناسب والمرحلة الزمنية للأحداث، مع الإشارة إلى أن العديد من هذه البيوت قد طرأ عليه تعديلات تتلاءم والعصر الحديث، وتم التعامل معها من قبل مصمم الديكور ومنفذيه بإخفائها وتدعيمها بما يتماشى مع زمن وأحداث العمل.. ولكن أهم ما ميَّز “سوق الحرير” أيضاً على صعيد تنفيذ الديكور وجود مجموعة من الفنانين والفنيين من كلية الفنون الجميلة، أغنوا العمل وساعدوا كثيراً في تنفيذه، وعلى رأسهم مهندس الديكور علاء صبري الذي ساهم في تقديم العديد من الإضافات.

 

أيهما أفضل للعمل الدرامي: تصميم ديكور خاص به أم التوجه للأماكن الحقيقية والطبيعية والتصوير فيها؟

– ميزة الديكور هي أن التصميم يبنى حسب النص تماماً، ويتيح المجال للمصمم لإيجاد وتكثيف العناصر لإضفاء جمالية معينة، وبناء علاقات صحيحة بين الأمكنة، وهذا يساعد كثيراً أثناء التصوير بحيث لا يضطر المخرج إلى تقطيع المَشاهد، وبحيث يمكنه تصوير كل متاجر السوق في مشهد أو لقطة واحدة دون الحاجة إلى التقطيع؛ كما أن بناء ديكور خاص بالعمل، وبعيداً عن الازدحام، يختصر الكثير من الوقت والجهد الكبير الذي يبذله عادةً صنّاع العمل أثناء التصوير في دمشق القديمة وأسواقها، كما يجب أن لا ننسى أن التصوير داخل ديكورات عادة ما يكون بمنأى عن العوامل الجوية التي غالباً ما تعيق استمرار التصوير في كثير من الأعمال.

 

يقوم بعض المصممين بالعمل على ديكور لعمل سابق ينتمي لذات المرحلة.. ماذا عنك؟

– أميل إلى بناء الديكورات من الأساس لأضع ما أراه مناسباً للنص الذي أقرأهُ بشكل جيد، ولا أحب أعمال الترميم أو الترقيع لديكور سبق وأن تم تصميمه وبناؤه.. إن بناء ديكور من البداية وحتى النهاية أسهل بالنسبة لي من أن أقوم بإجراء تعديلات على ديكور سابق أو على البيوت الدمشقية القديمة، وأذكر أنه في مسلسل “أيام شامية” قمنا ببناء الديكور بشكل كامل داخل أستوديو، وكان من أجمل الديكورات في الدراما السورية لأنه كان مقنعاً، أما اليوم فالغالبية تفضل التصوير في الأماكن الحقيقية والطبيعية لأن الوقت أصبح عدوهم، والبناء يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين.

 

أية علاقة تربطك عادةً مع مخرج العمل؟

– للمخرج دور كبير في الوصول للشكل النهائي للديكور من خلال الملاحظات التي قد يُقَدّمها لمصمم الديكور، وفي العادة وبعد قراءة النص وتفريغه أقوم برسم الديكور كلوحات ملونة لأعرف ماذا سأعمل، ومن ثم أُطلع المخرج على اللوحات المرسومة بدقة للديكور المقترح إيماناً مني أن العمل الفني عمل جماعي، وبالتالي لا يمكن أن يكتمل ما أقوم به إلا بالتعاون مع جميع العناصر الفنية لتقديم هوية واضحة ومنسجمة.

 

هل هناك مدارس في تصميم الديكور؟ وإلى أية مدرسة تنتمي في الدراما السورية؟

– مهندس الديكور ليس فناناً تشكيلياً ينتمي لمدرسة معينة وإنما هو مهني ينفذ ما هو مناسب للنص، فيقدم تصميماً بمواصفات معينة.. من هنا، لا توجد مدارس بمعنى المدارس، وإنما هناك ميول لمصممي الديكور، فأنا مثلاً أهتم بالعمارة كثيراً، في حين أن بعض المصممين يميلون إلى ما هو رومانسي، أي التركيز على الحالة أكثر من المكان.

 

ما أهمية وجود مدينة إعلامية سورية يتم فيها تصوير معظم الأعمال الدرامية؟

– بناء مدينة إعلامية كبيرة أمر مكلف للغاية، والأهم هو أن وجود مدينة إعلامية له سلبياته بشكل دائم، وفي مقدمة هذه السلبيات أن الأعمال غالباً ما تكون متشابهة على صعيد الديكور، وهذا نراه في الأعمال المصرية التي تُصوَّر ضمن مدينة إعلامية، بحيث افتقد المتابع لها عنصر الدهشة على صعيد الديكور.. من هنا فإن الحل الأنسب هو إيجاد استوديوهات كبيرة مناسبة لبناء الديكورات، فهذا أفضل للمخرجين والممثلين ولمصممي الديكور.

 

استطعتَ مع أسماء أخرى حجز مكانة مهمة في مسيرة الدراما السورية لم يتجاوزها الجيل الحالي.. كيف تفسر ذلك؟

– كل جيل له ظروفه، وأعتقد أن هذا الجيل لو أُعطي الفرصة المناسبة كان سيؤسس أسماء مهمة في المستقبل، وهنا لا بد أن أذكر أن عملي في التلفزيون العربي السوري ساعدني كثيراً لأنه كان يلبي كل ما أطلبه وينفذ كل ما أقرره، فالإمكانيات المادية حينها لم تكن ضاغطة كما هو الحال الآن.

 

ما أسباب غياب الأعمال التاريخية؟

– الأعمال التاريخية التي كانت مطلوبة تنطوي على إسقاطات معاصرة ومسيّسة، ومن المؤسف أن العديد من الأعمال التاريخية أُنجِزت لتوظيفها سياسياً وليس بحثاً عن الحقيقة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن سوق الخليج يلعب دوره في تحديد المواضيع ونوعية الأعمال التي ستُقَدَّم.. من هنا، غابت الأعمال التاريخية التي باتت غير مطلوبة لصالح أعمال البيئة الشامية والشعبية والتي تلبي حاجة هذه السوق.

 

لأي نوع من الأعمال التلفزيونية تميل أكثر؟

– تجربتي كبيرة جداً في مجال الأعمال الشامية والتاريخية، وفي كل عمل أحاول التجديد قدر الإمكان، وأميل للعمل الجيد بغضّ النظر عن نوعه، فالعمل الجيد هو الذي يفرض نفسه، وجودة العمل تعتمد على النص والمقولة الدرامية فيه، وما الديكور إلا الإطار الذي يخدم هذه المقولة.

 

ما العمل الذي تتوقف عنده مطولاً كمصمم ديكور؟

مسلسل “العبابيد” – إخراج بسام الملا – من أهم وأضخم الأعمال التي شاركتُ في تصميمها، واستمر العمل فيه مدة سنتين بين توقف واستمرار، ولا يمكن وصف الجهد الذي بُذل على صعيد الديكور، لذلك من الضروري القول أننا بحاجة إلى شركات إنتاج كبيرة لا تسعى وراء النفع السريع؛ ومن المؤسف أن شركات اليوم نفَسُها قصير وتعمل بسرعة لتلحق بموسم رمضان، وغالبيتها شركات لا تغامر بإنجاز عمل إلا بعد ضمان وجود محطة تقوم بشرائه.

 

حسان أبو عياش

ولِدَ في السويداء عام 1943 تخرج من كلية الفنون الجميلة “الديكور” عام 1965، وهو عضو مؤسس في نقابة الفنون الجميلة، درس في كلية الهندسة المعمارية، ومنذ العام 1970 نال العديد من الجوائز، منها: الجائزة الذهبية لأفضل ديكور في مهرجان القاهرة 2004، وجائزة الأورنينا، وجائزة أدونيا عن أفضل ديكور 2004، والجائزة الذهبية الأولى في مهرجان القاهرة 2007.

من أهم أعماله المسرحية والسينمائية والتلفزيونية: “زقاق المايلة”، و”فوزية”، و”الأجنحة” – إخراج شكيب غنام، و”مرايا” – إخراج هشام شربتجي، و”دمشق يا بسمة الحزن” – إخراج لطفي لطفي، و”حمام القيشاني” – إخراج هاني الروماني، و”نزار قباني”، و”حدث في دمشق” – إخراج باسل الخطيب، و”الممثلون يتراشقون الحجارة” – إخراج يوسف حرب، و”الغرباء” – إخراج علي عقلة عرسان، و”الشامية” و”أبو الطيب المتنبي” – إخراج مروان الرحباني، و”ضيعة تشرين” و”كاسك يا وطن” – إخراج دريد لحام، و”المغامرة” – إخراج محمد شاهين، و”أحلام المدينة” – إخراج محمد ملص، و”مريم” – إخراج باسل الخطيب.