أزمة سياساتنا وخططنا الزراعية المزمنة..!!
قسيم دحدل
للوهلة الأولى، ما كدنا نصدّق ما نقرأ، حين كشفت مديرة التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الزراعة أن التخطيط الزراعي يتمّ للمحاصيل الاستراتيجية التي تتكفل الدولة بشرائها من الفلاح (القمح، والتبغ، والقطن، والشوندر)، حيث يتمّ إبلاغ الفلاحين بالمساحات التي يجب زراعتها وتأمين المستلزمات لتنفيذ الخطة، أما باقي المحاصيل فيكون التخطيط لها كمجموعات، من خلال تحديد الخطة لمجموعة البقوليات التي تتضمن (فول، بازيلاء، حمص…) ومجموعة الخضار الشتوية، أو المجموعة الزيتية، وكل مجموعة منها تتضمن كماً هائلاً من المحاصيل، وللفلاح حرية اختيار ما يزرع من كل مجموعة، فالوزارة لا يمكنها إجبار الفلاح على ماذا يزرع.
مردّ عدم التصديق يعود لقضية متناقضة في شكلها ومضمونها، فمن جهة تكون وزارة الزراعة -المعنية حكماً برسم الاستراتيجيات والخطط الزراعية- ملزمةً بالتخطيط للمحاصيل الاستراتيجية فقط، ومن جهة أخرى غير ملزمة بغير الإستراتيجي، أي تترك للفلاح -فيما عدا ما تلتزم وتُلزمه به- الحرية فيما يختار ويريد زراعته من محاصيل غير الاستراتيجية!!.
ومع أننا لسنا من أنصار هذا الفصل بين الالتزام وعدم الالتزام في قضية تلازم التخطيط الزراعي، لكن قد يكون هذا النهج مقبولاً بنسبة ما، ولا مشكلة فيه إلى حدّ ما في حال كانت سورية بالوضع الطبيعي لأي دولة، ولم تتعرّض لما تعرّضت له على مدار عشرة أعوام من الحرب الإرهابية العسكرية، ومن ثم الحرب الاقتصادية الشرسة الشديدة القساوة على الدولة والشعب، ويزداد موقفنا رفضاً للفصل، إثر المنعكسات الكبيرة والخطيرة للأزمات العالمية وتداعياتها علينا، الأمر الذي فاقم أضعافاً مضاعفة من أزماتنا المركبة، ولعلّ من أهمها أمننا الغذائي.
ففي الوقت الذي يتوجّب فيه على وزارة الزراعة أن يكون القطاع الزراعي بكل محاصيله (محاصيل استراتيجية وغير استراتيجية)، مُتحكمُاً به ومضبوطاً بكل عناية لناحية تحديد احتياجاتنا السوقية الداخلية والخارجية التصديرية (بشكل تقريبي على الأقل) من كل محصول، تحديد اقتصادي كليّ وجزئي، نتفاجأ أن لا شيء مما يتوجب كان يتمّ، أمر نكاد نجزم أنه سبب وازن من الأسباب الرئيسية التي تكشف محدودية إدارتنا الزراعية وخططها السنوية والاستراتيجية، والتي من أبرز منعكساتها معاناة الفلاح والمواطن، وعدم القدرة على رفع معدلات مساهمة الزراعة، وبالتالي المساهمة التصديرية لمنتجاتها القابلة للتصدير في ناتجنا المحلي الإجمالي!.
وإن كان السماح بتصدير “الثوم والبصل” ومعهما زيت الزيتون، قد كشف مدى الخلل وتكراره في روزنامتنا الزراعية التي نحتاج منتجاتها للحفاظ على أمننا الغذائي معيشياً، كما نحتاج اقتصادياً ونقدياً، فلا أقل بعد ما مرّرنا به من تجارب تكاد تطيح بهذا القطاع، أن نتعظ ونعيد حساباتنا على أساس التخطيط الشامل والمتكامل لزراعتنا، لعلّ وعسى نوقف هدر إمكانيات وتكاليفنا الزراعية نتيجة لسياسات الفصل بين الاستراتيجي وغير الاستراتجي من محاصيل، حيث الخسارة أكبر دليل على ما ندّعي!!.
فعلى سبيل المثال، عندما يزرع فلاحنا مساحات واسعة ومعظمها مروية، بالثوم، ويتكلف عليها كما تتكلف الدولة الكبير من التكلفة المالية في هذه الظروف الصعبة مناخياً وحصاراً، ويكون المحصول وفيراً، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو السعر التصديري الذي يجب أن يُباع به الكلغ الواحد، بعد أن أشبعت السوق المحلية منه، والأهم: هل هناك سعر تصديري يمكن أن يحصل عليه الفلاح تحديداً، ويتناسب مع التكلفة التي تحمّلها وتتحملها الدولة؟!، وكم سيكون العائد التصديري للمُصدَّر منه إذا ما قورن مع ما أُنفق على الكميات المُصدَّرة؟.
متوالية من أسئلة كثيرة، لم يَعُد أمامنا متسع مريح للإجابة عنها، فكيف بتنفيذ ما كان يجب عمله ولم نعمله؟!..
إن الواقع الحالي لقطاع أمننا الغذائي والاقتصادي، يحتاج خارطة تتوزع عليها محاصيلنا وفقاً لاحتياجاتنا الكمية والنوعية منها سنوياً، سواء أكانت استراتيجية أم غير استراتيجية، إذ من غير المجدي كما علّمتنا التجارب ترك قسم من تلك المحاصيل لـ”حرية الفلاح” لئلا يذهب جزء من المساحات والمياه اللازمة.. إلخ، هدراً واستنزافاً للمال والموارد، وعلى حساب محاصيل أخرى، الأمر الذي يفقدنا المهمّ من الجدوى الاقتصادية، وبالتالي يفقدنا حتى الضروري من العوائد والفوائد اللازمة لاستدامة الإنتاج.
وعليه نرى أن تحديد المحاصيل التصديرية، وتحديد مساحاتها وكمياتها وتقدير إنتاجها، أمر مهمّ جداً ولا يجب أن ينفصل عما نحدّده للمحاصيل الاستراتيجية، وهذا ألف باء السياسات والخطط الزراعية، التي لم نفلح في امتحانات ترجمتها لغاية الآن!!.
Qassim1965@gmail.com