اللاجئون السوريون في تركيا.. إشغال للداخل وابتزاز للخارج
علي اليوسف
على وقع التصريحات المتناقضة التي يطلقها رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، تتفاعل أزمة اللاجئين السوريين في تركيا، فبعد أن قال في أكثر من مناسبة إنه ينوي ترحيل أكثر من مليون ونصف منهم، عاد ليرحّب ببقائهم في بلاده!.
هذا التخبّط الذي يعيشه أردوغان ليس اعتباطياً، بل مدروس بعناية وهدفه الأساسي الابتزاز والمتاجرة. وقد بدت ملامح هذه المتاجرة عندما انشغلت المعارضة بهذا الملف وخرجت عنها تصريحات وصل بعضها حدّ التحذير من وصول الأمر إلى الانفجار بسبب التحريض والكراهية، وفتح الباب على الفوضى الشاملة، وخاصةً بعد الفيلم الوثائقي القصير “الاحتلال الصامت” الذي يعكس “مخاطر وجود اللاجئين السوريين في تركيا على بنية البلاد”.
لقد جرّ أردوغان المعارضة إلى فخ التصريحات ليظهر نفسه من حلف “الأنصار والتآخي مع المهاجرين”، لكن سرعان ما ارتدّت عليه المعارضة وتحديداً النائب أوميت أوزداغ، رئيس حزب “النصر”، ومموّل فيلم “الاحتلال الصامت”، الذي وجّه كلامه إلى أردوغان بالقول: “إن تركيا ليست مزرعة لأبيك يا سيد أردوغان، الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون استفتاءً، وسيكون السؤال الوحيد: هل تريدون أن يذهب أردوغان واللاجئون؟”.
كذلك، اتّهم زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، أردوغان بأنّه يعمل على البقاء في السلطة، من خلال أصوات اللاجئين، وقال: “لقد قطعت أملك من أبناء أمّتك، فهل تريد البقاء في السلطة بأصوات اللاجئين؟ عاجلاً أم آجلاً ستأتي الانتخابات وستحاسبك الأمة، وفي اليوم التالي للانتخابات، سنبدأ خطّة إعادة اللاجئين على مدى سنتين”. وذهب الكاتب المعارض، إردال أتابك، إلى القول: “بهم تنشأ ليس جمهورية تركيا، بل السلطنة العثمانية”، على حدّ تعبيره.
لقد تحوّلت مسألة اللاجئين إلى أكثر القضايا جدلاً على الصعيد السياسي، وخاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي تضرب تركيا والمشكلات الاجتماعية وحسابات التصويت الانتخابية، حيث قارب محمد علي غولر، في صحيفة “جمهورييت” الموضوع من زاوية أخرى، مشيراً إلى أن تركيا تحوّلت تبعاً لرغبة جورج سوروس إلى مجتمع مفتوح، وأن وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، إنّما بفضل دعم السوروسيين وجورج دبليو بوش، وهذا ما كان أول ثورة ملوّنة، قبل جورجيا وأوكرانيا.
في الواقع، لا يعدّ استخدام أردوغان، وحزبه “العدالة والتنمية”، ورقة اللاجئين السوريين، أمراً طارئاً أو مفاجئاً، إذ طالما استثمر هذه الورقة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وحتى انتخابياً. وبعد تجاوزه مراحل الضغط على أوروبا وابتزازها لدفع المال في مقابل وقْف تدفّق اللاجئين إلى أوروبا، ولاحقاً تجنيس قسم من هؤلاء والزج بقسم آخر في معسكرات تدريبية لإرسالهم للقتال في معارك خارج حدود سورية (ليبيا وأذربيجان وأوكرانيا)، يجري حالياً استثمار ملف اللاجئين السوريين للاستفادة منهم في الدعاية الانتخابية من جهة، وضمان إنشاء شريط سكاني محاذٍ للحدود التركية، من جهة أخرى.
واليوم، يستعدّ النظام التركي لشنّ عملية عسكرية شمال سورية لقطاف ثمار المساومة بين حلم المنطقة العازلة وانضمام فنلندا والسويد للناتو، حيث بدأت تظهر على شكل تنازلات أمريكية لتركيا على حساب الجغرافيا السورية. ومن الواضح أن اعتراض واشنطن سابقاً بالتفاهم مع روسيا على حلم الرئيس أردوغان بإنشاء منطقة عازلة شمال سورية على حساب حلفاء أمريكا من الميليشيات الانفصالية “قسد”، تمت اليوم مقايضته بالاعتراض التركي على انضمام فنلندا والسويد للناتو.
كذلك تراهن تركيا على انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا لتغيير المعادلة العسكرية في مناطق شمال سورية، وبالتالي الانقلاب على التفاهمات المبرمة في آستانا. ولعلّ تعزيز القوات الأمريكية قواعدها غير الشرعية في سورية سبّب جهوداً إضافية لاستجلاء حقيقة النيّات الأمريكية، وفهم طبيعة التغيير الذي طرأ على الاستراتيجية الأمريكية بخصوص سورية، ولا يُستبعد أن يكون تعزيز الوجود الأمريكي هو لطمأنة تركيا وتحقيق أحلامها الطورانية، والعمل معها على فصل الميليشيات الانفصالية شريك الأمريكان عن العملية التركية.