زراعة التبغ في طرطوس مهددة بالزوال.. والمزارعون يطالبون اتحادهم بدور فاعل أثناء التسعير
طرطوس – لؤي تفاحة
يتعرّض مزارعو التبغ في محافظة طرطوس للظلم والإهمال، علماً أن هذا المحصول الذي لم يعتبر لغاية اليوم استراتيجياً يحقق أرباحاً خيالية لا ينوبهم منها إلا الفتات، رغم تعبهم وجهدهم، الأمر الذي يضع هذه الزراعة على محكّ البقاء والاستمرار.
وفي التفاصيل، وحسب المعطيات الحالية، تشكّل زراعة التبغ في طرطوس والتي تنتشر ضمن “حواكير” صغيرة طوق نجاة لأكثر من /70/ ألف عائلة تتوزع ما بين ريف القدموس والعنازة والشيخ بدر، حيث يغلب عليها صنف /شك البنات/، فيما تتوزع زراعات أخرى منه في سهل عكار بأصناف التنباك وبرلي وغيرها، وتشكّل زراعة التبغ بالنسبة للكثيرين منهم رحلة عذاب حقيقية، نظراً لتكاليف إنتاجه في ظل طول فترة موسمه وازدياد أجوره من يد عاملة وعدم توفر الأسمدة والمبيدات وغيرها، وكذلك ما يتعرّض له من كوارث مناخية أثناء سقوط حبات البرد في غير الأوقات المناسبة، وأخيراً صعوبة تسويقه وتصريفه كما حدث خلال العام الماضي.
من رحم المعاناة
وتتشابه معاناة المزارعين الذين تحدثوا لـ”البعث” من ريف القدموس والشيخ بدر ومناطق أخرى، فيؤكد أبو خضر الذي يملك ثلاثة دونمات استصلحها في زمن ندرة مادة المازوت، أنه كان يأمل بتحسين ظروف عائلته ظناً أن مؤسّسة التبغ ستعمل على تحسين سعره تدريجياً، لكن المفاجأة كانت –حسب قوله- أنها لم تقم باستلام أي كمية الأمر الذي دفعه لبيعه عن طريق التّجار بسعر 17 ألف ليرة للكيلو، في حين قام التاجر بفرمه وبيع الكيلو بنحو 45 ألف ليرة. فيما تقول أم علي: زراعة التبغ أصبحت مكلفة للغاية ولم تعد “تجيب همّا”، حيث “يتغنج” التاجر على المزارع، بالمقابل فإن سعر المؤسسة زهيد جداً ودون التكلفة الحقيقية يضاف إليه مصاريف الري والأسمدة والأدوية وجميعها غالية الثمن. وأشار أبو يحيى صاحب فرامة تبغ إلى أن كل 15 كيلو ورق يابس تنتج 8-9 كيلو مفرومة في حال كان الإنتاج جيداً، والورق عريض “مربى أو أماية” وعلى أساس نوعية الصنف وجودته نبيعه للزبون، لافتاً إلى أن الصنف الأكثر طلباً هو الدخان القدموسي، حيث يباع الكيلو منه حالياً بأكثر من 50 ألف ليرة، وبحسب خبرته أكد أن ليس كل التبغ نظيفاً، حيث عادة ما يتمّ فرم أكثر من صنف في الجرفة الواحدة من دون أن يتمّ كشفه بالنسبة لغير المدخن الأصلي أو المدمن على الدخان “العربي”.
اتحاد فلاحي المحافظة
وفي الحديث مع محمد حسين رئيس اتحاد فلاحي طرطوس لم يخفِ وجود الكثير من الصعوبات التي تواجه المزارعين، أهمها قلّة الأسمدة، بل انعدامها في بعض الأحيان وذلك للسنة الثانية على التوالي، وغلاء المبيدات الحشرية وكذلك الأدوية الزراعية، وارتفاع أجور الأيدي العاملة وعدم تناسب الجهد المبذول مع تسعيرة المؤسّسة العامة للتبغ، بالإضافة لارتفاع سعر الأسمدة العضوية وقلّة الحصول عليها، عدا عن تأثير المتغيّرات المناخية كسقوط حبات البرد والحرارة التي كثيراً ما تكون مدمّرة للمحصول.
وبين حسين لـ”البعث” أن تكلفة إنتاج الكيلو الواحد من التبغ تصل لأكثر من 12,300 ليرة، في حين تحدّد المؤسسة سعره فقط بـ4000 ليرة في أحسن الحالات وهذا فيه ظلم للمزارع، مشيراً إلى أن كلفة الدونم الواحد ولكي يعطي إنتاجاً مقبولاً تصل إلى أكثر من نصف مليون ليرة بحسب ما يتمّ تخديم الأرض وتوفير ما تحتاجه من مستلزمات زراعية مختلفة.
يوجد تنسيق.. ولكن!
ورداً على سؤال “البعث” حول العلاقة مع مؤسّسة التبغ وكيفية تقييم التنظيم الفلاحي لواقع تسويق المحصول من قبلها وبعض المشكلات المتعلقة بمكافحة “تهريب” المادة خارج حدود المحافظة، أكد حسين أنه يوجد تنسيق ولكن في الوقت نفسه يوجد ملاحظات، ومنها عدم قيام تسويق الموسم وترك المزارع لقدره!. وبالنسبة لتهريب المادة خارج حدود المحافظة، بيّن أن الجهات المكلفة بذلك متعدّدة، وأن أرقام التغريم كبيرة، فالمزارع الذي يتمّ ضبطه وبحوزته بضعة كيلوات من التبغ، سواء على دراجته أو سيارته، يتمّ كتابة ضبط بوزن المضبوط مضروباً بثلاثة، فمثلاً يحسب سعر الكيلو المضبوط بـ49 ألف ليرة وبالتالي يصبح سعره 147 ألف ليرة!. وهنا سأل رئيس اتحاد فلاحي المحافظة: هل بيع المادة ونقلها خارج حدود المحافظة يعتبر تهريباً طالما المؤسّسة لم تقم باستلام المحصول من المزارع وتركه يتصرف فيه في ظل الحديث عن وجود فائض بالإنتاج؟!.
وبالنسبة لمستقبل زراعة التبغ في المحافظة لم يبدِ حسين تفاؤلاً كبيراً، بل توقع زوالها إذا ما بقيت العلاقة الحالية على حالها بين مؤسّسة التبغ والمزارع، حيث لا يوجد دعم لا أثناء الزراعة ولا في موسم التسويق.
وتعقيباً على كلام حسين، طالب عدد من مزارعي التبغ في أكثر من منطقة بطرطوس بأن يتمّ إشراك تنظيم فلاحي المحافظة في لجان تسعير المادة، وأن يكون دوره أساسياً وليس الاكتفاء بدور المتحفظ وكأنه شاهد زور أو يأتي وجوده من باب حفظ ماء الوجه، كما كان يحدث خلال اجتماعات سابقة بحسب معلومات متوفرة لـ”البعث”، حيث كان يتمّ تبني السعر دون أي أهمية لممثل الفلاحين ولتحفظه وكأنه لزوم ما لا يلزم!.
دور مهم لفرع الحزب
من جانبه الرفيق محمود شاليش رئيس مكتب الفلاحين في فرع طرطوس للحزب أكد أن قيادة الفرع كانت قد قدّمت مقترحاً تضمن إعفاء المزارع من ثمن الشتول التي وزّعت من قبل المؤسّسة، وذلك مراعاة للظروف الجوية التي تعرّضت لها مناطق زراعة التبغ وتسبّبت بأضرار فادحة لهم، بالإضافة للمطالبة الدائمة بالعمل على توفير مستلزمات العمل الزراعي من أسمدة ومبيدات وأدوية بالوقت المناسب، ولحظ دراسة دقيقة لأسعار التبغ تتناسب مع الكلفة الحقيقية بهدف المحافظة على هذه الزراعة التي تشكل مصدر دخل لمئات العائلات.
أخيراً وفي ظل هذا الواقع غير الجيد لزراعة التبغ ومن يعمل بها، يبدو أن زراعتها مهدّدة بالزوال طالما ظل الدعم الحكومي خجولاً للمزارعين الذي يتكبدون نفقات كبيرة أثناء الزراعة ويظلمون في موسم التسويق كون الأسعار لا تتناسب والنفقات، لذلك يأمل المزارعون من المؤسّسة العامة للتبغ أن تنتهج سياسة زراعية وتسويقية واضحة وعادلة تأخذ بالاعتبار ظروف هذه الزراعة البعلية بالمقام الأول والكلفة الحقيقية للإنتاج، وأن تعمل على توفير كافة مستلزمات الزراعة من أسمدة ومبيدات مع تأمين هامش ربح ملحوظ للمزارع يضمن له العيش الكريم.