بعد أن أثبت جدواه بشكل متميز .. دعوات لنشر ثقافة التحكيم المؤسساتي للتخفيف من الأعباء وسرعة الانجاز
البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد
بعد حوالي أثنا عشر عاماً على انطلاق أول مركز تحكيمي خاص في سورية، يحضرنا التساؤل اليوم إلى أين وصلنا في تعميم ثقافة التحكيم سواء بين الأفراد أو بين الشركات الخاصة، وما مدى الثمار التي جنيناها من هذا القطاع؟، لطالما طال حديث المواطن ومن كافة الشرائح والأعمال والقطاعات والفعاليات عن الازدحام والضغط الشديد والمهام الكبيرة الملقاة على عاتق قضائنا ومحاكمنا وبشكل يزيد من زمن التقاضي ويؤخر الحصول على بعض الحقوق.
خطوة مرافقة للازدهار
تختص المراكز التحكيمية بالنظر في جميع الخلافات والمنازعات المعينة حصراً، أو ما يشبه قضاء”قطاع خاص” لكافة الخلافات المدنية والاقتصادية والتجارية والبيع والشراء سواء المحلي أو الدولي، والتحكيم في سورية منذ نشوئه في البلاد تم بناؤه على أسس علمية وعملية، خاصة بعد تعديل قانون الشركات في عام ٢٠١٠، وترافق ذلك مع الازدهار الذي ساد آنذاك، واستقطاب رؤوس أموال، إضافة لتأسيس شركات أجنبية وفروع لشركات عالمية خارجية، ووفقاً للمحامي معاذ عجلوني فقد أثبت التحكيم جدواه العملية بشكل متميز، فبات يلجأ له المتعاقدون من التجار لما يتطلبه العمل التجاري من سهولة ومرونة وسرعة فائقة في التعاملات مع ضرورة السرعة بالفصل في المنازعات التي قد تنشب نتيجة تلك الأعمال وهذا ما وفره قانون التحكيم، سواء بالاشتراط المسبق بينهم على اعتماد التحكيم في حال الخلافات ضمن عقودهم المبرمة، أو حتى من خلال الاتفاق اللاحق باللجوء من قبل الأطراف إلى التحكيم.
لكن مع كل تلك الإيجابيات للتحكيم المؤسساتي إلا أنه، والكلام لعجلوني، بعد الأزمة أصبحت بعض المؤسسات التحكيمية تهدف للربح فقط، وأصبح بعض المشاركين بالدورات التحكيمية يسعون للحصول على شهادة بالتحكيم دون الحصول على المعلومات العلمية والعملية التي تخولهم أن يمارسوا العمل التحكيمي بالشكل المطلوب في المستقبل، كما أن الحصار الاقتصادي المفروض على القطر وتبعاته على الشركات والفعاليات الخاصة وضعف القطاعات التجارية والصناعية والسياحية والزراعية أثر بشكل سلبي على مسيرة العمل التحكيمي في سورية، ومع ذلك يرى المحامي عجلوني أن التحكيم يبقى الطريق الأضمن والأنسب والأسرع وخطوة حضارية تخصصية، إلا أن تحقيق الغاية المرجوة منه تستلزم اتفاق المتعاقدين على شروط تحكيمية دقيقة لا لبس فيها ولا غموض حتى لا يقعوا بأية متاعب مستقبلاً.
ولم يفرق عجلوني بين التحكيم ضمن شركات “المؤسساتي” وبين التحكيم الحر معتبراً أن كليهما يكملان بعضهما البعض لطالما كان عملهما وفق المعايير المهنية والقانونية.
بحاجة للتعاون
أكد لنا بعض أصحاب المراكز التحكيمية والعاملين فيها أن هناك العديد من العراقيل بوجه هذا القطاع الهام، وطالبوا كافة الجهات المعنية بالتعاون معهم والوقوف على مطلبهم لإنجاح هذا القطاع سواء من قبل النقابات أو غرف الصناعة والتجارة، فمراكز التحكيم لم تتوقف عموماً عن ممارسة أعمالها وحتى في أصعب ظروف الأزمة وهي تنشد الاستمرار والتوسع والتطوير، كما لوحظ وجود نشاطات لفعاليات تحكيمية ضمن المحافظات لدعم قطاع الحكيم ونشر ثقافة هذه المؤسسات كإجراء اختبارات للمحكمين بإشراف وزارة العدل، أو عبر إلقاء محاضرات ضمن عدد من المؤتمرات، ورعاية مؤتمرات أخرى.
ومن خلال متابعتنا لقطاع التحكيم على مستوى الوطن العربي تبين أن هناك مبالغ تصل إلى مليارات الدولارات تنفق سنوياً من قبل الشركات العربية لسبب بسيط هو ضعف القطاع التحكيمي وتبني شركات تحكيمية أجنبية، ومن هنا ندرك الأهمية المستقبلية لبناء مؤسسات تحكيم سورية رائدة ليست فقط محلياً بل ودولياً بالتعاون مع ما نمتلكه من خبرات حقوقية متميزة في هذا المجال، مما قد يخلق فرص عمل ومصادر تمويل جديدة في حال تعميم ونجاح هذه التجربة.
أهميته في إعادة الإعمار
من المهم جداً نشر ثقافة التحكيم بين كافة شرائح المجتمع لما فيه من الإيجابيات الكثيرة عند اللجوء إليه لحل النزاعات، ويجب أخذه بعين الاعتبار بصورة واسعة، والعمل على تثبيته كبند أساسي في العقود الخاصة التجارية كونها تتضمن دائماً مبالغ مالية كبيرة، وتجميدها في حال نشوب نزاع طويل في القضاء يعتبر كارثة، وخسارة للأطراف، أو حتى للاقتصاد الوطني ككل وفقاً للمحامية دولت إبراهيم، التي أكدت أهمية التحكيم في الوقت الراهن كون بلدنا أصبح في مرحلة التعافي والنهوض، وهو مقبل على مرحلة إعادة الإعمار الشاملة التي ستحتم مشاركة شركات كبيرة لإبرام عقود في كافة المجالات، وهذا يفترض تذليل الإجراءات أمامها لتسهيل وتسريع عملية إعادة الإعمار، ومن المفضل أن تتضمن كل عقود تلك الشركات شرط اللجوء للتحكيم، معتبرة أيضاً أن التحكيم خطوة نحو التقدم والرقي في كافة المجالات.
ميزات معززة لانتشاره
اعتبر العديد من العاملين في قطاع التحكيم أنه يشكل الضمانة والبيئة القانونية الآمنة للاستثمار، والتجارة، مستبعدين وجود سلبيات تذكر لهذا القطاع، لطالما تم اختيار الهيئة التحكيمية بعناية، وردوا معظمهم سلبيات التحكيم التي شاع الحديث عنها إلى قطاع التحكيم الحر وليس المؤسساتي كون التحكيم الحر يفتقر للضوابط”وفقاً لوجهة نظرهم”، ولأن المحاكم هي من تعين هيئة المحكمين في التحكيم الحر إذا لم تكن محددة سلفاً بالعقد موضوع النزاع.
ويرى غالبيتهم أن التحكيم المؤسساتي يتمتع بمميزات كثيرة كالسرية للجلسات بخلاف القضاء الذي تكون جلساته علنية، مما قد يعرض أسرار التجار والشركات للخرق في حال حصول خلاف مما يعرض أعمالهم للخطر والمنافسة، أما الميزة الأهم فتكمن في السرعة، فمن حق الأطراف الاتفاق مع المركز التحكيمي، أو فيما بينهم على تحديد المدة 180 زيادة أو نقصاناً للبت بالنزاع، كما أن التحكيم المؤسساتي يحقق الوفرة إذ يوجد جدول في النظام الداخلي للمراكز تحدد فيه نسبة الأتعاب والمصاريف والنفقات في حال لم يتم الاتفاق على ذلك مع الأطراف، أيضاً في حال وجود نزاع منظور أمام القضاء يمكن للأطراف اللجوء للتحكيم لإتمام حل المنازعة، كما أن قرارات التحكيم مبرمة وغير قابلة لأية طريقة من طرق الطعن أو المراجعة الموجودة لدى القضاء العادي، أما بخصوص تشكيل هيئة التحكيم ضمن المراكز فإن الأطراف لهم حرية اختيار قضاتهم من المحكمين المعتمدين بالجدول الموجود ضمن أي مركز تحكيمي، أو حتى خارج المركز، بالإضافة لتمكين الأطراف من أن يتفقوا على تطبيق نظام مركز معين للتحكيم بدلاً من قانون التحكيم، وأكدوا أن هذه الميزات تعزز من رصيد تشجيع هذا القطاع، وكافية لاعتناق التحكيم كقضاء أول كما في غالبية دول العالم.
ونأمل بالنهاية أن يسير هذا القطاع ويصل إل الغايات المرسومة له، وأن يحقق كل الرواج في كافة القطاعات وبصورة أكثر سرعة وفعالية مما نراه اليوم، للتخفيف من الضغط على القضاء ومساعدته بتحقيق العدالة وسرعة إجراءات التقاضي.