مجلة البعث الأسبوعية

براعة استيلاد الإيجابي من السلبي !..

 د. مهدي دخل الله

لعلها واحدة من أهم خصائص الإنسان التي تميزه عن المخلوقات الأخرى ، فالاستسلام للأوضاع السلبية يعني نهاية الحياة . هذا ليس خطاباً إنشائياً أو أخلاقياً ، إنه تأكيد على تميز الإنسان وإلا لكانت الحياة قد انتهت منذ بداياتها الأولى .

من أهم مقولات الرئيس الأسد الفكرية ، التي تشير إلى ضرورة امتلاك هذه البراعة ، حديثه عن أهمية « استيلاد الأمل من رحم الألم » و« تحويل الأزمة إلى فرصة » و « المحنة إلى منحة » . هذا هو نهج حياة على جميع المستويات سواء على المستوى الفردي ، أي عندما يقابل الفرد مشكلة مستعصية في حياته ، أو على مستوى المجتمعات والدول .

على ضوء هذه « البراعة » يمكن استخدام نهج مناسب لقراءة التطورات حولنا في جميع دوائرها . الأوضاع صعبة جداً على المستوى المحلي والعربي والإقليمي والعالمي . سورية تتعرض لأعتى حرب اقتصادية وإعلامية ونفسية في التاريخ المعاصر بعد أن يئس العدوان من قدرة الإرهاب والتدمير والاحتلال على إخضاعنا . على المستوى العربي هناك ليبيا والسودان واليمن إضافة إلى الصراع العربي الإسرائيلي المستمر , وهناك على المستوى الإقليمي مسألة مواجهة إيران للضغوط الغربية بما في ذلك الحصار والمقاطعة . أما على المستوى الدولي – وهو الأكثر أهمية – يبدو الصراع في أوراسيا بين روسيا والناتو معرضاً للتصعيد على الرغم من شدته الحالية ..

وهناك رابط محوري يجمع المستويات كلها في دائرة واحدة , وقد كانت سورية المبادرة في مواجهة الناتو ميدانياً منذ عام/ 2011 / عندما لم يكن أحد يجرؤ على مواجهة هذا الحلف الهيمني القوي.

الرابط المحوري لهذا الحراك , على جميع مستوياته , تحول العالم من نظام دولي إلى آخر . لا جديد في القانون الأساسي الذي يحدد هذا التحول التاريخي , وهو أنه عند كل تحول من نظام إلى أخر على العالم أن يعيش آلاماً مضاعفة مع كل ما يتضمنه ذلك من مآسٍ وتدمير وضحايا .

الآلام المضاعفة هي آلام ولادة النظام الجديد مضاف إليها آلام حشرجة احتضار النظام القديم وموته . عملية موت نظام التحالف ضد النازية وولادة ثنائي القطب امتدت عشر سنوات من بوتسدام وتقسيم أوروبا /1945/ وحتى نهاية الحرب الكورية /1955/ . مع تدمير هائل وملايين الضحايا . النقلة الثانية جاءت في التسعينات حيث أدى الانتقال من ثنائي القطب إلى وحيد القطب تدميراً وأكثر من مليون ضحية في يوغسلافيا التي امتدت الحرب فيها عشر سنوات تقريباً .

اليوم نعيش حشرجة احتضار نظام القطب الأوحد وآلام ولادة نظام متعدد القوى وغير قطبي . بدأت المعركة الكبرى في سورية ثم بعد أكثر من عشر سنوات من الصمود المعجزة اتسعت المسألة لتصل إلى مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو . المهم أن سورية هي من عرابي المولود الجديد الفرحين بقدومه ودافني الميت القديم وليست من الباكين عليه .

 

mahdidakhlala@gmail.com