فرحان بلبل وسعد الله ونوس في إضاءات مسرحية لملتقى أورنينا
حمص – آصف إبراهيم
استضافت القاعة الأثرية في كنيسة الأربعين بحي بستان الديوان في حمص القديمة الأيام المسرحية والفنية والثقافية التي ينظمها ملتقى أورنينا للثقافة والفنون، أحد أكثر الجمعيات الأهلية نشاطاً على صعيد محافظة حمص، والتي بدأت مساء السبت الماضي واستمرت لمدة ثلاثة أيام، بدأت مع عرض فني موسيقي غنائي لفرقة الملتقى التراثية “سهرة شجن” بقيادة الفنان نوفل دربولي، التي صدحت بأجمل الأغاني التراثية والطربية والوطنية، أعقبها يوم الاثنين ندوة حول تجربة المسرحي العتيق فرحان بلبل الطويلة شارك بها نخبة من النقاد والمسرحيين تناولت تجربة بلبل التي بدأت عام ١٩٦٨ مع الأندية المحلية في حمص، وقدّم خلالها عروضاً عديدة منها “الجدران القرمزية”، و”العيون ذات الاتساع الضيق”، و”الحفلة دارت في الحارة”، وغيرها، وأسّس عام ١٩٧٣ فرقة مسرح العمال التي قدّمت أكثر من ٤٠ عرضاً معظمها من تأليفه وإخراجه، عمل أستاذاً لمادة الإلقاء المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وصدر له العديد من الكتب النقدية حول المسرح، وكُرّم في مهرجانات محلية وعربية عديدة.
وتناولت الدكتورة رشا العلي عدداً من مسرحيات بلبل وما تركته من صدى وجدل واسع في المجتمع، وتحدثت عن كتاب “المسرح وحكاية الموت” الذي يروي سيرته الذاتية والفنية، وبيّنت أهمية بحثه عن هوية مسرحية ما تزال مستمرة ولتأكيد وجوده إنسانياً ومسرحياً في مواجهة مظاهر الصراع والتحولات في المجتمع، مشيرة إلى أن السيرة كُتبت بشكل فني وفق فصول معنونة “الجدول والنهر والبحيرة ومداد الكاتب” وكأنها رواية.
كما تحدث الناقد عطية مسوح عن تمترس بلبل بالثقافة، قراءة وتأملاً وتعمقاً وتمثلاً، وتعمّده إشراك الخيال مع المادة المقروءة وتحريض الأفكار المبدعة، فإلى جانب إتقانه فنون المسرح لم يكن بعيداً عن الأنواع الأدبية الأخرى من نقد وشعر وتراث.
وتناول أبرز سمات مسرح بلبل التي تتمثل بالإفادة من المدارس المسرحية دون أن يكون مقلداً أو أسيراً لمدارس معينة، بالإضافة إلى نزعته الواقعية بعيداً عن السذاجة الفنية ومعالجته القضايا المرحلية بوصفها مفردات قضايا مرتبطة بالكون والوجود الإنساني.
واختُتم اليوم الثاني بعرض مشهد من مسرحية “طاقية الإخفاء” لفرقة أصدقاء المسرح من اللاذقية، إخراج أكرم شاهين وتمثيل اليسار كوسا ويوسف حيدر.
اليوم الثالث أمس الثلاثاء خُصّص للإضاءة على مسرح سعد الله ونوس، شارك فيها الدكتورة رشا العلي والمخرج أكرم شاهين والدكتورة سلوى الحصني، وتطرقت المداخلات إلى تجربة ونوس الإبداعية وأسلوبه المسرحي المجدّد وأهم إنجازاته، حيث ولد في آذار من عام 1941، في اليوم العالمي للمسرح. والبداية كانت من قرية حصين البحر في محافظة طرطوس، ثم سفره إلى مصر لدراسة الصحافة في جامعة القاهرة، وهناك كتب أولى مسرحياته. وبين الكتابات الصحفية والمراجعات الأدبية، ألّف ونّوس نصوصاً مسرحية عديدة في المرحلة التي أعقبت تخرجه وعمل خلالها لمصلحة منشورات لبنانية وسورية.
أتاح له سفره أواخر الستينيات إلى فرنسا الاطلاع على الحياة الثقافية الفرنسية ودراسة المسرح الأوروبي، وواصل الكتابة بعد أن منحته البيئة الجديدة مادة دسمة للتفكّر والنقد، أحدث عقب عودته إلى سورية تحوّلات بنيوية في واقع المسرح السوري، من خلال الاضطلاع بمهام تأسيسية أخذت هذا الفن إلى مستويات متقدمة، ومنها تنظيمه مهرجان دمشق المسرحي الأول، وتعيينه مديراً للمسرح التجريبي في مسرح القباني ليؤسّس ويضع برنامجه، وكذلك مساهمته في إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وعمله مدرساً فيه، وإصداره مجلة “حياة المسرح” وترؤس تحريرها.
وعلى مدى عمر إنتاجه المسرحي، ألف سعد الله ونّوس نصوصاً وترجم أخرى، ويُذكر من مؤلفاته “مأساة بائع الدبس”، و”جثة على الرصيف”، و”حفل سمر من أجل خمسة حزيران”، و”سهرة مع أبي خليل القباني”، و”الملك هو الملك”، و”الاغتصاب”، و”منمنمات تاريخية”، و”ملحمة السراب”، و”الأيام المخمورة”.
وبينما انعكس ثقل النكسات السياسية والأوضاع الاجتماعية في العالم العربي على أعمال ونّوس، انقطع عن الكتابة في ثمانينيات القرن الماضي عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ليعاود الكتابة في مطلع التسعينيات.
مرض ونّوس بالسرطان في مطلع العقد التاسع من القرن الماضي، ومع ذلك عاود الكتابة وأصدر عدداً مهماً من أعماله في تلك السنوات، إلى أن وافته المنية في 15 نيسان 1997، وقد حظي بتكريمات عدّة في فعاليات عربية، مثل مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ومهرجان قرطاج الدولي، وتسلّم جائزة سلطان العويس الثقافية عن المسرح.
واختُتمت الندوة بعرض مشهد من مسرحية ونوس “يوم من زماننا” إخراج أكرم شاهين وتمثيل أمجد عبد الحميد، وعبد القادر حورية.