سوء التنظيم يرافق الاتحاد الأوروبي في المواعيد الكبرى والحلول تقتصر على الوعود
البعث الأسبوعية-سامر الخيّر
تتجه الأنظار هذا المساء إلى ملعب ويمبلي مسرح أحد أكثر المباريات ترقباً لهذا العام بين إيطاليا بطلة اليورو والأرجنتين بطلة كوبا أمريكا الفيناليسيما والذي تحدثنا عنه في العدد السابق، ليس فقط لقوة اللقاء وشعبية الفريقين وإنما لظاهرة قديمة متجددة اجتاحت الملاعب الأوروبية في البطولات الكبرى خلال السنوات القليلة الماضية، ألا وهي سوء التنظيم الذي بات مرافقاً لكل نهائي كروي في القارة العجوز، وما فتح هذا الباب حدثان الأول، ما عاشه جماهير ومتابعو نهائي دوري أبطال أوروبا قبل أيام والذي انتهى لمصلحة ريال مدريد الإسباني بهدف نظيف على حساب ليفربول الإنكليزي، حيث اضطر المنظمون لتأجيل حفل الافتتاح وصافرة البداية مرتين، والسبب أحداث أمنية من سرقة ودخول لحضور المباراة دون بطاقات، والمستهجن أن الرقم وصل لـ15 ألف شخص دخلوا دون حصولهم على البطاقات.
أما الحدث الثاني فهو الملعب نفسه، الذي استضاف آخر نهائي لأمم أوروبا 2020 بين إيطاليا وإنكلترا وفاز فيه الأول، وكان بمثابة إنذار قوي لرئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ألكسندر تشيفرين، الذي توعد بعدم تكرار حالة الفوضى وأحداث العنف التي شهدتها المباراة، ووقتها أكد أن مشاهدة المباراة بشكل مباشر من أرضية الملعب هو وقت عائلي للمرح والاستمتاع، ويجب أن يشعر الناس بالأمان في استادات كرة القدم وحولها ولا يفترض أن يشعروا بأي خطر، وعلى مايبدو كان الموضوع مجرد تصريحٍ غير ملزم، والمستهجن أن ويمبلي مرشح بقوة للاستضافة المشتركة ليورو 2028 المقدمة من المملكة المتحدة وإيرلندا.
فأين مكمن الخلل؟ هل ما حدث مقصود أم أن الأمور خرجت عن السيطرة بالفعل؟.
لا يمكن لأحد حتى الآن أن يجزم بأن ما حصل كان مقصودا ً، فمثلاً القناة الحاصلة على حقوق البث في منطقتنا العربية ورغم كل الإمكانات التي تمتلكها، لم تخرج في نقلها عن صور الملعب من الداخل أو صورة متكررة من السماء، واقتصرت معلوماتها على حديث هاتفي صوتي مع مراسلها دون نقل لأي حدث أو صورة خارجية إلّا تلك التي بثتها كل المحطات العالمية، وطبعاً هذا كله للتغطية على أخطاء المنظمين الباريسيين حيث العلاقة الوطيدة مع المحطة وملاكها، أي أن ما حدث ربما يكون خارجاً عن إرادة المنظمين، لكن الرقم المسرب لأعداد الداخلين إلى استاد سان دوني يثير الريبة، وكأن هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها فرنسا تنظيم حدث بهذا القدر، رغم أنها سبق ونظمت بنجاح كأس العالم وكأس الأمم الأوروبية، مع وجود غفير للجماهير الإنكليزية، ما يعيدنا إلى نقطة البداية.
في العادة نشهد مثل هذه الحوادث في باقي القارات وخاصة اللاتينية والسمراء، وكلنا نذكر كمَّ الاحتجاجات التي رافقت كأس الأمم الأفريقية الأخيرة التي استضافتها الكاميرون العام الماضي، وجعلتها النسخة الأسوأ في تاريخ البطولة منذ انطلاقها عام 1957، وشملت الاحتجاجات وقتها استخدام كرات غير صالحة للعب، كما حصل في مباراة مصر ونيجيريا من استبدال لكرة المباراة 3 مرات في أول 22 دقيقة من عمر اللقاء، وعدم توفير المواصلات الكافية والملائمة للمنتخبات كما حدث مع المنتخب الجزائري الذي اضطر لنقل لاعبيه على دفعات إلى مقر إقامتهم عقب نهاية تدريباتهم بسبب عدم وجود الحافلة المخصصة لهم، وأرضيات الملاعب التي سببت العديد من الأضرار والإصابات والكدمات، والأسوأ ععلى الإطلاق كان غياب الإجراءات الأمنية، حيث تعرّض عدد من الإعلاميين إلى عملية اعتداء بالسلاح الأبيض وسرقة هواتفهم النقالة ومبالغ مالية.
لكن هذه الحالة يمكن التوقع بها بالنظر إلى الفارق الكبير بين إمكانات الاتحادين الأفريقي والأوروبي مثلاً، إضافةً إلى ضعف الرعاية لهذه البطولة، هذا من جهة ولتعاون الجمهور وتفاعله وتقيده بالإجراءات المتبعة من جهة أخرى.
ربما يكمن الجواب في طبيعة اللعبة نفسها، التي شهدت تطورا ًكبيراً خلال العقد الأخير وتعديلاتٍ أغلبها يتعلق بالنواحي الاقتصادية، ومع تقدم التكنولوجيا والتسويق للاعبين والأندية الكبيرة الذي أضحى جزءاً من سياسة الأندية، فقد القائمون على اللعبة سيطرتهم على آلاف المشجعين الذين أصبحوا أكثر تعصباً وتعلقاً بفرقهم ومنتخباتهم وكأننا عدنا بالزمن بدل أن نستطيع التأقلم مع هذا الوضع الجديد.
والغريب أن الحلول كثيرة، وأولها وأوضحها ما يتعلق بقطع التذاكر وتوزيعها، حيث يجب التسليم بدايةً أن السوق السوداء لا يمكن وقفها حالياً لذا يجب التوجه إلى تسخير التكنولوجيا أكثر في هذه النقطة، وإيجاد آلية تكفل التقليل من بيع التذاكر عند غير المعتمدين وخاصةً فيما يتعلق بالتذاكر الموسمية أو الخاصة بالمباريات النهائيّة، أما النقطة الأهم فهي الحرص على إجراءات أمنية أكثر صرامة تصل حدّ التهديد بفرض العقوبات للجماهير، وربما يكون هذا هو الحلّ الأمثل لتفنيد الذرائع التي تؤكد أن الجمهور الإنكليزي هو الوحيد المسبب لأحداث الشغب، والكلام هنا غير دقيق طبعاً فحركة النازيين الجدد التي شهدتها الملاعب الأوروبية خلال السنوات العشرين السابقة تنفي هذا.
على كل حال اليوم سيكون مفصلياً جداً، فعلى الاتحاد الأوروبي للعبة ومن ورائه الاتحاد الدولي أن يقدموا هذا المساء صورة يدافعون فيها عن قدرتهم على احتواء الأخطاء التنظيمية والتعلم مما سبق، وإلّا الأجدر بتشيفيرين ورفاقه تقديم استقالاتهم، فالنجاح المالي لا يغطي باقي الأخطاء، ولا يعفي من المسؤوليات.