هل تقبض نصوص الإبداع على لصوص الإبداع؟
البعث الأسبوعية-غالية خوجة
تنبع أهمية حماية الملكية الفكرية من الحياة، لأنها مفاعل حيوي نشط إذا طبق فسيحافظ على الحقوق، ويساهم في تحريك وتطوير بنية متكاملة منها صناعة النشر، وارتفاع مؤشر القراءة، والنهوض بالتعليم، وتطوير الاستثمار في الاقتصاد الإبداعي ثقافياً ومعرفياً وعلمياً وسياحياً، كما يساهم في تشجيع المبتكرين والمخترعين والمبدعين على مزيد من الإنتاج المميز، إضافة إلى تشكيل وتأسيس وعي فردي وجماعي مثقف، يعرف مفهوم الحوار والتفاهم والاختلاف الإيجابي، ويعرف تأريخه وتراثه وحاضره وما له وما عليه، كما يمتلك رؤيا تسعى إلى النمو المستدام من أجل التخطيط لمستقبلية ممنهجة.
لماذا شعلة الملكية الفكرية خافتة محلياً مضاءة عالمياً؟
وحول هذه الإشكالية ومفاهيمها وتطبيقها واقتراحاتها الأفضل، تساءلت “البعث الأسبوعية”: ترى، ماذا عن حقوق الملكية الفكرية؟ ولماذا تضيع وتقرصن بين الورقي والالكتروني؟ ما دور القانون؟ وما مدى تطبيقه في الحياة الواقعية والبيئة التكنولوجية؟ هل هناك محاكم خاصة بهذه الحقوق؟ ومن هي الجهات المعنية بحماية الحق الفكري العام؟ وهل للموروث الشفاهي حصانة قانونية؟ وهل هناك حماية لاسم الكاتب الأدبي الفني المستعار؟ ولماذا المؤلف في البلاد الأخرى يحقق أرباحاً معنوية ومادية ومالية تساعده على الحياة برفاهية؟ بينما يعيش في بلدان أخرى برفاهية الفقر؟!
القانون السوري يصون الحقوق
أجاب المحامي إبراهيم بدّور: صدر القانون السوري رقم 62 عام 2013، وتمّ العمل به بعد 6 أشهر، متضمناً 104 مواد، وسُمي بقانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ومنح المؤلف حقاً مالياً وأدبياً، وضمن حقه المعنوي وحق نشر مصنفه لأول مرة ونسبته إليه، باسم صريح أو مستعار، وهو من اختصاص المحاكم المدنية.
الحق مؤقت وأبدي ومالي ومعنوي ومادي
وتابع: الحق الأدبي أبدي، لا يقبل التنازل عنه ولا يسقط بالتقادم ولا يجوز الحجز عليه، لأنه معنوي لا يدخل في ذمة المؤلف المادية، وينتقل إلى الورثة، وإذا لم يوجدوا، فينتقل إلى وزارة الثقافة، أمّا بالنسبة للتنازل، فيُشترط أن يكون خطياً أو الكترونياً، والتنازل عن الحق المالي لا يعني التنازل عن الحق المعنوي، كما لا يجوز التنازل المستقبلي عن الحق، بينما الحق المادي فمؤقت، تبدأ مدته بعد وفاة المؤلف، ولا يحق لورثته استغلال المصنف، ولا يحق للدائن الحجز على الحق المعنوي، بل على الحق المادي كالنسخ المنشورة.
وأوضح بدّور: للحقوق المالية مدة محددة وتُحمى طوال حياة المؤلف إضافة لـ50 سنة بعد وفاته، وكذا، تعامل حقوق المصنفات المشتركة مع مراعاة بدء الخمسين سنة منذ وفاة آخر مؤلف، كما تحمى بالاسم المستعار 50 سنة منذ نشرها لأول مرة، وبمجرد الكشف عن الاسم الحقيقي
هل المصنف المنشور بلا حقوق؟
وبدوره، أوضح محمد سمية رئيس دائرة حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة بمديرية الثقافة بأن الدائرة تطبق حقوق الملكية الفكرية ولكل مؤلف أن يتقدم للتسجيل فيها ضمن الإجراءات المحددة.
فسألته: لكن، لماذا لا تبادرون أنتم إلى تسجيل حقوق المؤلفين في حلب، وتدعونهم إلى نشاط واجتماع لتشجيع الفكرة؟
أجاب: قريباً، في دمشق، ستكون هناك ورشة عمل مركزية إعداد الكوادر الإدارية في حماية حقوق المؤلف، وأعدّ مذكرة لطرحها، ومنها أن يتم تأمين وحدة تخزين آمنة لحفظ الملفات الالكترونية وحفظ المصنفات المرفقة بها، ليصار إلى نقلها إلى دمشق كل شهر مرة.
حينها، سألته: هل يعتبر المصنف بلا حقوق إذا كان مرخصاً ومنشوراً برقم محلي وعالمي؟
فأجاب: يعتبر حق الملكية ساري المفعول حال نشر المصنف، ولكن حقه يصبح أقوى عندما يكون مسجلاً في الدائرة.
مفهوم قديم بقانون جديد
وأكد د.فاروق أسليم عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب على حق المؤلف المحمي في سورية، وأن مفهوم الملكية الفكرية ليس جديداً، وشرارته انطلقت من شمال إيطاليا في عصر النهضة عام 1474، ويرجع نظام حق المؤلف إلى اختراع الحروف المطبعية والآلة الطابعة على يد يوهانس غوتنبرغ عام 1440، وفي نهاية القرن 19 شعرت عدة دول بضرورة وضع قوانين تنظم الملكية الفكرية، وتمّ دولياً التوقيع على معاهدتين تعتبران الأساس الدولي لنظام الملكية الفكرية هما اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية 1883، واتفاقية برن 1886 لحماية المصنفات الأدبية والفنية، ثم تأسست المنظمة العالمية للملكية الفكرية “ويبو-WIPO”، بمقتضى اتفاقية دولية وقعت في استوكهولم 1967، ودخلت حيز التنفيذ عام 1970، وعدلت عام 1979، وحلت مكان المكاتب الدولية المتحدة لحماية الملكية الفكرية التي أسست عام 1893، وانضمت لأسرة الأمم المتحدة عام 1974 لتصبح وكالة أممية متخصصة يبلغ عدد أعضائها أكثر من 190 بلداً، وخصص يوم 26 نيسان يوماً عالمياً للملكية الفكرية.
وتابع: وتأكيداً للتعاون الوثيق بين جامعة الدول العربية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية تم توقيع مذكرة تفاهم بين الطرفين عام 2000 لدعم التعاون في الأمور ذات الاهتمام المشترك، من تبادل وتحديث المعلومات وتحديثها إلى إعداد ونشر الدراسات والمعلومات والمواد المرجعية باللغة العربية حول مختلف جوانب الملكية الفردية، وفي عام 2016 اتفق الوزراء العرب على إنشاء مؤسسة تابعة لجامعة الدول العربية تهتم بالتنمية الفكرية.
كيف لباحث أن يكون لصّاً؟
أمّا عن أهمية هذه الحماية، فأجاب د.أسليم: يحتاج الكاتب لمن يرعى كتابته، وإلى دخلٍ مادي يوفر له حياة كريمة ويشجعه على الكتابة من جديد، وهناك إشكاليات عديدة تحتاج إلى حلول، فتأريخياً، على سبيل المثال، احتكرت الصين صناعة الورق لأنها ابتكرته، ولم تسمح بمعرفة سر صناعته، وكانت الدول تحافظ على أسرار ما لديها من مخترعات، وفي سورية لا نعرف كيف نسجل القضايا الفكرية؟ هل نشر الكتاب يعني أن حقوق الملكية قد سجلت؟ من يرعى حقوق المؤلف ويدافع عنها؟ ألا توجد جهة تدقق في هذا الأمر، أين الادعاء العام؟ ومن الجهات صاحبة الحق العام في ذلك؟ هل وزارة الثقافة؟ أم اتحاد الكتاب العرب؟ أم الجامعات؟
وأردف: قد تحدث سرقات في الجامعات، وعلى الجهات العامة أن تقوم هي ذاتها بالادعاء، فكيف تسمح لباحث أن يكون لصاً؟ والفكرة أن المؤسسات العلمية بإمكانها أن تدافع عن المنتج العلمي وليس بالضرورة صاحب الرسالة، خصوصاً، في حال عدم علمه بذلك.
وسائل التكنولوجيا مصدر توثيقي
واسترسل: وحالياً، تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية والفضاء الافتراضي مرجعاً توثيقياً لحقوق النشر.
هل هناك حق لكاتب يكتب لآخر؟
أجاب د.أسليم: بلا شك، نحن بحاجة إلى حماية للعقول وملاحقة من يشوه العقول، وعلى المؤلف الذهاب إلى الجهة المختصة في وزارة الثقافة، لأن كل كلام لا يوثق قانوناً لا يطالب به.
رقابة اجتماعية
ورأى جابر الساجور مدير الثقافة بحلب أن ثقافة المجتمع بالنسبة للملكية الفكرية هي نتاج رقابة اجتماعية، وفي سورية، هناك مديرية الحماية الفكرية في وزارة الاقتصاد لحماية الاختراعات، وفي وزارة الثقافة لحماية الإبداع الفكري، ولها قوانينها الخاصة بما يحدث في هذا المجال سواء داخل القطر أو خارجه.
هيئة لحماية الملكية العامة
واقترح تحويل مديرية حماية الملكية إلى هيئة حماية الملكية العامة، نظراً لأهمية الموضوع وتشعباته في ضمان حقوق المخترع والمبدع والدولة، كما نحتاج لمتابعة وتخصيص الكوادر، إضافة إلى ضرورة وجود نظام داخلي، ويضاف إلى ذلك محور الرقابة على المكتبات الورقية والالكترونية، والوسائل الإعلامية الأخرى المسموعة والمرئية والمطبوعة.
لماذا السلع الاستهلاكية أهم من الفكرية؟
وأجرى الأديب جورج سباط مقارنة بين السلع الاستهلاكية ومنها الغذائية والإنتاج التأليفي، قائلاً: هناك رقابة تموينية معتمدة على عاملين، وموظفين يتجولون في الأسواق ويتابعون من يمارس الغش، فهل لهذه المواد الاستهلاكية أهمية أكبر من المنتجات الإبداعية؟ لماذا لا يكون هناك رقابة على لصوص الإبداع؟
من يتابع الكمّ الهائل مما ينشر؟
وأشار الشاعر إبراهيم كسار إلى وجود السرقات منذ القدم، وهي متنوعة بين سرقات للتراث الشفاهي والفلكلوري، وتتكاثر منذ عصر التدوين، وحالياً، في عصر النشر الالكتروني، وهناك كمّ لا يحصى من الكتب التي تطبع وتنشر حول العالم، فكيف نتابعها ونتابع السرقات؟ هل من حلول لهذه المشكلة؟