مجلة البعث الأسبوعية

القصة القصيرة وأسئلتها

البعث الأسبوعية_سلوى عباس

دعيت منذ أيام إلى حضور فعالية عن القصة القصيرة أقامها الملتقى السوري للنصوص القصيرة، وقد بدأ مدير الملتقى الحديث عن المشهد القصصي الذي يعتبر أكثر ثراء وتنوعاً من الأنواع الأدبية الأخرى على مر تاريخ الأدب، فهذا الفن شهد ازدهاراً لافتاً منذ فترة التسعينيات واستمر متواتراً بين توهج وخفوت، وفي ظل غياب النقد المتخصص يصعب العثور على تقويم موضوعي للمنجز القصصي، خاصة في العقود الأخيرة من القرن الماضي وحتى الآن، مع أننا نقف أمام منجز متميز كماً ونوعاً، تم التركيز فيه على بعض أسئلة القصة القصيرة الجديدة إذا جاز القول، الأمر الذي يلقي الضوء على تجارب كتّاب القصة الخاصة من جهة، ويفيد في إبراز بعض معالم المشهد القصصي الراهن بشكل عام من جهة أخرى، وهو مشهد جديد وممتع وجدير بالاهتمام.

ويحفل عالم القصة القصيرة السورية بتجارب إبداعية هامة، وهناك أسماء من كتّابها الكبار بدءاً من بعض مؤسسيها، مروراً ببعض من رسخوها كجنس أدبي مستقل، وصولاً إلى كتابها الجدد، والتي غدت أسماء لامعة في سماء القصة العربية، واللافت لدى كل هؤلاء المبدعين أنهم صنعوا أساليبهم الخاصة وأصواتهم الفريدة، لكن آفاق الإبداع في القصة القصيرة هي اليوم أكثر ما تكون انفتاحاً أمام كتّاب القصة، فهم يعيشون هامش ابتكار الأساليب الجديدة، ويخوضون غمار التجريب، وينوعون المضامين في زمن عاصف يمتلئ بالأحداث الخطيرة، فيكتبون زمنهم بحرية أكبر وإبداع أكيد، ونادراً مايخضعون لتأثير السلف أو سلطة الأيديولوجيا.

نحن هنا نتحدث عن القصة الإبداعية تحديداً والقاصين المبدعين حصراً، ولايعنينا من سمّوا أنفسهم كتّاب قصة بقرار شخصي عبر منابر وسائل التواصل الاجتماعي، فهؤلاء لاقيمة إبداعية لإنتاجهم، وبالمقابل هناك عوائق كثيرة تعترض مسيرة القصة القصيرة، وهي عوائق مشتركة بينها وبين غيرها من الأجناس الأدبية، منها تراجع قرائها في ظل سيطرة الثقافة البصرية، وانصراف كتابها عنها إلى أجناس أدبية أخرى، لكن القصة القصيرة تبقى مستمرة بقوة الإبداع، لأنها الأكثر التصاقاً بهموم زمنها، والأكثر تجريباً وبحثاً في مضمار هويتها الفنية.

وإذا اعتبرنا أن الفن هو الابن الشرعي للسؤال، وهو التجلي الأرقى لفلسفة الرؤية والتعبير، فمن أجل ذلك يكون الشكل الفني جزءاً من العمل الأدبي لاينفصل عنه، لأنه على ضوء الإجابات الممكنة تتحدد ماهية الفنان وتتوضح سمات فنه وإبداعه، وتظل محصورة في نطاق مساءلاتها تلك لاتعدوها إلى غيرها من نصوص تشاطرها الجنس الإبداعي ذاته، فهناك في كل عمل جديد لكاتب جديد، أو لكاتب مخضرم، محرضات جديدة على أسئلة تراكم عبر إمكانية إجاباتها المحتملة صيرورة التجربة الفنية لهذا الكاتب، ومن ثم لجيل من الكتّاب، أو لتيار أدبي كامل.

وفي عودة إلى الملتقى وما قُدم من نصوص تراوحت هويتها بين القصة القصيرة والنص المفتوح نرى أن ما يميز هذه النصوص أنها نتاج للواقع الذي عايشه كل كاتب وتمثيل لبيئته وواقع مجتمعه، فشكلت بمجموعها أدباً إنسانياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أدب الدفاع عن الحياة وقيمها، فالتجربة ماهي إلا نوع من خوض معركة من معارك الحياة بحلوها ومرها، وقد استطاع المشاركون تقديم صورة عن تلك الفترات المعاشة بكل معانيها.

كما يحسب لهذا الملتقى وغيره من النشاطات التي تقام حول الأدب بأجناسه المختلفة أنها تقوم بدور مهم في البحث عن دماء جديدة وإبراز التجارب الإبداعية الشابة، فهي المنبر الذي يوصل الأديب للناس وتوفر للأدباء المشاركين في هذه الملتقيات مجموعة من الفرص في التعرف على نقاد من مستويات مختلفة ونواحي أدبية ولغوية ونحوية وكسب خبرة مما يقدم من نقد، فلكل كاتب تجربته الخاصة التي تميزه عن سواه وترسم له خطاً مرتبطاً به وعليه أن يطورها دائماً ولا يعرضها للإهمال.