مجلة البعث الأسبوعية

تغيير العامل الثقافي في أولويات التحول الرقمي 2030.. بنية “الاتصالات” كانت الأقل تضررا خلال الحرب ما أتاح الانطلاق ببعض الخدمات الإلكترونية

“البعث الأسبوعية” ــ رامي سلوم

على الرغم من العائق الثقافي والمعرفي الذي يمكن وصفه بالعدائي، أو غير الواعي لتوجهات التحول الرقمي على أقل تقدير، إلا أن وزارة الاتصالات والتقانة أعلنت أن سورية ستكون دولة رقمية في العام 2030. ويحتل العامل الثقافي بعدا أساسيا لا يستهان به في عملية التحول الرقمي على المستوى العالمي، إذ تشير دراسات صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن 84% من مشروعات التحول الرقمي في العالم تفشل بسبب عوامل ثقافية، أهمها ضعف الثقافة والإدراك المعرفي، وميزات الخدمة التي يحققها المشروع، وذلك في مختلف حلقات إنجازه.

 

تطويع

وفي سياق تطويع الواقع الثقافي المحلي، وتنبه الوزارة إلى أهميته، لفتت معاون وزير الاتصالات والتقانة لشؤون الحكومة الإلكترونية، فاديا سليمان، إلى أن الوزارة وضعت “إدارة التغيير وبناء القدرات” ضمن محاورها الإستراتيجية الرئيسية للتحول الرقمي، للتغلب على العائق الثقافي في مختلف مراحله، كونه من أهم عوائق تطبيق التحول، والتي تعمل الوزارة على تجاوزها عائقا تلو الآخر مع شركائها في الإدارات الحكومية والقطاع الخاص. وأشارت إلى أن الوزارة تدرك تماما أن عملية التغيير الثقافي يجب أن تتم ابتداءً من العنصر القيادي والمسؤولين في الدوائر الحكومية المعنيين بتطبيق هذا التحول، والاستفادة من قدراته لخدمة الجمهور، والموظفين المنوط بهم تطبيق عملية التحول الرقمي في الخدمات وغيرها، والجمهور الذي يشكل العامل الأساس والبوصلة، مبينة أن أي خدمة لا تحقق قيمة مضافة للجمهور لا تحقق أهداف ورؤية التحول الرقمي.

 

طريقة جديدة

وأوضحت سليمان أن الوزارة لا تعتزم إجراء عملية أتمتة للخدمات والبرامج الحكومية وغيرها، وأن التحول الرقمي ينطلق من إيجاد طريقة تفكير جديدة تحفز الإبداع والابتكار في التغلب على العوائق، وتوظيف مخرجات التكنولوجيا في الحلول الإبداعية المبتكرة، وليس تطبيق التكنولوجيا على الحلول الموجودة نفسها.

ومن هذا المفهوم الواسع للتحول الرقمي، تتوجه الوزارة بداية – وفقا لسليمان – إلى العامل الثقافي، وتغيير التوجه الذهني للجمهور عن التحول الرقمي، لنقله من الرافض إلى المساند والداعم من جهة، والمطالب بتطوير وتوسيع عملية التحول الرقمي، وشموليتها لمناحي الحياة كافة من ناحية أخرى، عدا عن المشاركة الفاعلة في الحلول الابتكارية للمشكلات، وتحفيز التفكير الإبداعي في مواجهة الصعوبات وعوائق العمل.

واعتبرت سليمان أن إطلاق الوزارة لبرنامج إدارة التغيير وبناء القدرات يستهدف بداية تغيير طريقة التفكير التقليدية، مشيرة إلى أن البرنامج يعتبر محركا لبقية البرامج، خصوصا لجهة إزاحة العائق الثقافي، لأنه في حال تم تحقيق جميع الإمكانات والبدء بالعملية من دون قناعة الجميع فسيكون مصيرها الفشل.

 

ثلاثة محاور

ويضم برنامج التغيير ثلاث نقاط أو محاور تركز على التدريب المتخصص لإدارة البرامج، وتدريب متخصص لإدارة المشروعات، ومجموعة من البرامج التوعوية، وذلك ضمن مسودة الخطة الإستراتيجية للتحول الرقمي، وفقا لسيلمان التي أشارت إلى أن الوزارة لم تضع خطة إستراتيجية ثابتة، بل مسودة خطة تنطلق من محاور عدة، لافتة إلى أن وضع هذه الخطة أمر ليس بالصعب، ولكن الأهم هو تطبيق مخرجاتها بشكل صحيح. وقد وضعت الوزارة خطة تبدأ بإدماج النقابات والاتحادات المهنية والجمعيات الأهلية في عملية التحول الرقمي لتوسيع القاعدة المعرفية.

وقالت سليمان: نقوم بالتدريب على طريقة إدارة البرامج المعيارية، وإدارة المشاريع لمدراء البرامج، فضلا عن إطلاق برامج تعليمية وترويجية ترتبط جميعها بمجموعة من مؤشرات القياس، التي تعتمد أسس تقييم محددة تنطلق من توافر خدمات حكومية تمتاز بمعايير الثقة والخصوصية، وتحديد الأهداف المرحلية بوضوح وفقا للقدرات والجاهزية، لتنفيذ الإستراتيجية ضمن إدارة حوكمة فعالة تحل المشكلات وتذلل الصعوبات.

 

تفكير مبتكر

المهمة ليست بالسهلة، وتعترضها جملة من التحديات التي وضعتها الوزارة وأكدت استعدادها لتجاوزها وفق كل مرحلة، وفي بدايتها تحدي تعزيز ثقافة التحول الرقمي، خصوصا أن معظم مشروعات التحول الرقمي تفشل بسبب ضعف الثقافة الخاصة بنوعية الخدمة أو التحول. وفي هذا السياق، بينت سليمان أن الوزارة تبحث عن طرق مبتكرة لتمويل إستراتيجية التحول الرقمي، والتفكير خارج الصندوق لإنجاز هذا التحول وتذليل العقبات المرافقة للتغيير، والتي ستعتمد لإنجازها أساليب تمويل غير تقليدية، من خلال الشراكة مع القطاع الخاص في تنفيذ المشروعات المطلوبة، مقابل نسب معينة في أرباح هذه المشروعات، وبالتالي فتح آفاق جديدة للاستثمار، وتأمين التمويل اللازم، لافتة إلى أن الحكومة لا يمكنها تمويل المشروع الضخم لوحدها.

 

تحديد الأهداف

وهنا تظهر مسألة التشريعات، التي ستعمل الوزارة – وفقا لسليمان – على أهدافها، وغاياتها، وتعديلها بما يتواءم مع الأهداف المرجوة والمتطلبات، فيما عدا التشريعات الأساسية الخاصة بعملية التحول، وتغير الحالات السلوكية وطبيعة المشكلات القانونية التي قد تنتج من المعاملات الرقمية التجارية والخدمية على حد سواء، وهو ما بدأ فعليا من خلال العديد من القوانين والتشريعات الخاصة بوزارة العدل. وتتطابق وجهة نظر سليمان مع محددات تقرير الأمم المتحدة والدراسة التي أجرتها، والتي تؤكد على أهمية تغيير الثقافة باتجاه التحول الرقمي، بالنسبة للقائمين على عملية التغيير أو المستفيدين من هذا التغيير.

ووفقا لدراسات الأمم المتحدة، فإن 84% من محاولات الانتقال للتحول الرقمي تفشل، غير أن المفارقة أن 75% تفشل لعوامل تنظيمية، مثل التواصل غير الفعال، أو عدم وجود مهارات إدارة التغيير وغياب الإستراتيجية؛ بينما تشكل الأسباب التقنية، مثل عدم إمكانية التكامل مع الأنظمة القديمة، أو الفشل في تطوير حلول رقمية، 25% من أسباب الفشل. وفي هذا الإطار، بدأت الوزارة إطلاق المشروعات التوعوية، وتأهيل فرق العمل المطلوبة، والكادر البشري المؤهل في مختلف الوزارات، وصولا إلى استحداث وظائف جديدة تعنى بالتحول الرقمي، والتي ستكون – وفقا لسليمان – في مستويات قيادية قادرة على صناعة واتخاذ القرار لتحقيق قيمة مضافة للتجربة.

 

حول المواطن

وأكدت دراسات الأمم المتحدة أن أهم شروط نجاح الخدمات الحكومية الرقمية هو أن تتمحور حول المواطن، وأن ميزات الحكومة العادية هي وجود قوى عاملة، ومجموعة من السياسات والإجراءات والأنظمة، بالإضافة للحوكمة، والتي لا يكون فيها المواطن أو المستفيد هو الغاية النهائية، خصوصا في كيفية تقديمها لخدماتها، على خلاف الحكومة الإلكترونية التي يكون فيها المتعامل أو المواطن هو محور العمل والخدمة.

والتحول الرقمي هو تغيير في الأنموذج، إذ يصبح المواطن أولوية، وهو يتطلب توافقا بين الوزارات والجهات الحكومية، وتكون فيه الحكومة مدعومة بأدوات جديدة، وإجراءات آلية بما يعني أتمتة الإجراءات لمساعدة القوى العاملة في الحكومة نفسها على أداء الخدمة، الأمر الذي كانت قد صرحت عنه سليمان، وقت كشفها عن إطلاق الخدمات الحكومية الإلكترونية المتكاملة وإنجازها، في نهاية العام المقبل 2022، والتي ستتمحور حول المواطن، حيث لا يمكن للخدمات الجديدة أن تكون مجرد إطلاق خدمة لتسجيل عمل من قبل أي جهة، أو تنفيذا لأمر إداري على سبيل المثال، بل عملها هو حل مشكلة جديدة، وتحقيق إضافة نوعية تحقق قيمة مضافة لتعامل المواطن مع الحكومة وخدماتها، ضمن إطار تكاملي في الخدمات، تتكامل فيه المنظومة وتتشابك لتحقيق النتيجة النهائية وهو حصول المواطن على الخدمة بـ “كبسة زر”، كما يقال.

ويعتبر التحول الرقمي مظلة لمجموعة تحولات تمثل تحديات لابد من تجاوزها، وهي – وفقا للأولويات – إجراء التحول التنظيمي، والتحول الثقافي، والتحول التشريعي، والتحول الإجرائي، والتحول البشري، وأخيرا التحول التقني؛ وفي حال عدم اتباع هذا النهج فإن عملية التغيير التقني لن تكون مفيدة، لأنها ستتعرض لمقاومة التغيير وعدم القبول، وبالتالي يفقد التغيير معناه الأساسي، وهو ما يتواءم مع عرض الوزارة لخطتها، ومحاورها الإستراتيجية الرئيسية في تطبيق التحول الرقمي 2030.

وأشارت سليمان إلى أنه يتم تذليل العوائق تباعا وتجاوزها دوريا، وبعضها يتعلق باستكمال قواعد البيانات الأساسية لبعض الجهات الحكومية التي لم تستكملها، ويلقى البعض الآخر بعض المعوقات والنقاط التشريعية، التي ستتم دراستها أولا بأول، ووضع الخطط لاستصدار التشريعات اللازمة بناء على المتطلبات والمعطيات، فضلا عن قانون التشاركية الذي يعتبر أساسا آخر في عملية التحول.

 

مشروعان

كما تعمل الوزارة، وفقا لسليمان على مشروعين مهمين، هما: مشروع الحوسبة السحابية، الكفيلة بتمكين الوزارات التي لا تملك كوادر بشرية وإمكانات مالية لإجراء عملية التحول الرقمي من الانطلاق في عملية التحول، بالإضافة لمشروع ناقل البيانات الحكومية الإلكتروني، والذي يعتبر أحد أهم البنى التي تساهم في ترابط الخدمات الحكومية فيما بينها، الأمر الذي يتجه لمعالجة التحديات في إنجاز التحول الرقمي للعمل الحكومي خلال عام 18 شهرا تقريبا.

ولفتت سليمان إلى أن الوزارة بدأت بتطبيق خطة أو مشروع تأهيل صناعة البرمجيات على مستوى سورية، والذي ينبع من جانب هام في عملية التحول الرقمي، وهو تحفيز صناعة البرمجيات وتحفيز الأفكار والابتكارات الجديدة موضحة أن الشركات تحتاج إلى متطلبات للتحول إلى الصيغة الرقمية، ولا يمكنها العمل أو طلب عروض توريد، على سبيل المثال، من دون وجود شركات جاهزة لتأمين هذا الطلب التقني.

واعتبرت سليمان أن عملية التحول الرقمي سلسلة من الخطوات المتتالية، لافتة إلى أنه على الرغم من الطلب المتزايد على خدمات الاتصالات والأنترنت خلال سنوات الأزمة، حقق قطاع الاتصالات قفزات نوعية من خلال الانتقال من التقنيات القديمة في مجال توصيل الانترنت إلى التقنيات الحديثة، مثل الأكبال الضوئية وغيرها، مؤكدة أن البنية التحتية ليست بمستوى الطموح غير أنها في تطور مستمر على الرغم من الصعوبات.

وأضافت سليمان أنه، على مستوى البنية التحتية لقطاع الخدمات الالكترونية، تم العمل من خلال الرؤية الموضوعة ما قبل الحرب لإستراتيجية الحكومة الالكترونية، وتم تنفيذ معظم البنى التحتية المتعلقة بخدمات الحكومة الإلكترونية، ومن أهمها مشروع التوقيع الإلكتروني أو مشروع مركز التصديق الإلكتروني الوطني، ومركز المعطيات الوطنية، وشبكة حكومية تربط جهات القطاع العام ببعضها، ومشاريع المعاملات الحكومية الالكترونية، والحجوزات الاحتياطية وتعتبر جميعها جزءا مهما في بنية التحول المطلوب.

 

حزم عريضة

كما لفتت سليمان إلى أن وزارة الاتصالات والتقانة عملت على العديد من الإستراتيجيات التي تصب في التحول الرقمي، وأهمها إستراتيجية الحزم العريضة التي تضع الخطة الوطنية الواجب تنفيذها على مستوى شبكات الاتصالات الأرضية، وشبكات الاتصالات الخليوية لتأمين وتوفير الحزمة العريضة للنفاذ للأنترنت في كافة المناطق، بحيث تضمن تأمين نفاذ شامل على مستوى سورية، فضلا عن زيادة السرعات بما يتناسب مع الطلب الذي تحدده العديد من الاستراتيجيات الأخرى، ومنها إستراتيجية التحول الرقمي في الخدمات الحكومية الالكترونية.

ويشير تقرير الأمم المتحدة، والعديد من الدراسات العالمية المتطابقة في الإطار نفسه، إلى أن 70% من مشروعات الشركات التقنية الكبرى في التحول الرقمي تفشل، لأسباب إستراتيجية قيادية، كونها غير مترابطة ومتشابكة، وبالتالي لا تحقق القيمة المرجوة، وهو الأمر الذي يبدو أن الوزارة وعته مبكرا من خلال العمل والمشروعات المنفذة والجاري العمل حاليا على تشابكية العملية فيها، خصوصا بين الوزارات والجهات والحكومية، وتتشابك اليوم ستة وزارات لتقديم خدمات للمواطنين.

والتحول القيادي الداعم لنجاح التحول الرقمي، وفقا لتقرير الأمم المتحدة، يبنى على التحول المعرفي، من خلال استشراف المستقبل ورصد التحولات، والتعامل مع تعقيدات المعلومات وتصنيفها وأخذ المفيد منها، والقدرة على رؤية الصورة الكبيرة قبل الغوص في التفاصيل، وأخذ القرار المناسب. كما يقوم الدور القيادي للتحول الرقمي على التحول السلوكي، والذي يعني التصرف بطريقة مختلفة، خصوصا في التأقلم مع التغيرات الدائمة في منظومة السلطة، والتعاون بمرونة مع أصحاب المصلحة من الجمهور، وتقدير إسهامات فرق العمل والشركاء.

ويؤكد تقرير الأمم المتحدة على التحول العاطفي، والتفاعل بطريقة مرنة، من خلال التعايش مع بيئة المخاطر والغموض، وإظهار المرونة في مواجهة التغيير المستمر، والشجاعة في مواجهة الواقع الحالي للخدمات والأعمال، والتمتع بالثقة من أجل قيادة التحول.

ختاما، أشارت سليمان إلى أن التحول الرقمي عملية تشاركية تتطلب تكامل الجهات المعنية بها تقنيا وتشريعيا، لضمان سير سلس لخدماتها من دون حواجز قد تظهر في تشريع معين أو نقص معين في تشريعات في مكان آخر؛ كما طمأنت سليمان إلى أن بنية الاتصالات في سورية جيدة، وكانت من الأقل تضررا خلال الحرب، وهو ما أتاح الانطلاق ببعض مفاصل التحول الرقمي والخدمات الإلكترونية خلال السنوات الماضية.