مجلة البعث الأسبوعية

اتحاد الكرة الجديد يدخل في متاهة التصريحات الرنانة والوعود الصعبة…. ترشيد الصرف المالي وبناء منتخب المستقبل ملفات لا تقبل التأجيل!

البعث الأسبوعية-ناصر النجار

انتهت الحملات الانتخابية لاختيار اتحاد كرة القدم الجديد وهدأت التصريحات والتصريحات المضادة التي تلت العملية الانتخابية واتجه الفائزون نحو وسائل الإعلام ليتحدثوا عن مشاريعهم المستقبلية وآفاق العمل القادم.

الحديث عن مستقبل كرة القدم كان مبشراً جداً ومشجعاً جداً وما أسهل الكلام في زمن التسويق والتنظير.

والتصريحات كان أغلبها غير منطقي لأنها لم تستند إلى الواقع، وهي عبارة عن خيال بخيال، ومن الصعب تنفيذها لأن هذه التصريحات وما فيها من برامج وخطط تحتاج إلى آليات تنفيذ وقبلها إرادة صلبة لتنفيذ ما فيها وهذه للأسف تفتقدها كرتنا ولا تملكها كوادرنا.

ونحن لسنا هنا بوارد الحديث عن المستقبل كمنجمين، إنما سنتحدث من باب التصريحات وما يمكن منها أن تنفذ أو يكون تنفيذها ضرباً من المستحيل.

التصريحات التي سمعناها تمحورت حول المنتخب الوطني الأول والمسابقات والملاعب والقواعد والأموال الخارجية المجمدة والحظر المفروض على ملاعبنا، وهذه الأمور معلومة ومعروفة وكل اتحاد جديد أو لجنة مؤقتة يتحدث بهذه النقاط لأنها باتت أبجدية كرة القدم ويدركها الصغير والكبير.

والمشكلة أن كل هذه التصريحات والوعود لم تُربط باستراتيجية عمل، أي لدينا كتلة كبيرة من الأعمال ولم نحدد الأولويات التي سنبدأ بها.

كل المرشحين والفائزين كانوا وما زالوا يراهنون على المنتخب الوطني وكيف سيصنعون منه منتخباً ينافس البرازيل وكأن الأمور (طبخة) بحاجة إلى مدرب (شيف) إنكليزي كما يتحدث الاتحاد الجديد أو إسباني أو صربي أو هولندي كما تحدث آخرون وهكذا حسب فكر كل من صرح مؤيداً كل واحد منهم اقتراحه بأن المدرسة التي اختارها هي المناسبة لكرتنا.

كلنا يتمنى منتخباً قوياً قادراً على المنافسة ومقارعة منتخبات العرب والمنتخبات الآسيوية على الأقل لكن الأمر بحاجة إلى مشوار طويل لتصحيح مسار كرتنا أولاً وصولاً إلى المنتخب الحلم، وفي هذا الشأن فإن قول رئيس الاتحاد الجديد بضرورة بناء منتخب صغير بعمر الناشئين ليكون بعد سنوات قوام منتخب الرجال فهي الخطوة الصحيحة التي يجب أن يبدأ منها اتحاد كرة القدم روزنامته الجديدة.

لذلك نجد أننا أمام منتخب الأمل والمنتخب الحالي الذي سنشارك به في الاستحقاقات القادمة على مدى السنوات المنظورة في البطولات العربية والقارية والدولية.

وأمام منتخب يجب البناء عليه، من هنا علينا أن نرى استراتيجية الاتحاد الجديد للمدى المنظور للمنتخب الحالي ولرؤية منتخب متمكن بعد عدة سنوات.

العمل الجديد يجب أن يبدأ من تلافي أخطاء السابقين في التعامل مع المنتخبات الوطنية، وكما نعلم فإن الصرف على المنتخب الأول بلغ الملايين بالعملة الصعبة ولم نجن منه أي شيء، وهذا يقودنا إلى أن الصرف على المنتخب الأول وجعله موئلاً للسياحة ومقصداً للسفر لا يجد نفعاً لأنه كان أحد أسباب الفساد وهدر المال العام.

من هنا فإن استقدام مدرب انكليزي لمنتخب أغلبه محترفين لا يجتمعون إلا في أيام الفيفا هو باب من أبواب الهدر ولن يعود على كرتنا بالفائدة المرجوة ولنا في تجربة المدرب التونسي نبيل المعلول خير مثال، والعاقل يستفيد من التجارب السابقة حتى لا يقع بالمطب نفسه، بينما العكس هو الصحيح من خلال استقدام مدربين مطورين لفرق القاعدة يبنى من خلالهم فرق قاعدية وفق الأصول الكروية المتبعة في كل الدول المتقدمة.

وهذه تحتاج إلى تعاون وتفاهم من كل أركان اللعبة، فالعناية بالقواعد من مسؤولية الأندية التي مهمتها البناء ورفد المنتخب بعناصر جيدة موهوبة ومؤهلة بشكل جيد، فيما مسؤولية اتحاد كرة القدم تنحصر بدفع الأندية للاهتمام بالمواهب والقواعد وفرض ذلك بالقوانين وهذا يكون بعدة إجراءات منها: إقامة دوري كامل للناشئين.

ومنها الاهتمام بتأهيل مدربي الأندية العاملين في الفئات العمرية، ومنها إلزام الأندية بدعم المواهب الشابة، وهذا يتطلب سن قوانين كروية جديدة تجبر الأندية على تجديد دماء فرقها للرجال بلاعبين شباب والحد من وجود اللاعبين الذين تجاوزوا سن الثلاثين وبلغوا أعتاب الاعتزال، ومن المفترض أن يعلم اتحادنا الجديد أن كرتنا شاخت، وأن مئات الملايين التي تدفع على اللاعبين المنتهية صلاحيتهم هي من أبواب هدر المال، وكما وجدنا في الموسم الحالي أن كل الفرق دفعت ليس لتنافس بل لتهرب من الهبوط، وإذا كانت ثقافة كرتنا ضمن هذه الحدود فلا أمل فيها مطلقاً.

المنتخب الوطني مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما تنتجه الأندية والمسابقات الرسمية، لذلك من الضروري التوجه إلى رفع مستوى المسابقات الرسمية لترتفع المستويات كلها، لذلك نستطيع القول إن رفع مستوى المنتخبات الوطنية لا يتم دون العناية بالمسابقات الرسمية وجعلها ذات جدوى من خلال القوانين وعقود الاحتراف والصرامة بالتعامل مع كل حالات الشطط والخرق للنظام، مع تحويل المسابقات كلها لتكون مقدسة فهي الخطوة الأولى في باب الجدية والاهتمام وهي من أحد أهم عوامل التطور والنهوض.

من هذا المبدأ نجد أن الحديث عن المسابقات الرسمية وإصلاح اللوائح والقوانين يجب أن يكون من أولويات عمل اتحاد الكرة وهو أهم بكثير من الحديث عن أي مدرسة كروية أجنبية تناسب منتخبنا، إلا إذا كان اتحادنا الجديد سيتابع مهمة من سبقه بالسياحة والسفر حرصاً على الأموال المجمدة ألا تبقى في بنوك الاتحادين الدولي والآسيوي.

القضية الثانية الملحة التي يجب أن يبدأ العمل بها فوراً هي قضية الحكام والتحكيم، حيث سمعنا وعوداً أن أجهزة الاتصال للحكام والسماعات وما شابه ذلك ستصل قريباً، وهذا الكلام سمعناه من سنوات ولم ينفذ، وسمعنا شكوى من الحكام عن عدم وجود التجهيزات الرياضية، ونسمع دوماً عن الأجور والتعويضات وضرورة زيادتها لتتناسب مع الدخل.

كل هذا الكلام سليم وضروري، لكن إذا استلم الحكام السماعات هل سيتطور التحكيم؟ وهل تطور القرار التحكيمي مرتبط بالسماعات والتجهيزات والفار؟

لن يتطور التحكيم في بلدنا إلا إذا تعاملنا معه مثل تعاملنا مع المنتخب الوطني أو كما تتعامل الأندية الكبيرة مع فرقها.

لجان التحكيم السابقة لم تملك أي شيء يطور تحكيمنا وهذه حقيقة ونحن لا نغالي في هذا الكلام، فاقتصر عمل أغلب اللجان على تعيين الحكام وملء جداول المباريات وإقامة مسابقات جري (دورات صقل) للحكام من أجل اللياقة البدنية وفي أحسن الأحوال إقامة بعض الندوات النظرية التي تبين لنا فيما بعد أنها لم تجد نفعاً.

إذا قلنا إن لجنة الحكام 11 عضواً ولجان الحكام الفرعية بالمحافظات 42 عضواً إذا اعتبرنا أن كل لجنة تضم ثلاثة أعضاء، هذا الكم الكبير من الأعضاء هل هم مؤهلون للنهوض بالتحكيم؟ هذا السؤال جوابه معروف، لأنهم بالفعل غير مؤهلين رغم اجتهاد البعض ولو كانوا مؤهلين لرأينا نتاجهم في الملاعب.

تطور التحكيم بحاجة إلى خبرات خارجية، فكما نتعاقد مع مدرب أجنبي لتدريب المنتخب الوطني نحن بحاجة إلى أكثر من مدرب ليطور الحكام وليطور القائمين على الحكام وليزيد معارف مراقبي الحكام، للأسف تحكيمنا وإن كان في بعض الأحيان كما يدعون أفضل مستوى بقليل من كرتنا إلا أنه بحاجة إلى نفضة شاملة قبل أن نصل به إلى نقطة اللاعودة وبدل أن نصرف مالنا مستقبلاً على الحكام من الخارج علينا أن نصرف هذا المال على تطوير حكامنا.

المشكلة الكبيرة في كرتنا أننا لا نعرف كيف نستثمر المال وكيف نصرفه، وليس لدينا فكر عملي بترشيد الإنفاق، وقد وجدنا أن كل إمكانيات اتحاد الكرة السابق وضعت تحت تصرف المنتخب الوطني وما رافقه من سياحة وغيرها، بينما كانت بقية مفاصل المؤسسة الكروية من منتخبات قاعدية أو حكام أو غير ذلك تنتظر الدعم المطلوب فما وجدته، وبالمحصلة العامة اتحاد الكرة اليوم (مفلس) وعليه ديون كثيرة، فهل سيسير الاتحاد الجديد على الخط ذاته؟

قضية الملاعب مهمة جداً لكنها للأسف ليست من اختصاص اتحاد الكرة، ورغم التصريح بأن اتحاد الكرة الجديد يريد أن يتولى موضوع الملاعب فهذا أمر غير منطقي، وسبق لنا أن تابعنا صراعاً طويلاً بين وزارة الإدارة المحلية ومنظمة الاتحاد الرياضي العام حول المنشآت الرياضية، وعندما عادت تبعيتها للمنظمة وأخذت الملاعب على عاتقها وجدناها كيف أضاعت الحجر والبشر.

المهمة الملقاة على عاتق اتحاد كرة القدم هي المتابعة الجدية داخلياً وخارجياً والبحث عن مصادر تمويل من الفيفا لصيانة الملاعب وتحديثها، والبحث أيضاً عن مصادر تمويل خارجية لإنشاء الملاعب وخصوصاً أن رئيس الاتحاد الكروي الجديد يملك (كما يقول) العديد من العلاقات الطيبة التي يمكن أن تساهم في هذا الموضوع وينعكس إيجاباً على ملاعبنا.

الموضوع المهم الذي لم يتطرق إليه اتحاد الكرة هو موضوع المال والاستثمار ودعم الأندية من العوائد المالية التي هي حقها بالحالة الطبيعة.

فلن تصبح مسابقاتنا نظيفة إن بقيت على شاكلتها هذه، كيف يمكن أن نرفع عن هذه المسابقات كل ما يشاع من فساد؟ هذه الأمور بحاجة إلى قرارات ردعية وقد تكون غير كافية، ومن الضروري أن ترافق هذه القرارات بالمكافآت المالية من خلال إعطاء المال للأندية من العوائد الاستثمارية لتشجعها على تحسين كرتها وتحسين مواقعها بالدوري، وهذه الأموال قسم منها يصرف قبل الموسم وقسم آخر يصرف أخر الموسم على شكل مكافآت لأصحاب المراكز من البطل حتى الأخير، وهذا يشجع الأندية على اللعب برجولة وجدية حتى آخر مباراة لأن هناك مكافأة مالية كبيرة تنتظرها.

هناك الكثير من الكلام يمكننا التحدث به عن المرحلة القريبة القادمة من كرتنا، وما ذكرناه هو الخطوة الأولى ونحن ننتظر ما سيصدر عن اتحاد الكرة من خطط واستراتيجية للسنوات الأربع القادمة قبل أن يكون لدينا تعقيب جديد على ما يجري على الساحة الكروية.