مجلة البعث الأسبوعية

وهل هناك « ظاهرة سورية » فعلاً ؟..

د. مهدي دخل الله

سؤال ما فتئ المتابعون يطرحونه بمن فيهم أولئك فرسان معاهد البحوث المعادية لسورية … وما أكثرهم !..

ولا يمكن الخوض في حيثيات الموضوع إلا عبر استخدام منهج النقد المقارن ، النقد يعني اكتشاف جوهر الظاهرة ، أما المقارنة فتتطلب معرفة تاريخ الحروب المعاصر …

أولاً : الحرب على سورية جوهرها ، باختصار ووضوح ، استكمال الهيمنة الكاملة على المنطقة من محيطها إلى خليجها . فبعد كامب ديفيد والحرب على العراق ، سقط مركزان اساسيان في بنية المنطقة ، القاهرة وبغداد .. ولم يبق سوى دمشق .. ثم تصبح الدوحة عاصمة القرار العربي ( عدد سكان قطر 350 ألف ) ..

إسقاط العواصم الأساسية الثلاث معناه القضاء على قلب العرب النابض منذ أن كان للبشر تاريخ . في العصور القديمة كانت بابل الرافدين ، وحمص الشام ، وممفيس النيل .. وفي العصر الوسيط والمعاصر كانت بغداد الرافدين ( الدولة العباسية ) ، وقبلها دمشق الشام ( الدولة الأموية ) وقاهرة النيل (الدولة الفاطمية ) …

ثانياً : في المقارنة يلزم التأكيد على أن الحرب على سورية هي الأولى من نوعها في التاريخ المعاصر حيث تسود فجوة كبيرة ونوعية في توازن القوى المادية والسياسية بين الطرفين المتحاربين . إنها حرب عالمية بكل ما في الكلمة من معنى ضد بلد صغير بالمعنى الجغرافي والعسكري والاقتصادي والسياسي ..

إن فقدان التوازن هنا دفع بمن حارب سورية إلى الإيمان المطلق بأن دمشق لقمة سهلة تتطلب بضعة أسابيع لهضمها ..

والعجيب أن سورية صمدت وحدها خمس سنين ونيف ، وكادت تعلن انتصارها لولا التدخل الامريكي المباشر في الجزيرة ، وبعد ذلك التدخل التركي واحتلال مناطق شمال سورية ..

 

ثالثاً : هي أول حرب تجمع كل أنواع الحروب دفعة واحدة وبأهمية واحدة .. كانت الحروب عسكرية وتصاحبها بعض العمليات الإرهابية إضافة إلى هوامش من الاجراءات الاقتصادية . أما الحرب على سورية فقد تضمنت الحرب العسكرية والإعلامية والنفسية والاقتصادية والإرهابية بنوعيها ( إرهاب العصابات وإرهاب الدولة ) …

جاءت الحرب الإعلامية في زمن تطورات فيها تكنولوجيا الإعلام بشكل نوعي بحيث أصبح الإعلام سلاحاً خطيراً وفتاكاً . أما الحرب الاقتصادية فلقد تخطت المقاطعة المعروفة إلى العقوبات القيصرية التي تمنع أي دولة من التعامل مع سورية وتنذرها بالعقوبات .وفيما يخص الحرب الديبلوماسية والسياسية فهي غير مسبوقة أيضاً في حجمها ونوعها ..

رابعاً : هي أول حرب تقف « الشقيقات » العربيات فيها ضد دولة « شقيقة » تتعرض لعدوان شامل ، فبدل أن تدعمها جمدت مقعدها في جامعة الدول العربية . كما أن عدداً من الدول العربية اسهم في الحرب على سورية تمويلاً و تخطيطاً، وحشد المرتزقة من جميع أنحاء العالم ..

خامساً : هي الحرب الأولى التي استمرت عقداً كاملاً ومازالت مستمرة حيث لا يوجد في الأفق القريب حل سحري حتى الآن .. على الرغم من أن النصر في النهاية واضح .

سادساً : وهو الأهم … أنها أول حرب تنتصر فيها إرادة شعب صغير ضد هذا الحشد الهائل من وسائل العدوان ..