مجلة البعث الأسبوعية

الدعوة إلى الذكاء الاصطناعي “الأخلاقي”.. الذكاء الاصطناعي أكثر خطورة من الأسلحة النووية

“البعث الأسبوعية” ــ ترجمة: هيفاء علي

يعتبر ستيفن هوكينج، عالم الكونيات وعالم الفيزياء، وأحد أقوى المدافعين عن الإنسان ضد الآلة أن الذكاء الاصطناعي أعظم حدث في تاريخ البشرية، وانه يمكن لمثل هذا الشكل من الذكاء أن يحرر نفسه ويحسن مفهومه بسرعة متزايدة بحيث لا يتمكن البشر، المحدودون بتطورهم البيولوجي البطيء من منافسته، وبالتالي سيتم خلعهم عن العرش وإخضاعهم للآلة.

فما هو الذكاء الاصطناعي؟ بحسب موسوعة ويكيبيديا هو مجموعة من النظريات والتقنيات التي تطور برامج حاسوبية معقدة قادرة على محاكاة سمات معينة للذكاء البشري كالتفكير والتعلم. إذا استمرت حوسبة المجتمعات في التطور، وإذا استمرت التقنيات في التحسن، فان، مسألة تمكين المواطنين تبدو صعبة بعض الشيء، فليس من المؤكد أنهم يفهمون الأداء الوظيفي للتقنيات التي يستخدمونها، ولا يدركون حجم المخاطر الأنثروبولوجية لهذه الثورة مقارنة بالثورات التقنية الأخرى على اعتبار أن التحول الرقمي حدث بسرعة غير مسبوقة، لدرجة أن المستخدمين غالبًا ما يجدون أنفسهم في وضع “مدمن على التطبيقات، وخاصة الهواتف الذكية. وفي الوقت نفسه، فإن شركات “ابل، فيسبوك، امازون ومحرك البحث غوغل لا تتوقف مع الدول الكبيرة عن القيام بتركيب مراكز البيانات”الداتا” التي تعتبر مصدر التلوث الجديد بسبب الكم الهائل من الطاقة والحاجة إلى التبريد الدائم . وبالتالي “الذكاء الاصطناعي موجود بالفعل في كل مكان وسيترسخ وجوده أكثر فأكثر، حيث تبدو إمكانياته ومجالات تطبيقه لا حصر لها. من التعرف على الصور إلى دعم القرار، ومن الطب الشخصي إلى الصيانة الصناعية، ومن النقل إلى التمويل، أو حتى من الأمن السيبراني إلى الوقاية من الكوارث الطبيعية” .. ويعمل الذكاء الاصطناعي في كل مكان على دفع حدود الكفاءة والأداء إلى الوراء. في غضون بضع سنوات، دخل الذكاء الاصطناعي في مجالات الحياة واخترق مجالات متعددة، مهنية وخاصة. وبين الحماس وعدم الثقة في بعض الأحيان، يمكن أن يشعر عامة الناس بالتردد في مواجهة هذه التكنولوجيا التي تتقدم بسرعة هائلة. إن التعاون الوثيق بين الجميع – الدول والعلماء والشركات والمستخدمين – سيكون أفضل ضمان للذكاء الاصطناعي المسؤول والأخلاقي. بدون البيانات، لا يمكن للذكاء الاصطناعي “التعلم” وبالتالي فهو غير قابل للتطبيق.

 

بعض “مآثر” الذكاء الاصطناعي

تطبيقات الذكاء الاصطناعي موجودة في كل مكان بعضها مفيد للغاية. إن المشكلة الرئيسية التي يعرفها البشر بشكل متزايد وسوف يواجهونها هي تغير المناخ المتقلب بشكل متزايد. “يشير الاحتباس الحراري برأي اوليفييه، إلى أنه سيكون له عواقب حقيقية وخطيرة على الطبيعة والإنسان وبالتالي حدوث ما هو أسوأ. في هذا السياق، قام مسح أجراه معهد مركاتور للبحوث حول المشاع العالمي وتغير المناخ بتحليل 160 دراسة حول مواضيع تتعلق بظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. وكانت النتيجة أنه سوف يتأثر 80٪ من سطح الكوكب بالتغير المناخي، بينما سيتأثر 85٪ من سكان العالم. يتم إجراء الدراسات بشكل رئيسي في الدول الغنية حيث لا يزال الوضع في إفريقيا أو آسيا، حيث تظهر عواقب الاحتباس الحراري العالمي بشكل كبير، ضعيف التوثيق. في النهاية سيرى الإنسان المعزز دوره “في الميكانيك والإلكترونيات يفوق الجزء العضوي الخاص به”. وهنا، يمكن التفكير بعد الروبوتات، روبوتات الدردشة لكيانات تشبه البشر. التواصل بين البشر والأجسام البشرية ليس مشكلة حقيقية. قد يعني “التوليف” الحقيقي أن الإنسان يصنع، ويتخذ مبادرات فعالة، ويتجاوز المعرفة المكتسبة، ويبرمج ذاتيًا ويجد في نهاية المطاف متعة في التواصل مع البشر وبكونه ضمانة ضدهم. “مشاريع الإنسان الآلي، التي تتمتع بذكاء قريب من ذكاء البشر، تملأ خيال البشر. يعمل المؤلفون والعلماء على حدٍ سواء على إعادة الحياة إلى هذه الآلات التي يمكنها، ربما في يوم من الأيام، أن تعمل بشكل جيد أو حتى تحل محل البشر. هي نظرة على هذه الثورة الرقمية التي تغير كل شيء تقريبًا في طريقها. في اليابان، ليس من غير المألوف أن تُنسب حالة الشخص إلى الحيوانات أو الأشياء غير الحية دون الخلط بينه وبين البشر، وربما كان هذا هو السبب الذي دفع الكاتب الياباني كازو إيشيجورو إلى نشر قصة ترقب تظهر فيها روبوتات ذات ذكاء اصطناعي قادرة على تصديق البشر وتأملهم والتواصل معهم. في نهاية شهر آب، أثار إيلون ماسك، الرئيس غريب الأطوار ضجة كبيرة مرة أخرى بإعلانه أن مشروعه التالي سيكون تصميم روبوت ذي قدمين. منذ ظهور الذكاء الاصطناعي، تجسدت الفكرة القديمة لصنع روبوتات عاطفية على مدى العقود الماضية لتصبح فرعًا كاملًا من الروبوتات ذات الحوسبة العاطفية. حقيقة، يحاول هذا الموضوع غرس الفروق الدقيقة في الأداء البشري في الذكاء الاصطناعي، وبشكل أكثر تحديدًا، “التعرف على المشاعر والتعبير عنها باستخدام خوارزميات التعلم”.

 

التلاعب بالكائنات الحية إلى جانب الإنجازات الإيجابية للعلم

لا سيما في المجال الطبي حيث لا يسع للمرء سوى الحديث عن المتدربين السحرة الأحياء في غياب أخلاق معارضة للجميع، ولعل أفضل مثال على ذلك الباحث الصيني الذي كان قادرًا على إنشاء وإنجاب طفل باستخدام سكين الجيش السويسري الحقيقي تقنية CRISP Cas9 لقطع أجزاء من الحمض النووي. يصف العمل الاستهلالي للعوالم الجديدة الشجاعة الذي كتبه ألدوس هكسلي مجتمعًا مستقبليًا مقسمًا إلى مجموعات فرعية، وفقًا لقدراتهم الفكرية والجسدية. لا تدين عضوية المجموعة بأي شيء للصدفة: إن العلاجات الكيميائية المفروضة على الأجنة هي التي توجهها إلى إحدى المجموعات الفرعية بدلاً من أخرى، مما يؤثر على نموها.

 

من عالم الحرب الباردة إلى عالم أحادي القطب في نهاية التاريخ

يجب إدراك أنه وفقًا لبعض العلماء، تشرع البشرية دون فهمها بشكل كافٍ، نحو استعباد جديد للذكاء الاصطناعي الذي سيحكم العالم في نهاية المطاف. وهنا لابد أولا من شرح العبودية المختلفة السابقة للقرن العشرين وكيف انتقلت البشرية من فترة ما يسمى بسياسات كتلة الحرب الباردة إلى عالم القوة الأمريكية المفرطة، وفقًا لكلمة هوبير الطيبة، للوصول بالقوة إلى الحصول على مكاسب في عالم متعدد الأقطاب سيواجه ذكاءً اصطناعيًا يغزو العالم بضوضاء منخفضة. وعليه، يبدو أن التحرك نحو علم مفيد ما هو سوى ذريعة وشكل من أشكال إخضاع الإنسان كضحية لعلم يجرده تدريجياً من إنسانيته واكبر دليل على ذلك هو ما شهده العالم في التاريخ الحديث لشعوب مجردة من حرياتها بغض النظر عن الأيديولوجية، فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي كان انتصار ريغان على “إمبراطورية الشر” بفضل “المجاهدين الذين جعلوا أفغانستان فيتنام ثانية للسوفييت” حسب زبيغنيو بريزينسكي. وبعد خطاب بوش بعد حرب الخليج الثانية تم ترسيخ عالم أحادي القطب ولم يعد هناك شيء يعارض الإمبراطورية. وهذا العالم أحادي القطب الذي أرادته الإمبراطورية وأتباعها الأوروبيون هو جزء من فكرة حكم العالم. لقد كان تأسيسًا تحت رعاية الليبرالية الجديدة التي تحكمها الأوليغارشية، وإنشاء أدوات للسيطرة والتنظيم.

في عام 1989، اقترح فرانسيس فوكوياما في مقال شهير، وكان حينها مستشارًا لوزارة الخارجية الأمريكية، أن الديمقراطية الليبرالية في طريقها للانتصار على جميع الإيديولوجيات المتنافسة ويمكن أن تكون الشكل النهائي لجميع الحكومات البشرية. ولم يتوقف فوكوياما عند محاولة ترسيخ انتصار الليبرالية الحديثة والديمقراطية. بعد توكفيل ونيتشه، يتساءل بشكل أكثر جوهرية عن مستقبلهما: الحرية والمساواة، السياسية والاقتصادية – المثالية المقترنة بـ “نهاية التاريخ” المفترضة – هل يمكنهما ضمان الاستقرار في مجتمع يشعر فيه الإنسان بالرضا التام؟ أم أن الحالة الروحية لهذا “الرجل الأخير”، المحروم الآن من مُثُل السلطة العليا، ستدفعه للعودة إلى فوضى التاريخ الدموية؟ منذ ذلك الحين، تم الشعور بأن مركز الثقل في العالم سوف يتحول نحو آسيا، حيث استنفد العالم الغربي “قائده الأخلاقي”، وبالطبع إذا تعثرت الإمبراطورية فسوف تضحي بأتباعها. وبالتالي جاءت التعددية لكنها تجازف بخسارة اللعبة ضد الذكاء الاصطناعي الجامح.

 

ماذا تتوقع من ذكاء يحكم العالم؟

تقدم الإنسانية التي تتناثر بين المشاريع الاجتماعية نفسها كضحية إرادة للسوق الذي يقدم لها، وتسير المساهمة التالية على وجه التحديد في اتجاه الحوكمة العالمية من قبل أولئك الذين لديهم ذكاء بشري لإتقان الذكاء الاصطناعي، وبالتالي من الصعب دائمًا التنبؤ بالمستقبل، ويبدو أن العلم يضع كل المعسكرات في اتفاق لمهاجمة ذلك الإنسان بحميمية. وبطبيعة الحال فان غوغل، آمازون، آبل، وفيسبوك، أغنى وأكثر ثراء من عشرات الأفارقة الذين يخترعون المستقبل للاستثمار في هذا المجال. كتب تريستان: “لا أحد لديه كرة بلورية” لمعرفة كيف سيكون عالم الغد. يفكر العديد من الفلاسفة في مستقبل البشرية. إحدى النظريات حول هذا الموضوع تسمى “الفرضية الفردية” التي تتلخص في الحوكمة العالمية، التي تم تحقيقها بواسطة الذكاء الاصطناعي. ووفقا لنيك بوستروم، الأستاذ في جامعة أكسفورد الإنكليزية المرموقة، يجب أن يتبع المستقبل ما يسمى بفرضية “المنفرد”. وراء هذا المفهوم يخفي في الواقع عالمًا يحكمه كيان واحد يتلخص في بعض الحالات بالذكاء الاصطناعي. لدعم وجهة نظره، يوضح الفيلسوف أن الإنسان سعى دائمًا إلى الاجتماع تحت نير الكيانات الكبيرة والقوية بشكل متزايد، وأنه لا يوجد سبب لانتهاء القصة عند هذا الحد. في المستقبل القريب إلى حد ما، يعتقد أن البشرية ستقع في عالم يخضع لحكم عالمي، وتؤكد الأمثلة الموجودة بالفعل مثل الأمم المتحدة، أو على نطاق أصغر الاتحاد الأوروبي هذه النظرية.

وللتوضيح أكثر، يوضح بوستروم، الفيلسوف السويدي، أن سباق التسلح يمكن أن ينتهي في ظل هذا الحكم. بدون التنافس بين القوى المختلفة، لن يحتاج أحد إلى أسلحة، الأمر الذي من شأنه أن يقلل العنف بشكل كبير. ولكن لا يزال من شان هذا التوحيد القياسي للقوى السياسية للكوكب أن يضع حدًا للاستعمار وانعدام المساواة ككل. وفي الواقع، من الصعب تصديق هذه الفكرة لأن الاختلافات في الموارد كبيرة في أركان العالم الأربعة ولا يعيش الناس في أوروبا بالطريقة نفسها كما في قلب الصحراء. ثم افترض بوستروم أنه سيكون من الممكن اعتبار أي مستقبل هو الأفضل للبشرية من خلال تحليل كل الاحتمالات حيث يمكن للذكاء الاصطناعي المتعاطف أن يقرر القضاء على نصف سكان الأرض من أجل الـ 50٪ المتبقية.

 

ما الذي يجب فعله لتجنب الانتهاكات؟

بالنسبة لقصة ديب بلو، بطل العالم بالشطرنج، كان الكمبيوتر العملاق المتخصص في لعبة الشطرنج الذي طورته شركة “اي بي ام ” قادرًا على تقييم 200 مليون موضع في الثانية. خسر ديب بلو المباراة عام 1996 أمام بطل الشطرنج العالمي آنذاك غاري كاسباروف. ولكن في مباراة العودة عام 1997 فاز ديب بلو على بطل العالم. ظلت ذكرى انتصار الآلة حية وتغرس بشكل مباشر عدم الثقة، لذا فإن العلم لا يتوانى عن تأكيد هذا الأمر: “لقد أنشأ الذكاء الاصطناعي ذكاءً أكثر كفاءة من أي ذكاء ابتكره البشر حتى الآن. وفي الوقت الذي يثير فيه هذا العمل الفذ الإعجاب ويفتح إمكانيات تكنولوجية جديدة، فإنه يثير أيضًا أسئلة أخلاقية مهمة ويثير مخاوف بشأن مستقبل البشرية، وها هو أحد أقوى المدافعين عن الإنسان ضد الآلة هو عالم الفيزياء العظيم المتوفى مؤخرًا ستيفن هوكينز الذي حذر من أنه قد يكون الذكاء الاصطناعي أكثر خطورة من الأسلحة النووية ونادى بالتصرف بحذر شديد مع التكنولوجيا. وفي هذا السياق، قال ايلون موسك الذي استثمر في مشروع Vicarious الجديد، مع مارك زوكينبرج، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك: نأمل ألا نكون المحمل البيولوجي للذكاء الرقمي الفائق. ويهدف هذا المشروع إلى تطوير الذكاء الاصطناعي وبناء جهاز كمبيوتر يفكر مثل الإنسان، لكنه، حسب المصمم، لا يحتاج إلى طعام أو نوم. في المقابل، لا يخشى بعض العلماء من التطورات السلبية المحتملة في الذكاء الاصطناعي بل يرون أن الإنسان سوف يرتقي إلى مستوى أعلى بفضل الذكاء الاصطناعي. ولكن في نفس الوقت أشاروا إلى ضرورة أن يكون البشر حذرين جدا من الجانب المظلم الآخر لعلم خارج عن السيطرة، على سبيل المثال الذكاء الاصطناعي قادر وبعيد عن أن يحل محل الذكاء البشري.

وبالتالي، فإن وعود العلم المتعلقة بالإنسان المصلح والإنسان المعزز يمكن، إذا لم يتم تأطيرها بترسانة أخلاقية، أن تؤدي إلى “صنع نصف آلة سايبورغ ونصف إنسان، وقد تولد التدمير الجيني للبشرية لصالح نوع جديد من البشر حيث سيكون البعد أكثر ترجيحًا أحد أسباب اختفاء البشرية منذ ظهورها قبل 10 آلاف عام، بحسب عالم الفيزياء.