اقتصادصحيفة البعث

“اقتصاد موجّه بالصادرات”

قسيم دحدل

رغم ما تحققه الدول النامية من مداخيل هائلة بالعملة الصعبة نتيجة انتهاج سياسة تصديرية تعتمد على الموارد الأولية – خاصة المصدرة للنفط – إلا أنها تبقى دون مستوى التنمية الاقتصادية المطلوبة، فنمو صادراتها من المواد الأولية الذي أدى بدوره إلى نمو ناتجها المحلي الإجمالي لم يؤد إلى أية دفعة في قطاعاتها الإنتاجية والتصنيعية .

سعي مثل هذه الدول للاعتماد على تصدير المواد الخام التي هي مواد أولية لمدخلات إنتاج صناعية مهمة جداً كان مبرره الحصول على أسعار أعلى لصادراتها، أي جعلها أكثر قيمة، وجعل مداخيلها من هذه الصادرات أكثر استقراراً، وهذا لم يكن صحيحاً إلى حد ما.

في ضوء ما أنف، ولكوننا بلداً متنوع الإمكانيات والثروات، وقد كنا في وقت سابق نعتمد أيضاً على النفط  والفوسفات – مثلاً – لدعم ما ذكرنا أعلاه، وأثبتت الأحداث أن الاتكاء والركون إلى ذلك كلّفنا الكثير، وأدى إلى ما أدى إليه من واقع اقتصادي ونقدي مأزوم، كان لا بد من التفكير بالاعتماد على المنتجات المصنعة، خاصة التحويلية ليكون قطاعها الرائد في الاقتصاد المحلي، بغية تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث تجارب الدول المتقدمة تؤكد هذا النهج الذي أوصلها إلى ما هي عليه (أوروبا الغربية مثلاً).

لقد حاولنا في سورية قبل الأزمة أن ننجح ولو بشكل جزئي في وجود صناعات تحويلية نبني عليها اقتصاداً صناعياً (ولو على حساب الزراعة)، يعظم القيمة المضافة لموادنا الأولية، وبالتالي لناتجنا المحلي الإجمالي، وفي الوقت نفسه يمتص البطالة، إلا أن الذي حدث أن النتائج المتحققة لم تكن بمستوى المأمول، وجاءت الحرب الإرهابية لتقضي على ذلك.

اليوم، وبعد أن انتهجنا مشروع “إحلال بدائل المستوردات”، وحققنا رصيداً لا بأس به بتمكننا من إحلال عدد من المنتجات والسلع البديلة، أصبح يطفو على السطح مفهوم أو سياسة” التصنيع الموجّه بالصادرات”، وهي سياسة تجارية واقتصادية تهدف إلى تسريع عملية التصنيع ضمن الدولة من خلال تصدير السلع التي نمتلك ميزة تنافسية أو نسبية فيها.

وعليه إذا كانت الغاية هي تحقيق النمو الموجّه بالصادرات، فهل يمكننا القول بأنه قد أصبحت للاقتصاد السوري هوية وهي: “الاقتصاد الموجّه بالصادرات”؟.

إذا كان الجواب بنعم، فهذا متطلبات يجب تحقيقها، خاصة أن العديد من بدائل المستوردات المنتجة محلياً لاتزال تحتاج للمواد الأولية المستوردة، والسؤال هنا: هل “حساب الدولة الجاري” ليست فيه مشكلة؟.

كذلك من المهم لفت الانتباه إلى أن اختيار السلع الرئيسية من المواد الأولية المصدرة لا يجب أن يكون فقط على أساس امتلاك ميزة نسبية في هذا المجال، بل يجب الأخذ في الحساب مقدار الحصيلة الإجمالية من العملة الصعبة الناتجة عن تصدير هذه السلع الرئيسية، وذلك لما لهذه الحصيلة من دور مهم في تمويل التنمية، فعلى سبيل المثال لو تواجه السلعة الرئيسية المصدرة منافسة قوية من جانب المنتجات الصناعية، أو طلباً ضعيفاً أو تدنياً في أسعارها، فإن الحصيلة الضعيفة من العملة الصعبة سوف تؤدي في النهاية إلى ضعف وانخفاض في معدل النمو الاقتصادي، ولهذا فإن الصادرات من المواد الأولية هذه يجب أن تضمن قدراً كافياً من العملة الصعبة لتمويل عملية تنمية باقي القطاعات.

هذه أحد التحديات العديدة التي يمكن أن تواجه “الاقتصاد الموجّه بالصادرات”، فهل تحضّرنا جيداً لذلك؟!.

Qassim1965@gmail.com