شراء السلاح في أمريكا أسهل من شراء “زجاجة جعة”
سمر سامي السمارة
في خضم اليأس والألم والإحباط عقب المجزرة الأكثر دموية التي راح ضحيتها 19 طفلاً، واثنان من المدرّسين في مدرسة ابتدائية في تكساس، يتجدد الجدل عما إذا كان نشر الصور المروعة للأطفال الذين قتلوا سوف يساعد في تحريك الجمهور أو المشرعين في الولايات المتحدة نحو اتخاذ إجراءات حقيقية بشأن العنف المسلح، وحوادث إطلاق النار الجماعية.
وفي وقت يرى البعض أن عرض ما يفعله الرصاص من العيار الثقيل بأجساد الأطفال يمكن أن يحفز على التغيير، يحذر آخرون من أنه قد يتسبب بصدمة نفسية للمشاهدين، ويجدد معاناة أهالي الضحايا وأحبائهم.
في بلد يتجنب غالباً مواجهة العواقب الدموية والمروعة لخيارات سياسته الداخلية والخارجية، يرى الكثيرون أن عرض صور الأطفال وغيرهم ممن عانوا من عنف لا يمكن تصوره- صورة ايميت تيل الذي ضُرب على رأسه لدرجة لم يكن من الممكن التعرف عليه قبل إطلاق النار، وصورة فان ثو كيم فوك الفتاة الفيتنامية التي لقبت بـ “فتاة النابالم” وهي تركض عارية ومحروقة بعد سقوط كمية كبيرة من النابالم عليها، أو صورة ديريك شوفين وهو يضغط على عنق جورج فلويد- قادر على تغيير العقول، وربما قلب الأعراف المروعة.
تعتقد الطبيبة الجرّاحة ايمي غولدبرغ أن الأمريكيين لن يكونوا مخدرين عندما يتعلق الأمر بحوادث العنف المسلح التي تودي بحياة عشرات الآلاف من الأمريكيين كل عام، خاصة أنها أصبحت متكررة لدرجة أن حوادث إطلاق النار الجماعية المروعة هي التي تتصدر عناوين الصحف المحلية.
وفي مقابلة لها مع الإذاعة الوطنية العامة، قالت غولدبرغ: “أعتقد أن مشاهدة التدمير الذي تخلّفه هذه الأسلحة العسكرية أمر بالغ الأهمية، ويمكن عرض ذلك كصور، وهذا ليس مجرد كلام، أقول ذلك وأنا يائسة، يجب أن يُوضع حد لهذه الجرائم”.
وتابعت: “لا أستطيع أن أصدق أن الأمريكيين في هذا البلد سيرون ما تفعله هذه الأسلحة لأطفالنا، ومعلمينا، ومجتمعنا، وسيقفون مكتوفي الأيدي دون أن يفعلوا شيئاً”.
وأضافت غولدبرغ: “كان لصورة نعش ايميت الذي أصرت والدته على أن تقام مراسم الجنازة مع إبقاء النعش مفتوحاً للعامة لتُظهر للعالم مدى وحشية القتل، التأثير الكبير على حركة الحقوق المدنية، وأعتقد أن صور “فتاة النابالم” التي دخلت بيوتنا خلال حرب فيتنام أحدثت تغييراً كبيراً”.
بدوره، يسأل المحامي والناشط في مجال العدالة الاجتماعية، ميتشل زيمرمان: ماذا ستكون ردة فعل أي شخص يريد شراء بندقية هجومية أو غيرها من الأسلحة شبه الآلية، لو طلبت منهم كل ولاية من الولايات مشاهدة صور أو أفلام تظهر أولاً ما تفعله هذه الأسلحة بأجساد البشر؟ ربما يعيد البعض النظر فيما إذا كانوا يحتاجون حقاً إلى هذا النوع من الأسلحة للمطاردة أو الانخراط في إطلاق النار على الهدف.
من المؤكد أن هذا الجدل ليس جديداً، فبعد مقتل 26 طالباً وموظفاً في مدرسة ساندي هوك الابتدائية عام 2012، أكد الناشط السياسي والمخرج الوثائقي الحائز على جائزة أوسكار، مايكل مور، أن الإدارة الأمريكية بأكملها كانت متواطئة في المذبحة بسبب التقاعس في السيطرة على الأسلحة.
وأضاف مخرج الفيلم الوثائقي “بولينغ لكولومباين”: “لهذا السبب علينا أن نشاهد صور ما تبقى من جثث الأطفال الـ 20 على أرضية الفصل، عندئذ لن يكون أي شيء يتعلق بالبنادق في هذا البلد على حاله بعد الآن”.
ومع ذلك، فقد أثارت تصريحات مايكل مور غضباً واسع النطاق بين الأهالي، حيث يقول أحد الآباء من مجموعة نيوتاون الذي وصف فكرة مور بأنها إهانة مروعة للعائلات: “نريد أن نتذكر الملائكة الصغار كما كانوا، بتعابير وجوههم السعيدة، وعليك أن تفكر في المعلمين الذين يحاولون الحفاظ على سلامتهم، وعدم رؤية صور أجسادهم الممزقة”.
قال ليني بوزنر لصحيفة “نيويورك تايمز” إنه بعد وفاة ابنه نوح البالغ من العمر ست سنوات في ساندي هوك، فكر في عرض صور للعالم لما تفعله رصاصة من طراز الناتو مقاس 5.56 مم × 45 مم من النوع الذي تم إطلاقه بواسطة بندقية AR-15 على جسد الطفل، كان أول ما خطر ببال بوزنر هو “أن عرض الصور يمكن أن يحرك مشاعر الناس ويغيّر بعض الآراء”، ومع ذلك، قال: “ليس طفلي”.
وبحسب الطبيب الجرّاح، بيتر ري، صُنع هذا الرصاص للاستخدام في الحرب، ويمكن أن تقطع رأس شخص ما، أو تترك جسداً يبدو وكأن قنبلة يدوية انفجرت بداخله.