“لافارج” الفرنسية.. من دعم النازية الى التحالف مع “داعش” والمجموعات الإرهابية
بدأت شركة “لافارج” الفرنسية للإسمنت، منذ فترة، استعداداتها لترميم مبنى شركتها في المنطقة التي تفصل بين محافظة الرقة ومدينة عين العرب بريف حلب الشمالي، مستفيدة من قرار وزارة الخزانة الأميركية باستثناء مناطق سيطرة ميليشيا “قسد” الارهابية من العقوبات الأميركية في إطار ما يسمى “قانون قيصر”. وقد بدأت الشركة الفرنسية أعمال الترميم بعد تلقي وعود أميركية بتأمين حماية طواقم عملها.
وأوقفت شركة لافارج للأسمنت عن العمل بين عامي 2014 و2016 نتيجة الصراع على نهب خيرات المنطقة بين ميليشيا “قسد” و”داعش” آنذاك، قبل أن تعود للعمل وتتوقف مجدداً في العام 2019.
وشاركت الشركة في تمويل تنظيم داعش المُصنَّف تنظيما إرهابيا على لوائح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للحفاظ على استثماراتها، وتحقيق مكاسب اقتصادية ومالية، وقد اتهمت في المحاكم الفرنسية بدعم الإرهاب ودفع أتاوات لتنظيم داعش لضمان استمرار عملها، وقدمت للمجموعات الإرهابية حفارات أنفاق ومعدات بناء لعبت دورًا مهمًا ببناء شبكات الأنفاق السرية و واصلت توفير احتياجاتها من النفط السوري عبر تنظيمات إرهابية تبادلت السيطرة على حقول النفط وهو ما اعترفت به لاحقاً.
وتعود قصة تعاون “لافارج” – التي اندمجت سنة 2014 مع شركة “هولسيم” السويسرية فصارت تُعرَف بـ”لافارج هولسيم” – مع الإرهاب لضمان استمرار أعمالها إلى الحرب العالمية الثانية، حين وصل النازيون إلى قلب فرنسا، فوجدت الشركة نفسها أمام اختبار عصيب وحاسم يهدد صعودها الاقتصادي، لكنها لم تتردد كثيرا قبل اتخاذ قرارها الحاسم بالتعاون مع النازيين والدخول معهم في صفقات كبيرة.
حطت “لافارج” رحالها سنة 2009 في العراق، طامعة في أن يكون لها نصيب من كعكة إعادة الإعمار المُقدَّرة حينها بـ 500 مليار دولار، إلا أن الاستثمار الأبرز للشركة الفرنسية كان غير بعيد عن العراق، في سورية المستقرة قبيل ما يسمى بثورات “الربيع العربي”، ففي سنة 2010 افتُتِح المصنع الذي اشترته “لافارج” قبل 3 سنوات بمنطقة الجلابية شمالي مدينة الرقة، وقد رأت فيه الشركة الفرنسية جوهرة استثمارها بالشرق الأوسط، وبلغت تكلفته 680 مليون دولار.
مع بداية الحرب الكونية التي شنتها الدول المعادية لسورية بدأت الأوضاع الأمنية غير المشجعة تدفع عددا من الشركات الفرنسية إلى الرحيل عن الأراضي السورية، كشركتي “إير ليكيد” و”توتال”، إلا أن “لافارج” فضلت البقاء، معتبرة أن مدينة الرقة بعيدة عن المناطق التي اشتعلت فيها الأحداث. بيد أن الشركة سرعان ما تعاقدت مع النرويجي “جاكوب ويرنس”، الذي يجمع بين التجربة في مجال التجارة، والمكوِّن العسكري والاستخباراتي لحماية استثماراتهما الثمينة من الاضطرابات.
وتماما كما حدث مع مديري لافارج الذين عاصروا النازية، كان القرار الذي اتخذته لافارج هو البقاء بأي ثمن، حتى لو تطلب الأمر دفع مقابل مادي للمجموعات المسلحة التي تصنفها الدول الغربية جماعات إرهابية، بهدف الحفاظ على أهم استثمارات الشركة في الشرق الأوسط، ليتكشف لاحقا أن هذا البقاء كان بالتنسيق مع الاستخبارات الفرنسية التي وجدت في ذلك فرصة للتمويل غير العلني للمجموعات الإرهابية.
كان ضروريا أن تجد “لافارج” شخصا يقوم بدور الوسيط بينها وبين تنظيم داعش الارهابي، فلم تجد أفضل من رجل الأعمال الفاسد، والعميل الفرنسي، والممول للإرهاب، المدعو فراس طلاس، الذي ساعدها على حط رحالها أول مرة في الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة، حيث كان مكلفا بالتفاوض معها، وتوزيع الأموال عليها، مقابل عمولته التي وصلت إلى 5.4 مليون دولار في الفترة ما بين تموز 2012 وأيلول 2014، ليصبح عضوا في مجلس ادارة قسم سورية للشركة .
بمعنى احر يحصل الوسيط والتنظيم على الأموال، وتحصل الشركة مقابل ذلك على ورقة مرور تحمل ختم ما يسمى “وزير مالية الدولة الإسلامية”، كما اشترت “لافارج” من التنظيم الإرهابي عددا من ا لمواد الأساسية، مثل “الوقود الثقيل” ومواد أساسية أخرى، كما يشتبه في بيعها لتنظيم داعش الأسمنت الذي بنت به عددا من السجون المعدة للنزلاء المحكوم عليهم بالإعدام.
وقد أعاد هذا التعاون بين الشركة الفرنسية وتنظيم داعش الإرهابي إلى الأذهان وقائع شراكتها مع النازيين قبل عقود، فعلى الرغم من اختلاف الأزمان وتنوع الشركاء، يظل هدف الشركة الفرنسية واضحا وثابتا، وهو الحفاظ على مكاسبها المالية.
مسيرة شركة لافارج تعكس الصورة الحقيقية لواقع عمل السياسات الغربية التي تعتمد بالدرجة الأولى على المنفعة الاقتصادية ونهب خيرات الشعوب بأي طريقة كانت حتى لو اضطرها الأمر إلى التحالف مع التنظيمات الإرهابية في سبيل تحقيق مصالحها بغض النظر عما تتغنى به من محاربة الإرهاب ودعم الشعوب واحقاق الحق .
محمد عباس