حسب الإمكانيات!!
علي عبود
توقفنا مطولاً أمام ما قالته إحدى الجهات الحكومية بأن تسعير شراء بعض المحاصيل من الفلاحين والمنتجين يحدّد حسب الإمكانيات..! ماذا تعني هذه المقولة الاقتصادية غير المسبوقة؟
أولاً: لا يمكن الحديث عن تسعير حسب الإمكانيات، فالتسعير يحدّد حسب التكلفة مع هامش للربح، وإذا أراد المواطن أن يقتدي بمقولة هذه الجهة الحكومية، فمن السهل أيضاً على المواطن أن يقول: على الشركات الحكومية أن تحدّد أسعار منتجاتها حسب إمكانياتنا الشرائية!
ولو أخذنا مؤسّسة “السورية للتجارة” فإنها تعمل بمقولة “التسعير حسب الإمكانيات”، فهي ترفع تباعاً أسعار المواد المدعومة، وبدلاً من توزيعها شهرياً ابتكرت مصطلح “الدفعة” أي توزيع المواد المدعومة كل ثلاثة أو أربعة أشهر ترجمة لمقولة “التوزيع حسب الإمكانيات”!
ومع أن السيد الرئيس بشار الأسد وجّه الحكومة بشراء محصول الحمضيات، فإن الحكومة لم ترصد للسورية للتجارة المبالغ الكافية لاستجرار الكمية الأكبر من المحصول، وكرّرت الجهات المعنية معزوفة “الشراء حسب الإمكانيات”.
وسبقت وزارة النفط جميع الجهات الحكومية بتنفيذ مقولة “حسب الإمكانيات”، فهي لم تتوقف عن رفع أسعار المحروقات من جهة، وإطالة المدة الزمنية للرسائل مع تقليص الكميات المباعة للمواطنين من جهة ثانية!
وحتى عندما تقوم الحكومة بتسعير منتجاتها حسب تكلفة مستلزمات إنتاجها، فإنها تعتمد على دفع أجور للعمال الذين ينتجونها وفق مقولة “الأجر حسب الإمكانيات المتاحة”، بديلاً من “الأجر حسب الإنتاج”!
هذا الواقع أدّى إلى اتساع الهوة بين الأجور والأسعار، لأن الحكومة تنفّذ فيما يتعلق بمنتجاتها وخدماتها (سياسة التسعير حسب التكاليف)، أما فيما يتعلّق بالعمال فتنفذ سياسة (الأجور حسب الإمكانيات)!.
لاحظوا أن جميع الجهات الحكومية تقوم بتعديل أسعار منتجاتها وخدماتها مع كلّ تعديل رسمي لسعر صرف الليرة، في حين تستثني الحكومة، بل تتجاهل تعديل الرواتب والأجور بعد تعديل سعر الصرف والحجة الجاهزة دائماً: قرار “زيادة الأجور حسب الإمكانيات”!!
لقد كرّرت وزارة التجارة الداخلية أكثر من مرة: لا علاقة للمنتج بدخل المواطن، فهو لا يمكن أن يخسر، أي هو سيبيع السلع والمواد حسب التكلفة، ولكن الوزارة نفسها المكلفة بحماية المستهلك لم توفر للمواطن السلع والمواد حسب دخله المحدّد من الحكومة والذي لا يناسب أسعار لا القطاع العام ولا الخاص!
نعم، من المنطقي جداً أن تؤكد الحكومة على مقولات من قبيل “التسعير وفق التكاليف”، و”شراء المحاصيل من المنتجين حسب الإمكانيات المتاحة..”، وبالمقابل من حق العامل بأجر أن يقول للحكومة: “وفّري لنا السلع الأساسية والضرورية لحياتنا اليومية حسب إمكانياتنا الشرائية”!!