الكتاب الشعبي مشروع مع وقف التنفيذ
لم يقتصر الحديث في ندوة “شآم والقلم” التي أُقيمت مؤخراً في المركز الثقافي في أبو رمانة على الكتاب الشعبي وغيابه، والذي كان عنواناً للندوة، بل تعدى ذلك للحديث عن واقع الكتاب وأزمة القراءة، وقد بدا واضحاً من خلال كلام المشاركين: د. محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتّاب العرب وهيثم الحافظ رئيس اتحاد الناشرين العرب تباين الرؤى في بعض الجوانب المتعلقة بواقع القراءة، وإن كان لدينا قارئ أم لا، في حين ذهب الصحفي ديب علي حسن في مشاركته التي قرأتها الإعلامية فاتن دعبول التي أدارت الندوة للحديث بشكل مباشر عن عنوان الندوة، موضحاً في البداية أن الكتاب الشعبي هو الكتاب الذي يصل إلى أوسع شريحة من الناس عبر مؤسّسات تقوم بنشره ودعمه، وهو غير موجود لدينا اليوم، ورأى أنه من الواجب أن يشير إلى أنه كانت لدى مطبعة كرم مبادرة على هذا الصعيد حين توّلت نشر الكثير من الكتب بشكل مختصر وبسعر زهيد، وكذلك تجربة “كتاب في جريدة” مع صحيفة “تشرين” وكتاب جريدة “الثورة” وكتاب “البعث” الشهري وقد توقفت كلها عن الصدور، موجهاً الشكر لاتحاد الكتّاب العرب الذي فتح باباً واسعاً لاقتناء الكتاب بسعر شبه مجاني، وقد وصلت المبيعات إلى ملايين النسخ استفاد منها طلاب الجامعات والمدارس، وهذه المبادرة برأيه مهمّة جداً وتؤسّس لإصدار كتاب شعبي موجود أساساً في كتاب الجيب الذي يصدر عن اتحاد الكتّاب مع مجلة “الموقف الأدبي”، مذكراً بأن رئيس اتحاد الكتّاب د. محمد الحوراني وعد منذ فترة بإطلاق كتاب شعبي، والجميع بانتظار ذلك، منوهاً في الوقت ذاته بأن ما يصدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب على أهميته لا يمكن اعتباره ضمن سلسلة الكتاب الشعبي، في حين أن دور النشر الخاصة ليس لديها مثل هذا الهمّ لأنها عملياً لا تتلقى أي دعم، مشيراً إلى سلاسل الكتب الشعبية العربية، وفي مقدمتها التجارب المصرية التي ما زالت كتبها متداولة على الأرصفة وفي المكتبات الخاصة، وكذلك سلسلة “عالم المعرفة” الكويتية وما قدّمته على هذا الصعيد، مبيناً أن الكتاب الشعبي موجود في العالم كله، سواء بدعم من الحكومات أو القطاع الخاص، في حين أن رأس المال السوري لا يستثمر في مشاريع ثقافية، والمؤسّسات الحكومية لا تقدّم الدعم الذي يجب أن يقدم مقارنة بما يقدّم في الغرب للكتاب، وبالتالي فإن المطلوب برأيه العمل على نشر ثقافة القراءة أولاً في الأسرة والمدرسة والجامعة ودعم الكتاب، ومن ثم وضع استراتيجيات ثقافية بالتعاون بين الوزارات المعنية مثل التربية والثقافة والتعليم العالي والإعلام واتحاد الكتّاب العرب واتحاد الناشرين، وكذلك العمل على إقامة سوق كتاب شعبي للإصدارات القديمة والجديدة بأسعار تناسب الجميع لأن كتابنا برأيه ليس بخير.
لا يوجد كتاب شعبي في سورية
واتّفق د. الحوراني مع ما ذهب إليه حسن بأنه لا يوجد كتاب شعبي في سورية، وهذا يعني أن الوضع ليس بخير، وأنه على الدولة أن تدعم هذا الكتاب لأنه لا يمكننا أن نطالب دور النشر الخاصة بذلك في ظل عدم وجود قوانين صارمة تفرض عليها طباعة الكتاب الشعبي الذي فيه الخسارة أكيدة، موضحاً أن معظم دور النشر الخاصة تقوم بعمل تجاري، وهي لا تشتغل على الترويج للثقافة وإنما تشتغل في الغالب على زيادة إمكانياتها المادية، وهي حالة طبيعية بالنسبة لها لأنها لا تمتلك برأيه رسالة ثقافية وتنويرية، وبالتالي على المؤسّسات الثقافية أن تقوم بهذا العمل ضمن نهج واستراتيجية الدولة دون أن تحول الظروف الاقتصادية وظروف الحرب التي أثَّرت بشكل كبير على سورية العمل ولو بالحدّ الأدنى في تأمين الكتاب الشعبي بتخصيص مبالغ مالية له لطباعته وتوزيعه بشكل مجاني أو شبه مجاني.
ورداً على من يقول إنه لا يوجد قراء، يؤمن د. الحوراني بوجود قرّاء وشباب مثقفين بحاجة للكتاب الورقي أكثر من الإلكتروني، ولكنه تساءل هل أوصلنا الكتاب الورقي إليه لنجزم أن هناك قراء أما لا، مؤكداً أنه حين لا نُقدّم له كتاباً ولا حتى كراساً لا يحق لنا أن نسأل هذا السؤال، ولذلك رأى أن اتّهام الجيل الحالي بعدم القراءة ظلم كبير بحقه، والدليل الإقبال الكبير الذي تشهده معارض الاتحاد الذي باع خلال عام ونصف 500 ألف نسخة من كتبه، في غالبيتها لطلاب الجامعات، وهذا ينفي أمرين برأيه، الأول أن الكتاب الورقي مات، والثاني أن الجيل الحالي لا يقرأ، وأنه حين نقدّم له الكتاب بسعر مقبول كما فعل الاتحاد سيقبل على شرائه لقراءته، وهذا يؤكد أن الكتاب الشعبي بسعره الزهيد وفي ظل عدم وجود إمكانيات مادية لشراء الكتاب يصبح ضرورة، مع تأكيده على أهمية الدعاية والإعلام له وتضافر جهود اتّحاد الكتّاب العرب ووزارة الثقافة والإعلام واتّحاد الناشرين لتأمينه.
سوق للكتاب
وبدأ الحافظ مشاركته بالقول إن اتّحاد الناشرين واتّحاد الكتّاب العرب بصدد وضع استراتيجية متقدّمة للتعاون لدعم الكتاب في سورية، متسائلاً: إذا أنتجنا الكتاب الشعبي، أين هو القارئ؟ لذلك رأى أنه يجب علينا بدايةً البحث عن القرّاء، وهذه ليست مسؤولية الناشرين فقط بل مسؤولية كل الهيئات والنقابات والاتّحادات والمؤسّسات الثقافية والإعلامية في سورية، مبيناً أن القراءة هي الرافد الأساسي للمجتمع، وإذا استطعنا تأمين قرّاء حينها نؤمن الكتاب الشعبي الذي دون قارئ لا يعني شيئاً، وبالتالي فإن مشكلتنا برأيه هي في غياب القراء، وهي المشكلة التي يجب أن تُعنى بها كل الهيئات الثقافية في المجتمع من خلال دعم القراء، والبداية برأيه تكون من خلال تفعيل دور المكتبات المدرسيّة المُغلقة في مدارسنا والتي لا يدخلها الطالب، ولم تعد رافداً أساسياً في اقتناء الكتاب من دور النشر الخاصة والعامة (كيف سأضع قرّاء وهي مغلقة وغير مفعّلة؟)، مشيراً إلى أعداد الكتب المباعة في بعض الدول الأوربية والتي تبلغ بالملايين لوجود قرّاء يرتادون المكتبات العامة المنتشرة في الأحياء والتي تستقطب الإنتاج المحلي والدولي من الكتب، متسائلاً أين هي مكتباتنا العامة التي يرتادها القرّاء؟ رافضاً اتهام دور النشر الخاصة بأنها تجارية فقط لأن لديها أيضاً رؤية ثقافية وهدفاً ورسالة، وخاصة لبعض فئات الشعب، تختلف من دار إلى دار أخرى، مؤكداً أن سعي دور النشر الخاصة لتكون رابحة تجارياً لا ينفي دعمها للثقافة، لذلك أشار إلى ضرورة وجود سوق للكتاب شبيهة بالأسواق الموجودة في بعض الدول، مبيناً أنه وانطلاقاً من هذه التجارب ما زال اتّحاد الناشرين يسعى لإيجاد أسواق مماثلة تحت مسمّى الكتاب للجميع تكون مهمتها استقطاب الكتب التي تمّت قراءتها من قبل أصحابها، وتكون لتبادل الكتب بعد أن أصبح الكتاب سلعة غالية لا يستطيع الجميع شراءه بسبب ارتفاع أسعار الورق ومتطلبات إنتاجه.
أمينة عباس