شماعة الإمكانات المتاحة لم تعد صالحة…رياضتنا منجم ذهب يحتاج حُسن الإدارة تقاذف المسؤوليات يزيد المشاكل ومحاسبة اللاعبين أمر مرفوض تماماً
البعث الأسبوعية-ناصر النجار
رياضتنا بشكل عام بلغت من المواقع ما لا يليق بها فوصلت إلى الدرجات السفلى وقد بات جميع الرياضيين بمجالسهم الخاصة والعامة يتحدثون عن الوضع الذي آلت إليه من الفوضى والتخريب والفساد وكل ذلك أدى إلى التراجع المحزن على صعيد كل الألعاب، حتى إن الكثير من الرياضيين باتوا يشتكون سراً وعلانية من الوضع المقيت دون وجود بارقة أمل لإنعاش الرياضة عبر خطوات مدروسة ومفهومة من خلال خطة عمل ودعم غير محدود لكل الألعاب.
ولا نريد أن نعرّج على الاجتماع الذي أقيم يوم الثلاثاء قبل الماضي لأنه كان اجتماع استعراض عضلات ليس إلا، دون أن يخوض فيما يفيد رياضتنا.
ولا ندري إن كانت الاتحادات الرياضية على سبيل المثال قادرة على (شيل الزير من البير) وهي مشلولة بالقرارات الصادرة وضعف الإمكانيات، وكيف يمكن أن نحاسب اتحاد لعبة (أي لعبة) لا يملك قراره، فأي خطة أو تحرك أو معسكر داخلي أو خارجي يصطدم بالكثير من الأحيان بعدم الموافقة إما لضعف الإمكانيات المالية أو لعدم جدوى المشاركة أو المعسكر، ولا نفهم هنا معنى هذا الرفض، فإذا قرر اتحاد اللعبة أن هذه المشاركة مفيدة للاعبيه فهو المسؤول عن قراره، ومن غير المنطقي أن يقرر غيره مستوى المشاركة وجدواها.
وبالتأكيد فإن هذه القرارات لا تسري على جميع الاتحادات، فالاتحادات المدللة لها وضع خاص ومعاملة تتميز عن غيرها، لذلك لا يمكننا محاسبة الاتحادات واللاعبين على النتائج لأننا لم نقدم لهم الاستعداد الكافي ولأننا مقصرون معهم في كل شيء، وهذا الأمر يقودنا إلى سؤال مهم: من المسؤول الأول عن التراجع الرياضي؟
بكل صراحة فإن المسؤول عن هذا التراجع هو المكتب التنفيذي، والسبب أنه هو من اختار إدارات الأندية والاتحادات، ولا نريد أن نعيد ما قلناه سابقاً، فإن أغلب إدارات الأندية والاتحادات الرياضية جاءت بقرار من المكتب التنفيذي بعد أن أبعدت القرارات أغلب من جاء بالانتخابات.
ودوماً يأتي حل الإدارات بحجة عدم الانسجام، وقد يكون هذا العذر شماعة، والمفترض أن يكون الحل لأسباب موجبة كسوء السلوك والنزاهة والخروج عن القيم الوطنية والأخلاقية، والمشكلة في التعيينات أنها لم تأت بالجيد أو المفيد لأنها اعتمدت على شعار (هذا معنا وهذا ضدنا).
إضافة إلى أن التعامل يأتي على مبدأ (الخيار والفقوس) لدرجة أن البعض في المكتب التنفيذي كما علمنا من مصادرنا الموثقة يتدخل في أمر اللجان الفنية للألعاب الرياضية في المحافظات على صعيد التعيين والحل.
الوضع على هذه الصورة حوّل المؤسسات الرياضية إلى حالة من الصراع البعيد عن أهداف المنظمة الرياضية بأشكال متنوعة، فبات البحث عن المنفعة أكثر من البحث عن العمل، وتفضيل المصلحة العامة صار آخر الأهداف، ولنا من الأمثلة والشواهد الكثير التي تؤيد ما نذهب إليه.
منذ زمن كورونا الأول سمعنا عن قوانين ستصدر وشكلت لها اللجان العليا وحشدت لها الخبرات وحتى الآن لم نسمع عن أي شيء نتج عن هذه اللجان، ومنها قانون الاحتراف الذي ما زال يطبخ على نار هادئة، ومن القوانين التي وعد بها الرياضيون ما يخص التقاعد والرعاية الصحية وغير ذلك كثير، وعلى ما يبدو أنها لم تعد أكثر من وعود ولم ينتج منها إلا صرف بدل الاجتماعات وما فيها من نفقات رئيسية وهامشية.
التعويضات المالية ما زالت على حالها ومنها أذن السفر ورغم أنه تم رفع أذن السفر إلا انه لم يلب أدنى المتطلبات، ولم يعادل بسعره الجديد أجرة المواصلات، فكيف سنطالب الرياضي بالتفوق والوصول إلى العالمية ونحن لا نستطيع صرف أجرة مواصلاته سواء الداخلية أو الخارجية بين المدن والمحافظات.
ربما رياضتنا تريد قطاً من خشب يصطاد دون أن تتكلف عليه أي شيء، لذلك قالوا وهم صادقون: إن رياضتنا تعتمد على الطفرات، وعلينا الانتظار حتى يجود علينا الزمن ببطلة مثل غادة شعاع أو سباح مثل هشام المصري أو الرباع معن أسعد أو بعض الملاكمين والمصارعين الذين كانوا زهرة الرياضة ووجهها المشرق في الخارج.
مشكلة الإمكانات المتاحة يجب أن نتخلص منها كشعار يطوق عنق رياضتنا ولا بد من البحث عن كيفية تحويل هذه الإمكانات المتاحة إلى إمكانات جيدة قادرة على النهوض بالرياضة والألعاب بشكل عام وقادرة على أن تشبع رياضيينا، بدل أن يلهثوا نحو الأعمال الحرة أو يبحثوا عن طرق غير شرعية من أجل لقمة العيش.
البحث عن الموارد هو الحل والبحث عن إدارة الموارد هو الخط الصحيح الذي يجب أن تسلكه رياضتنا، لأنه ثبت أننا غير قادرين على إدارة الموارد المالية وغير قادرين على صناعة رياضية متطورة ضمن الموارد المتاحة، وغير قادرين على إدارة الاستثمار كأبسط شيء في هذه الموارد، وغير قادرين على فتح أبواب جديدة لمدخول إضافي.
نبع الموارد في الرياضة هو الاستثمار كما ذكرنا وهذا النبع موجود في كل الأندية، لكننا للأسف لم نجد نادياً واحداً خال من المشاكل الاستثمارية، وإذا أحسنا النوايا فقلنا إن الأخطاء الاستثمارية ناجمة عن الجهل وضعف الخبرة في هذا المجال فإن الحلول تأتي عبر طريقين لا ثالث لهما: أول الطرق البحث عن اختصاصيين في الاستثمار والتسويق، وهؤلاء يعرفون القيمة التسويقية للمكان المراد استثماره، لذلك تأتي نصائحهم بمكانها الصحيح فلا يضيع الاستثمار ولا تضيع الفوائد منه، وخصوصاً أن أغلب أنديتنا تملك المساحات الكبيرة في أرقى الأماكن وأغلاها من ناحية الموقع والمساحة والجغرافيا السكانية المكتظة.
ثاني الطرق: هو أن نقيم دورات اختصاصية لكوادر الأندية بالتسويق، فمثلما أنديتنا تحتاج إلى محام ومحاسب فهي تحتاج إلى من هو مختص بالتسويق والدعاية والإعلان.
القصة لا تحتاج إلى الكثير من الشرح ولنا مثال حاضر في نادي المجد، هناك مستثمر حوّل النادي بكل سنتمتر إلى حالة تجارية مملوءة بالمحلات والمقاصف والمطاعم والمول الصغير والصالات وغير ذلك، استثمر كل شيء وبحث عن مستثمرين يتعاملون معه ليديروا كل هذه المطارح.
المستثمر حصن عمله بالقانون فنال ما تمنى، والنادي يقبض بالقانون أقل بكثير من السعر الافتراضي، وفي ذلك ظلم كبير للنادي، فقد أضاع الاستثمار بشكله الحالي مئات الملايين على النادي ولا يمكننا محاسبة أحد لأنه تم تحت سقف القانون.
المشكلة الأكبر أن كل الاستثمارات تم توقيعها قبل سنوات واليوم اختلفت الأسعار أضعافاً مضاعفة، فنال القيمة الرائجة المستثمر بينما بقي النادي يلم الفتات، ونادي النضال مثال حي آخر وغيره كثير.
هنالك جزئيات بسيطة قد تكون مدخلاً للكسب غير المشروع، ونجدها بالكثير من الأندية، وعلى سبيل المثال: الكثير من الملاعب عندما تؤجر للأشخاص لا يتم قطع إيصال بالمبلغ المحصل، يتم حجز الموعد على دفتر (أشبه بدفتر السمان) وهذا هو الضمان لمن حجز موعداً في أي ملعب!
طبعاً قضية الملاعب في الأندية شائكة فإن كانت لمستثمر فهو حر إن قطع إيصالاً أو لم يقطع، أما إن كانت للنادي فهنا المشكلة الأكبر؟
فكلمة السر في الأندية هي الملاعب المكشوفة، وهذه الملاعب تحتاج إلى إعادة نظر، فالمستثمرون نالوا عقود هذه الملاعب (ببلاش) وإدارات الأندية غير مهتمة بمنجم الذهب الذي لديها، فعندما جلنا على بعض ملاعب أندية دمشق السداسية وجدناها محجوزة بشكل يومي اعتباراً من الرابعة عصراً وحتى الثانية ليلاً، وأيام العطل الرسمية والأسبوعية لا تجد موعداً بأي ساعة، الملعب الواحد مدة حجزه ساعة ونصف الساعة بمبلغ أقله عشرون ألف ليرة، وإذا علمنا أن بعض الملاعب بيعت بمبلغ مليون ليرة سورية سنوياً ندرك حجم خسارة أنديتنا ورياضتنا من سوء إدارة الاستثمار!
من الجزئيات البسيطة التي لا يلتفت أحداً إليها وجود ما يشبه (بوفية) بين الملاعب السداسية وضمن المدارس الصيفية، وهي مؤجرة بثمن بخس بينما المواد المعروضة فيها تباع بأغلى الأسعار!
ما دفعنا إلى هذا الاستعراض السريع هو مقولة الإمكانيات المتاحة والدخل المحدود الذي يعيق مشاريعنا الرياضية ويقف أمام طموح الرياضيين وأمام التطور الرياضي، فما تملكه رياضتنا عبارة عن منجم ذهب، لكن هذا المنجم للأسف لا نجد أحداً يقدره ويستفيد منه رياضياً، والحال سيبقى على ما هو عليه، ما دامت المحاسبة غائبة، قبل أن نحاسب الرياضي لأنه لم يحطم الرقم القياسي حاسبوا من قطع عنه الماء والهواء.