مرة أخرى.. وظيفة الناقد الأدبي
هذا السؤال الحائر الذي يهجس به نقاد وأدباء ومبدعون وإعلاميون، كلّما انتهت أمسية أدبية، أو حفل توقيع كتاب، وسوى ذلك. وعلى الأرجح أنه سؤال ما زال يتعثّر بإجابات متسرّعة لا تتجاوز الراهن إلا قليلاً، فلم يعد شخص الناقد إلا تلك الماهية التي تقارب وتستشرف، ومن شأنها ألا تكون جواباً نهائياً على أسئلة محتملة بصدد النقد ووظائفه وأدواره المنشودة، كما خطابه، بل أكثر من ذلك سيعني دلالة الإضافة النوعية إلى المشهد الثقافي إن جاز التعبير، كي لا يتمّ التشابه والخلط، ولاسيما على مستوى المصطلح النقدي؛ وللمصطلح النقدي شجون كثيرة في سيرورته وإشاعته واستنباته والحاجة إلى توطينه في تربة ثقافية عربية؛ فالناقد الأدبي اليوم خارج التوصيفات والتحديدات المسبقة، وهو قارئ نوعي، وهو الدليل على جودة النص من عدمه. وبمعنى آخر، وبعيداً عما يُقال مواربة «أعطني إبداعاً أعطك نقداً»، ربما لا يتيسّر للناقد أن يحيط بكل ما يُنجز من إبداع ما لم تلتقط ذائقته ومعرفته وخبرته وحسّه العلمي المعرفي الجيد منها، وتصطفيه، ليجلو نصاً نقدياً إبداعياً سيقوم بالضرورة على مساءلة هذا الجنس الإبداعي أو ذاك، على مستوى بنيته الفنية بل أكثر من ذلك على مستوى نسقه المعرفي، أي أن النص الإبداعي ليس محض بناء لغوي على أهمية ذلك، هو صورة ثقافة الكاتب وعصره ومكابداته وافتراعه لأمثولته.
وفي هذا السياق، فإن وظيفة الناقد الأدبي سيتجاور فيها العلم والمعرفة أكثر من الانطباع العابر الذي سيمثل حفاوات عابرة صوب إنتاج القيمة، والمعيار بوصفه ناظماً لما يُكتب، دونما حاجة الناقد للاستعلاء على النص، أو تبجيل صاحبه تحت ذرائع مختلفة، فوظيفة الناقد الأدبي هي استكناه الجمال وتعليله تعليلاً ذكياً، إذ أصبح الجمال نادراً بما يكفي خشية نضوب الخيال.
أحمد علي هلال