الحكاية الشعبية المغربية “بنيات السرد والمتخيل”
يعتبر الكاتب الدكتور محمد فخر الدين في كتابه “الحكاية الشعبية المغربية” أن الحكاية هي عبارة عن مخزن مهمّ للصور والرموز والنماذج الأصلية والخطاطات التي تكوّن المتخيل الشعبي المغربي، إنها مكونات ثقافية تطبع المتخيل وتستكشف طبيعته. وهي الحلم الجماعي الذي يهرب فيه الجميع من ذواتهم ويحققون خلاله رغباتهم الدفينة، تختلط فيه السخرية والمرح بعنف الرغبات الطفولية وتطلق فيه حكمة السنين منظمة أحوال البشر من جديد.
وتساهم الحكاية الشعبية المغربية في تقويم حياة الجماعة وتدعو إلى ضرورة إعادة النظر في بعض المظاهر والعادات السيئة. كما يسود التفاهم بين الرجل والمرأة لتأخذ هذه الأخيرة حقوقها المعيشية كلها، وتؤمن نفسها من اعتداء الزوج، والمجانية غير موجودة في الحكاية الشعبية فعلى الإنسان أن يشقى ويتعب للحصول على لقمة العيش، لذلك نجدها تحتفي بالعمل والاحتيال في سبيل تحصيل الرزق، بالإضافة إلى إنها توسع المتخيّل وتخصب خياله وتساعده على التفكير والتركيز، وتربي فيه ملكة الحذر وتشجعه على فعل الخير، وتعلّمه مواجهة المشاكل عن طريق الحيلة والشجاعة، وتعلّمه طريقة التفكير السريع وتنمي ذاكرته، ويمكن تقسيمها إلى ما يلي:
- حكايات دينية وأسطورية
- حكايات مرتبطة بالاعتقاد الجماعي
- حكايات الحيوان
- حكايات أخرى
وليس هناك حدود فاصلة بين هذه الحكايات، وعادة ما تروى الحكايات في المغرب العربي في سهرات السمر الليلية في نطاق الأسرة في جوّ شبه طقسي عند موقد النار، أو تحت الأغطية الصوفية، ويحرم تداولها في النهار، بدعوى أنّ من يرويها في النهار يصاب بأذى في نفسه أو في ذريته.
يجتمع الأولاد حول الجدّة أو الأم أو الأخت الكبرى، ومن خلالهم تنتقل تجارب وحكم الكبار لتغلغل في نفوس الصغار، وأداؤها غير قاصر على النساء بل قد يرويها الرجال أحياناً، والراوي عادة من النساء، وقد كان الرواة يحترمون افتتاحية الحكاية وخاتمتها، ومن هذه الصيغ: “كان يا ما كان في قديم الزمان كان الحبق والسوسان فجر النبي العدنان” وقد تختلف هذه الصيغة بحسب المناطق واللهجات.
هؤلاء النسوة نسخة من “شهرزاد” وهذا العالم النسائي مغلق على الرجال، وقد استعملت النساء الحكاية الشعبية للتعبير عن أنفسهن وعن هذا العالم الرتيب الذي تعشنه، بينما كان الرجال يسردون حكايات أبطال التاريخ والحماسة. وقد تخصصت المرأة أكثر من الرجل في سرد الحكايات الشعبية واهتمت بها أكثر من غيرها لأنها وجدت فيها متنفساً لأحزانها وآمالها ورغباتها، مما ساعدها على تربية أبنائها، ونقل القيم الاجتماعية إليهم.
إنّ جمهور النساء الراويات هنّ من النساء، وهذا يعني أنّ المرأة كانت لها الحرية التامّة في التعبير عن كلّ رغباتها المكبوتة، لقد كان صوت الحكاية يداعب رغباتها الدفينة ويحررها مؤقتاً من القيود التي تأسرها من الواقع، وفي بعض الأحيان تتخذ الحكاية الشعبية شكل احتجاج على استبداد الرجل بأسلوب أكثر أو أقل صراحة فتجسد المرأة الزوج الغريب عنها والأكبر سناً غولاً يختطف الفتاة ويذهب بها بعيداً عن بيت أهلها، كما تصوّر زوجة الأب غولة ماكرة، والعمة غولة تطعم الأطفال حليبها لتسمنهم وتأكلهم.
والحكاية الشعبية لها علاقة بالمعتقدات والعادات والأساطير المنتشرة في الأوساط الشعبية، وهي تعبر عن الحلم الجماعي والاستيهام الطفولي، وتكشف عن الصراع اللاشعوري، إنها تتميز بغناها السردي، ويمكن تصنيف الحكاية الشعبية إلى ما يلي:
- حكايات الغول الغبي
- حكايات البحث عن القوت
- حكايات ذات طابع ديني
- حكايات أعمق، حيث يغيب فيها التأهيل والتسخير ويحضر الجزاء.
وتعتبر الحكاية الشعبية متحفاً للصور والرموز التي راجت في المجتمع المغربي وتراكمت منذ أجيال قديمة، وكونت المتخيل الجماعي.
في نهاية الكتاب يأمل الكاتب أن يكون قد وفق في رفع بعض الضيم الذي لحق بالسرد الشعبي وهو مقتنع أنه قادر على الانبعاث من جديد في أشكال معاصرة تواكب تيارات التحديث.
والدكتور محمد فخر الدين باحث مغربي في التراث المغربي الشفوي، له كتاب موسوعة “الحكاية المغربية – البنية السرديّة والمتخيّل- في سيرة سيف بن ذي يزن”، “مائة حكاية مغربية”، “بنية المتخيل في الحكاية الشعبية”، وهذا الكتاب.
فيصل خرتش