نقرأ.. لنعرفهم!
حسن حميد
لا أدري إن كانت محمدةً أو مثلبةً هذه السلوكية التي نهجتها طوال حياتي الأدبية، ولاسيما حين تقفيتُ متاعب دروب الشهرة وأسبابها، والعوامل التي تساعد على اكتسابها، فقد اعتدت، وكلما ذاع اسم أديب وانتشر في المشاهد الثقافية، أن أسعى لقراءة مدوّنته، للوقوف على أبعاد هذه الشهرة وأسبابها، بل ربما للوقوف على ما إذا كانت هذه الشهرة حقيقية أم أن الزيوف تناهبتها!.
لقد واقفتُ أسباب شهرة باسترناك الروسي، وعرفت أن روايته (الدكتور جيفاغو)، جديرة بالقراءة لأن روحين تعاونتا على كتابتها هما: روح الشعر وروح السرد، لكن التصفيق العالي لها في أوروبا أفسد شهرتها، ولاسيما بعد تلاشي الضجيج الذي أعقب فوزها بجائزة نوبل، والرجم الذي طالها، بلا وجه حقّ، بأنها رواية إيديولوجيا تناهض النظام الاشتراكي.
ووقفت على أسباب الشهرة التي يتمتّع بها في هذه السنوات الأخيرة أدباء مثل: باولو كويلو، وميلان مونديرا، وهاروكي موراكامي، وهم أحياء، يدفعهم الإعلام الثقافي دفعاً إلى أمام بوابة (جائزة نوبل)، وما عليهم سوى أن يقرعوا البوابة كيما تفتح لهم! وتسهم بورصات بيع الكتب من خلال تصنيف مؤلفاتهم بأنها الأحسن توزيعاً وبيعاً واقتناءً في العالم، ومن خلال الأدوار الترويجية التي يقوم بها محرّرون أدبيون يلعبون دور النقاد، سواء في نشر ما يكتبونه عن هذه المؤلفات في الصحف أو المجلات، أو ما ينشرونه عنها في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك من خلال الأدوار التي يقوم بها الأساتذة الأكاديميون في الجامعات، وتوجيههم للرأي العام للطلبة حول هذه المؤلفات عندما يدرّسونها، أو حين يقيمون لها المؤتمرات والندوات والملتقيات، أو من خلال شركات السياحة، وبالتعاون مع شركات الطيران، التي تؤمّن لهؤلاء الكتّاب زيارات مدفوعة الأكلاف كي يلاقوا الجمهور الثقافي في غير مكان من العالم!.
لقد اعتدتُ أن أقرأ ما يصل إلى يدي من أعمال هؤلاء الكتّاب، وأعمالهم، في معظمها، مترجمة إلى اللغة العربية من اللغات البرتغالية، واليابانية، والفرنسية، ومع أن أسعار نسخها غالية إلا أنها منتشرة لسبب فحواه أن لدينا في الوسط الثقافي ذهنية شائعة اسمها (قابلية الاستهواء)، أي الرغبة في اقتناء ما يروّج له ثقافياً حتى لو كان سعر النسخة الواحدة من الكتاب غالياً جداً، والمدهش أن وسائل التواصل الاجتماعي سهّلت أمر الاطلاع على هذه المؤلفات أيضاً من خلال توافرها على مواقع إلكترونية تجيز لمن يدخلها أن يحمّل الكتاب الذي يشاء مجاناً، وهذا ساعد كثيراً على قراءة هذه الأعمال، ولاسيما القراء الذين لهم شغف بالمعلوماتية!
من يقرأ كتب هؤلاء الكتّاب سيشعر يقيناً بأنهم يتبنون القيم النبيلة من التسامح والإخوة، إلى المحبة والتفاعل مع الآخر، إلى قبول الحوار معه، والمناداة بالعيش المشترك من دون الالتفات إلى الماضي لأن في الماضي أشراكاً وأفخاخاً كثيرة، وهذا أمر حسن وجميل، ولكن من حقّ القارئ أن يتساءل لماذا أبطال رواياتهم، وفي المطلق، هم من أتباع الديانة اليهودية؟! ولماذا حاز اثنان من هؤلاء الكتّاب الثلاثة (ميلان كونديرا، وهاروكي ماراكامي) جائزة القدس التي يمنحها الكيان الصهيوني سنوياً؟!. ولماذا الثالث كويلو هو عضو في معهد شمعون بيريز للسلام! ولماذا يركز هؤلاء الكتّاب الثلاثة على هذه النزعة الإنسانية الرهيفة لأبطال رواياتهم؟! ترى ألا يعيش هؤلاء الكتّاب الثلاثة في زمن الاحتلال الصهيوني للبلاد الفلسطينية، ومدى هذا الزمن بات (74) سنة؟!.
من حقّ الآلة الإعلامية الغربية أن تروّج لهؤلاء الكتّاب الذي يصفون أبطال رواياتهم بالرّهافة الإنسانية، ولكن من حقّنا نحن ألا نكون عمياناً مثل قطيع الفيلة الذي أراد أن يستدلّ على الماء من نقيق الضفادع!.
فنحن نقرأ مدوناتهم لنعرفهم، لا لنمشي في دروبهم.
Hasanhamid55@yahoo.com