على وقع اكتفاء السورية للتجارة باستجرار 700 طن من محاصيل عدة.. مزارعو طرطوس يرمون منتجاتهم في النهر..!.
طرطوس – دارين حسن
اضطر مزارعو سهل عكار لرمي منتجاتهم من محصول الخيار في النهر بسبب الأسعار الزهيدة وعدم موائمتها مع تكاليف الإنتاج على أقل تقدير، وما زاد طين هذا المشهد بلّة هو تأخر السورية للتجارة باستجرار هذا المحصول واعتمادها -في حال قررت التدخل الإيجابي لجهة تعويض بعض الخسائر- على الروتين الذي يفضي بالنهاية إلى استجرار كميات محدودة جداً..!.
خاسر في الحالتين
وللوقوف على تفاصيل القصة تواصلت “البعث” هاتفياً مع أكبر الخاسرين وهو المزارع يوسف محمد سليمان، ليبرر سبب رميه لمنتجاته في نهر الأبرش، بخسارة المنتج، مشيراً إلى تكاليف نقل المحصول تتراوح بالعموم ما بين ١٥ إلى ٣٠ ألف ليرة، أما في حال تغيّير مركز البيع لعدم تناسب السعر مع التكلفة الحقيقية تتضاعف الأجور، فضلاً عن أن السمسار يتقاضى نسبة ٧% من قيمة المبيع دون حساب العبوة وأجور النقل والأسمدة والأدوية، لذلك فإن من الأجدى اقتصادياً رمي المحصول أو إتلافه..!.
فيما تحدث المزارع أحمد سلمان من سهل عكار عن صعوبات الزراعة وعقباتها، فهو يزرع منذ القدم ولديه خمسة دونمات من الليمون الحامض والحلو والبيوت المحمية، مبينأً أن سوق التصريف ليس بالمستوى المطلوب والأسعار لا تتناسب مع تكاليف الزراعة وجهد المزارع على مدار العام، وبذلك يسوق سلمان منتجاته إلى سوق الهال تزامناً مع التدخل المتأخر لفرع السورية للتجارة وروتينها وقراراتها الخجولة باستجرار كميات محددة، كما أنها لا تتدخل على مدار العام وإن انتظرها المزارع يخسر محصوله ولاسيما عندما تكون الأسعار مرتفعة إذ تنأي بنفسها عن التدخل..!.
ولف سلمان إلى أنه في حال شهد سوق التصريف كساداً بالمحاصيل تتضاعف خسارة المزارع الذي تشكل العبوات ومستلزمات الإنتاج الزراعي أساس التكلفة الحقيقية له، مشيراً إلى أن ارتفاع أسعار المنتجات لسنتين متتاليتن أدى لخسائر كبيرة، إضافة إلى أن عوامل الطقس والأمراض والرطوبة العالية لعبت دوراً في هجرة مزارعي البندورة لأراضيهم، وبالتالي قلّ الإنتاج بالشهرين الماضيين بحدود الـ ١٠ % وأكثر مقارنة بالأعوام السابقة فأصبح العرض أقل وارتفع سعر المنتج..!.
أقل من الكلفة
وبيّن المزارع سلمان أن كلفة إنتاج كيلو البندورة يفوق الـ١٥٠٠ ليرة دون أجرة تسويقه، وإن باع المزارع الكيلو بثلاث آلاف ليرة يصل للمستهلك بخمسة آلاف عبر حلقات البيع المتتالية، لكن إن تدخلت السورية بسعر ألفي ليرة وعلى مدار العام تمنحه للمستهلك بسعر ٢٣٠٠- ٢٤٠٠ ليرة، مبيناً أن سعر أجود بندورة اليوم بحدود ٨٠٠ ليرة وهو تحت سقف التكلفة..!.
فلتان أسعار السوق السوداء
فيما شكا مزارع آخر من ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج” الكاوية” والتي يؤمنها المزارعون من الصيدليات التي تبيع على سعر صرف السوق السوداء، مشيراً إلى ابتزاز التجار والصيادلة لهم وسط غياب الرقابة، وإلى فلتان أسعار السوق، حيث إن سعر لفة غطاء البلاستيك نوع حراري وصلت العام الماضي إلى ٧٥٠ ألف ليرة، دفع المزارعون ثمنها للصيدلي الذي بدوره دفع للمعمل ولم ينتج، ووعد المزارعين أن يستلموا اللفة بالشهر السادس ولم يحصل ذلك..!.
أيضاً هناك شكوى من وجود احتكار من التجار للفات النايلون وارتفاع ثمنها، حيث إن ثمن ثلاث بكرات نايلون 2.250 مليون ليرة، و٩٠ % من المزارعين لم يزرعوا للشهر الأول بسبب تأخر غطاء النايلون ومن اشتراه دفع زيادة ٢٥٠ ألف ليرة، ليصل سعر اللفة اليوم إلى 1.4 مليون ليرة هذا إن وجدت..!.
صعوبات الزراعة وارتفاع تكاليفها دفع بالمزارعين إلى العزوف عن أرض ورثوها “أبا عن جد” وبحسب العديد من المزارعين فإنهم يؤمنون السماد من المصرف الزراعي الذي لا يعطي ٣٠ % من حاجة المزارع ودائما يمنح بشكل متأخر، كما أن روتين عمله والأوراق التي يطلبها تعيق عملهم وتؤخره، مشيرين إلى أنه بالإمكان تأمين الأسمدة من السوق السوداء، لكن سعر كيلو الأسمدة المركبة والسريعة الذوبان بتراكيز مختلفة بين ٥- ٢٠ ألف ليرة.
توفير العبوات البلاستيكية
وبيّن المزارعون أن سعر عبوة الفلين اليوم يصل لـ ٢٣٠٠ ليرة تتسع لـ ٩- ١٥ كيلو، ويكلف تعبئة الكيلو ١٥٠ ليرة، مشيرين إلى مساوئ عبوات الفلين إذ لا يمكن إعادة استخدامها أكثر من ثلاث مرات، حيث إن حبيباتها استيراد بالقطع الأجنبي ما يضر باقتصاد الوطن، في حين أن العبوات البلاستيكية التي كانت تصنعها الخزن والتسويق سابقاً يمكن استخدامها خمس سنوات كحد أدنى وبالتالي توفر على الدولة.
عرض كبير للمنتجات
رئيس لجنة تجار سوق الهال بطرطوس محمد حمود بين أن المواسم حالياً في خواتيمها والأسعار متدنية، حيث يباع كيلو الخيار بين ٥٠٠ – ١٠٠٠ ليرة، وسعر كيلو الخيار البلاستيكي بين ٢٠٠- ٤٠٠ ليرة، وسعر كغ البذرة الأرضية يتراوح بين ٦٠٠ – ٨٠٠ ليرة، موضحاً أن المزارع يجني الخيار ٣٠ مرة خلال الموسم، والأسعارعرض وطلب، وحالياً تشهد جميع محافظات القطر عرضاً كبيراً بالمنتجات، وبعد ذلك سيأتي لطرطوس إنتاج المحافظات الأخرى كحمص وغيرها، مبيناً أن السورية للتجارة لا تستطيع التدخل لمصحة جميع المزارعين.
خزان سورية
وأثناء طلبنا لمعلومات من اتحاد فلاحي طرطوس حول مساحة سهل عكار وكمية الإنتاج ودور الاتحاد وموقفه من حالة المزارع الذي رمى بمنتجه في النهر ودور السورية للتجارة، اكتفى رئيس الاتحاد محمد حسين بالإشارة إلى أن سهل عكار هو خزان سورية من الخضار والفواكه، ويضمن لمعظم الأسر تأمين مستلزمات المعيشة، مبيناً أن إغلاق المنافذ الحدودية بسبب الحصار المفروض زاد في معاناة الفلاح في تسويق كامل محصوله ما يجعله يقع في خسارة كبيرة من قبل التاجر والسمسار، وأوجز حسين صعوبات المزارعين بظروف البلد غير المستقرة والحصار المفروض وعدم استقرار الأسعار..!.
من جهته مدير فرع السورية للتجارة بطرطوس محمود صقر أوضح أن الفرع استجر من بعض مزارعي سهل عكار وضمن إمكانياتهم بحدود /٧٠٠/ طن منذ بداية الموسم، من محاصيل البندورة والخيار والفليفلة والكوسا، حيث يزود الفرع جميع فروع المؤسسة في المحافظات غير المنتجة للخضار كدمشق وريف دمشق وحماه ودير الزور والسويداء وحلب..!.
ويبقى السؤال إلى متى تستمر معاناة المزارعين في الوقت الذي نسمع فيه وعوداً في كل مناسبة أن قطاع الزراعة أولوية عمل الحكومة؟!