دراساتصحيفة البعث

فرنسا مرفوضة أفريقياً

هيفاء علي

باتت فرنسا في وضع لا تُحسد عليه بالنسبة للقارة السمراء، حيث أصبحت سياستها مكروهة ومرفوضة من قبل جميع الأطراف في القارة، لدرجة أنه لم يعد لديها أي مجال للمناورة بسبب سياستها الاستعمارية الجديدة إزاء شعوب القارة.

في ظل ولاية ماكرون اتخذ هذا الرفض أبعاداً فلكية، وأسباب هذا الرفض موثقة على نطاق واسع، وخاصة الدعم اللامحدود الممنوح للرؤساء غير الشرعيين في نظر شعوبهم، والتحقق من عدم دستورية الفترات الرئاسية، والانتخابات المزوّرة التي لم يضع أي رئيس فرنسي حداً لها.

وبحسب مراقبين أفارقه، فإن هذه الممارسات تبعث على يأس واستياء الشعوب التي تتطلع إلى الديمقراطية وتختنق في مجتمعات تقتل الحرية، حيث يسود التخلف والمحسوبية والمراوغة، ولعلّ أحدث مثال على ذلك تقدمه الأحداث الأخيرة في تشاد حيث قرّر الرئيس محمد ديبي، من خلال حوار وطني زائف، أن يمنح نفسه الحق في تمثيل نفسه في نهاية الفترة الانتقالية التي ستستمر عامين آخرين.

مع اندلاع الحرب الأوكرانية، بالإضافة إلى الموارد الهائلة التي تمّ إرسالها من قبل الغرب إلى كييف، تمّ الكشف عن “معايير مزدوجة” أخرى بشكل أكثر صراحة، إذ لم يفعل هذا الغرب أي شيء حيال المذابح التي وقعت في معظم دول أفريقيا إبان الوجود الفرنسي، ولم تتمّ الدعوة لعقد اجتماعات طارئة في مجلس الأمن لإنصاف الشعوب الأفريقية. وبالتالي، فإن عدم وجود ردّ فعل دولي على هذه المجازر والقبور الجماعية يعتبر شكلاً من أشكال العنصرية.

لقد ساهم اصطفاف فرنسا في “المعسكر الغربي” بعد إعادة اندماجها في القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي في عام 2009 في إضعاف صورتها في القارة الأفريقية، ومن ثم تجسّدت نهاية هذا التفرد في عام 2011 مع الحروب على سورية وكوت ديفوار وليبيا، حيث كانت فرنسا رأس الحربة في جوقة المتآمرين والمعتدين، ما آل في نهاية الأمر إلى جعل فرنسا، المدرجة في المعسكر الغربي، تدفع ثمن المغامرات والتدخلات الأمريكية الفاشلة من البلقان إلى العراق عبر أفغانستان.

بالإضافة إلى ذلك، تحاول الولايات المتحدة التملّص من باريس حتى لا تتلوث بصورتها السيئة، كما لو أن صورتها هي ناصعة البياض ولا تشوبها شائبة وتاريخها خالٍ من الانتهاكات الصارخة والحروب. كما تحاول استعادة السيطرة على أفريقيا من خلال تحريك معسكر الساخطين، مثل تشاد حيث تدعم المعارض ماسرا، ولا تريد خسارة مالي، لذلك وقّعت إدارة بايدن شيكاً بمبلغ 148.5 مليون دولار لسلطات باماكو في إطار مساعدات التنمية.

وبالمثل، حذا الاتحاد الأوروبي حذو واشنطن، فبينما عمل ماكرون بثبات وحماس لجلب الاتحاد الأوروبي إلى منطقة الساحل، حتى لا يجد نفسه وحيداً ضد المستعمرات السابقة، نفرت بروكسل من نزيل الإليزيه، حيث إن العديد من الدول الأعضاء مثل إيطاليا وألمانيا وإسبانيا لا ترغب في دفع “ثمن أخطاء باريس في منطقة الساحل”. وهكذا يسعى الاتحاد الأوروبي لاستعادة العلاقات الطيبة مع مالي بعد رحيل فرنسا.

أما الصين فهي تستفيد من خفض التصنيف الصناعي الفرنسي، وتستثمر في جميع القطاعات كالبناء، والموانئ، والنقل، والبنية التحتية، بما في ذلك في البلدان “الصديقة” مثل كوت ديفوار وبنين.

بالطبع، هناك روسيا، التي عادت للظهور في القارة في أعقاب الحرب الليبية الثانية نهاية عام 2016، بعد غياب دام أكثر من 15 عاماً. وفي غضون عامين، تمكّنت من استعادة مستوى من التعاون مماثل لمستوى الاتحاد السوفييتي السابق، من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى مالي، عرفت روسيا كيف تستفيد من إخفاقات وأخطاء باريس.