الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

بين أغنية وأغنية

غالية خوجة

الجميع يدرك أهمية الإعلام وتأثيره ومؤثراته خصوصاً في زمننا التكنولوجي المعاصر، والسؤال: ما المضمون الذي يقدمه إعلامنا المرئي والمسموع والمقروء والالكتروني؟ وكيف يقدمه؟ هل بتشويق ومعرفة وعلم وثقافة؟ أم بتقليدية مألوفة؟ أم بتجدد تجريبي؟

لكن، هل إذاعاتنا مثقفة ومعرفية وجذابة؟

لاشك، إعلامنا وبكافة وسائله محبوب ووطني ويسعى لأن يكون جاذباً ومفيداً وممتعاً ومشوقاً، لكننا نلفت إلى كيفية الأداء الممنهج وفنياته، فمثلاً، لا يعقل أن يستمع أحدنا للقنوات الإذاعية، منذ جيل وأكثر، وتكون جميعها منشغلة بأغاني مطربة واحدة نحترمها ونحبها جميعاً، لكن، ألا يوجد بين أغنية لها وأغنية لها أغنية ليست لها من أغانينا الوطنية المجذرة للهوية، من قدودنا التراثية الإنسانية، من موسيقانا السورية وموروثها مع تعريف سريع بهوية الأغنية؟

أين إذاعاتنا من التنويعات الثقافية بين أغنية وأغنية، مثلاً قراءة بيت شعري لشاعر سوري معاصر، متوفى، لشاعر عربي، وعالمي، وقراءة قصص قصيرة مفيدة بين البرامج من حكاياتنا الموروثة أو المعاصرة، الاهتمام بتعريف الإصدارات بطرق مشوقة للقراءة من الكتب والمجلات القديمة والحديثة، الاهتمام بالإضاءات الثقافية الموجهة للأطفال والشباب، وكل ذلك بين أغنية عاطفية وأغنية جميلة وأغنية اجتماعية وأغنية توعوية.

وكل ذلك، وأكثر، من الممكن توظيفه بين أغنية وأغنية، لأني، بكل تأكيد، لا أكتب عن برامج تبثها الإذاعات، بل عن الفاصل بين أغنية وأغنية، لتظل القنوات الإذاعية جاذبة ومشوقة ومفيدة وتضيف للمستمع تحصيلاً  معرفياً مناسباً ومتنوعاً ويهتم بالجميع بأسلوب فني متناغم متجدد.

لذلك، هل جربت إذاعة ما، أو وسيلة إعلامية ما، استفتاء الجمهور بما يرغب به وما يعجبه وما لا يعجبه؟

الإذاعة لا تعني أن نُسمع الآخرين بتقليدية وتكرارية واستسهال يساهم في تفريغ الوعي، والتعامل مع الرومانسيات فقط، ولا تعني أن نقرر عن المستمعين ما يريدون، بل أن نكون أقرب إليهم ونتبادل الأدوار معهم.

فما ضرّ لو استمعت الإذاعات إلى مستمعيها وما يريدونه منها عبْر وسائلها المختلفة الهاتفية والتكنولوجية، مثل تخصيص رقم للواتس، أو صفحة استفتاء خاصة بما تقدمه هذه القناة الإذاعية المحلية الحكومية والخاصة، للتعرف إلى ما يحبون الاستماع إليه والاستفادة منه وما يريدون إضافته من برامج واقتراحات وتصورات.

الإذاعة التي تحولت إلى الكترونية أيضاً، ومنها “بودكاست” مثلاً، لها تأثير كبير في تغيير المفاهيم والأفكار وإضاءة الوعي بالإضافات المعرفية والتراثية والعلمية والموسيقية والمسرحية والأدبية والثقافية والذاكرة الحضارية، لأن الإذاعة لا تعني، فقط، بثّ الأغاني، بل هي بحاجة إلى تحديث ورؤيا منهجية تستبق الحملات المغرضة استباقاً احترازياً وتوعوياً ومستقبلياً.

بين أغنية وأغنية، نحن بحاجة لمزيد من الاطلاع على أرشيفنا الإذاعي، والوطني، والشعري، والعلمي والعمراني، بحاجة لمزيد من تكثيف الضوء على اللحظة المعاصرة من خلال استبصار بنّاء يمتد إلى السنوات القادمة، بحاجة إلى برامج جديدة، منها، مثلاً: ماذا تعرف عن وطنك؟ مدينتك؟ شهدائك، جرحى وطنك، علمائك، أدبائك؟ عن الطلاب؟ عن الشوارع والمناطق والجامعات والمدارس والمسارح؟ على أن تقدم المعلومات بطريقة جذابة، ميدانية، لا بطريقة قراءة المعلومات على الهواء لتكون أشبهَ بدرس تأريخ أو جغرافيا، ومن الممكن تقديم هذه الفكرة بدراما مسرحية إذاعية، كمسلسل مؤلف من حلقات منفصلة.

لماذا لا يكون الشهيد وجريح الوطن والعالم والأديب والإعلامي والمدرّس والسائق وفاعل الخير وعامل النظافة وغيرهم قدوة للأجيال لا أن يكون الممثل الفلاني والمطربة الفلانية والفانشيستة الفلانية قدوتهم، وذلك، بين أغنية وأغنية كما غنيت لكم أفكاري في هذه المقالة؟