“كواكب الجنة المفقودة”… تداعيات رجل يحتضر
أقام فرع القنيطرة لاتحاد الكتاب العرب ندوة نقدية تفاعلية مؤخراً حول رواية “كواكب الجنة المفقودة” لمؤلفها محمد الحفري بمشاركة د. آداب عبد الهادي، وعدد من الحضور، وقد أدار الندوة د. جمال أبو سمرة رئيس فرع القنيطرة. الذي بين أن الندوة هي ضمن سلسلة ندوات يقيمها فرع القنيطرة لتسليط الضوء على أعمال أدبية لكتاب سوريين نالوا العديد من الجوائز المتميّزة لتعريف الحضور بها وبأهميتها.
المشاهد الأخيرة
أشارت عبد الهادي إلى أن الرواية لم تحمل مقدّمة ولا كلمة الناشر، أما المقطع الذي اختير ليكون على الغلاف الخلفي فقد أدّى برأيها إلى تشويش القارئ في فهم الرواية، فهذا المقطع يجعله يعتقد أن الرواية هي قصة حب بطل الرواية، ورأتْ أن الرواية إذا أردنا أن نفهمها جيداً علينا قراءة المشاهد الأخيرة لأن قصة الحب فيها ما هي إلا جزء من الرواية التي تقوم على ذكريات وتداعيات رجل يحتضر.. وبعيداً عن النقد لجأت عبد الهادي في مشاركتها إلى سرد حكاية الرواية والأحداث التي تناولتها وأتاحت بذلك فرصة التعرف على ما جاء فيها لمن لم يتسن له قراءة الرواية، خاصة وأن الكاتب الحفري قرأ مقاطع متعددة من الرواية أمام الحضور.
الإعلامي عماد نداف توقّف عند سرّ التكنيك الذي اشتغل عليه الكاتب واللغة عالية المستوى والدلالات الخطيرة والمهمة للشخصيات التي قدمها، مع تأكيده على ضرورة التوقف ملياً عند الشخصية الأساسية لأنها أنموذج موجود بكثرة حالياً في المجتمع. وعبّر نداف عن إعجابه بأسلوب الكاتب في تطرقه لمسألة الحب والمرأة والتي كانت على غاية من الشفافية.
أما الكاتب والشاعر قصي عطية فقد رأى أن الرواية كثيفة وغنية بدلالاتها، وهي أشبه بسيرة ذاتية عبَّر فيها الكاتب عن خلاصة تجربته في مدينة قد تكون مفترضة ولكنه صاغها بطريقة أدبية وافتراضية ارتقتْ إلى مستوى عالٍ.
على الكاتب أن يكون ممثلاً
وخلافاً لتوقعات كل من قرأ رواية “كواكب الجنة المفقودة” على أنها سيرة ذاتية، أكد محمد حسن الحفري في تصريح لـ “البعث” أن الرواية ليست سيرة ذاتية كما اعتقد الكثيرون لأنه كتب هذه السيرة سابقاً في سلسلة مؤلفة من ثلاث روايات هي “بين دمعتين” الحائزة على جائزة الشارقة، ومن ثم “العلم” الحائزة على جائزة المزرعة، و”البوح الأخير” الحائزة على جائزة الطيب صالح العالمية، ومن ثم أتبع ذلك برواية تحمل اسم “ذرعان”، وبسبب ذلك توقع بعضهم – برأي الحفري – أن تكون “كواكب” سيرة ذاتية أيضاً، دون أن يخفي أنه لا يمكن استبعاد الأثر الشخصي للكاتب فيما يكتب، مؤكداً، بعيداً عن الغرور، أنه يمتلك القدرة على الإقناع وتلك ربما من الأسرار الذاتية والخاصة جداً بكل كاتب، حيث جسَّد في الرواية التشاركية التي حملت عنوان “القطار الأزرق” دورَ الشاعر والمسرحي الذي يحمل أوجاعه الممزوجة مع أحلامه، وكان تلك المرأة الني حكت عن نفسها وعن عائلتها في رواية “صندوق الذكريات”، وذاك الهارب من وسط الدخان والنار في رواية “جنوب القلب”، واستطاع أن يقنع الكثير من القراء أنه البطل الحقيقي في رواية “كواكب الجنة المفقودة”، انطلاقاً من قناعته أن على الكاتب أن يكون ممثلاً يتقمص دوره ببراعة من أجل أن يثبت للمشاهد أنه هو تلك الشخصية ذاتها التي يجسّدها ويقوم بدورها.
ونوه الحفري في الندوة إلى أنه كان يذهب إلى شارع ترابي في قرية مجاورة لقريته كي يمشي فيه ويقنع نفسه أن هذا هو الشارع الذي عاشت فيه كواكب بطلة العمل ثم قام بعد ذلك بتفصيل المكان على هذا المقاس وأن الشخصيات التي قدمها في الرواية هي من الواقع لكنه لم يتركها على حالها بل نهض بها نحو الحلم والفن لأن الواقعية – برأيه – تغدو غير جميلة في بعص الأحيان ويجب انتشال الأشياء من براثنها ليغدو أجمل إذا استطعنا أن نتعامل بحرفية وصدق، موضحاً أن الرواية تكون سيرة ذاتية عندما تتضمن صفات شخصية وأحداثاً واقعية وتنطبق على كاتبها وهي أي السيرة الذاتية ليست مثلبة لأي عمل، خاصة وأنها تنقل القارئ إلى المقارنة بين الكاتب وبطله، وهنا على الكاتب برأيه أن يراوغ ويلعب على تلك المسألة ليقدم فناً ممتعاً ورشيقاً.
سأبدأ الكتابة غداً
كان الحفري يميل سابقاً إلى الكتابة الواقعية، وظهر ذلك في رواياته السابقة، أما اليوم، وبعد أن تفوق الواقع بأحداثه على الخيال، وعدم قدرة الكاتب على مجاراته أصبح يميل إلى مسألة التقنية في الكاتب، وتجلّى ذلك برأيه في رواية “صندوق التقنيات” ورواية “الكواكب” وأكثر من عمل قيد التحضير يتنقل فيها بين اللعب مع الخيال ومسألة النص الملغم الذي يحتاج إلى تفكير، ولم ينكر الحفري بأنه لا يستطيع أن يحدد ماذا تشكل هذه الرواية أو تلك المسرحية أو المجموعة القصصية في حياته، لكنه يفرح كثيراً عندما يصبح العمل منجزاً، مع تأكيده على أنه ما إن ينجز هذا العمل حتى يصبح من الماضي، وهو لا يحب البكاء على الماضي والتوقف طويلاً عنده معتبراً ذلك مجرد محطة مرَّ بها، فلا يلتفت للخلف أبداً، كما لم يتردد الحفري الذي ولد على البكاء حين فقد أشقاءه وأسرته في فجائع متتالية من القول أنه لا يريد العودة إلى الحزن والخيبات: “دائماً أردد أنني لم أكتب بعد وسأبدأ الكتابة غداً” واليوم يردد ما قاله ممدوح عدوان: “أنا على شفا الهاوية.. أريد أن أكمل صرختي.. صرختي يجب أن تكون بعشرات النصوص التي يجب إنجازها قبل المغادرة إلى أمكنة أخرى يمكن أن أبدأ منها ثانية وثالثة أو ربما أكثر من ذلك” مع إشارته إلى أن أكبر تحدّ يواجه الكاتب هو الصعوبة في إيجاد الفكرة التي يمكن الكتابة عنها ومن ثم التقسيمات والعنوان والفن الجيد الذي يجب أن يقدمه، مؤكداً أنه مغامر ولا يخجل أو يخاف من التجريب، ولا ينكر أن بيئته المحلية كانت سبباً مهماً في نجاحه، فقد عاش في بلدة تحدها المياه من ثلاث جهات، وحين خرج منها شعر بروحه وهي تفارقه، فقد كان ذلك مؤلماً له أكثر من الألم بالنسبة له، وختم تصريحه بأن لديه عمل قيد الطبع يكون فيه المرأة والرجل في آن واحد ويمتد عبر زمن طويل بطريقة الفنتازية كما لديه عمل جاهز للطباعة يحمل عنوان “يا لذاك الجسد” جرب فيه الكتابة بطريقة نثرية.
أمينة عباس