ذاكرة اللاذقية حافلة بمحطات لأعلام وروّاد الغناء والموسيقا والمسرح قبل قرابة قرن
البعث الأسبوعية- مروان حويجة
تختزن الذاكرة الشعبية لمدينة اللاذقية صوراً وذكريات عن استقطاب المدينة لأعلام ورواد الموسيقا والغناء العرب قبل ما يقارب قرن من الزمن ولازالت ماثلة في عقول وقلوب من عاصرها أو قاربها وتداولها وسمع عنها وبرغم غنى هذه الذاكرة وفرادتها إلّا أنها مجهولة لدى البعض الكثير ممن لم تسعفه دائرة اهتمامه وقراءاته بأن يعلم أن مدينة اللاذقية كانت تزخر بأماكن تراثية مشهود لها بنشاطها الثقافي والفني الموسيقي الغنائي ولاسيما على كورنيشها الغربي الذي انتشرت فيه حينذاك المقاهي البحرية الشعبية التراثية التي استقطبت كبار الفنانين والموسيقيين والمبدعين العرب في حفلات فنيّة رائعة أحيتها كوكبة منهم، وفي مقدمة من زار اللاذقية كوكب الشرق أم كلثوم والموسيقار عبد الوهاب والموسيقار القصبجي وغيرهم من كبار روّاد الفن والغناء في مصر ولبنان وعدة أقطار عربية، وفي مقدمة هذه المقاهي التراثية البحرية وأبرزها وأكثرها حراكاً ثقافياً فنيّاً مقهى شناتا “سابقاً” على الكورنيش الغربي لمدينة اللاذقية حيث احتضن هذا المقهى البحري المشهور والماثل في ذاكرة المدينة وكان ملاصقاً حينذاك لشاطئ البحر حفلات شعبية عامرة وأمسيات فنيّة رائدة لكبار الفنانين ورواد الفن والموسيقا وهذا ما تداوله الكثير ممن عاصر تلك الفترة على مدى سنوات وعقود وأشارت إليه المصادر المتداولة، وتتشكل لدى الباحث الموسيقي زياد عجّان محطات هامة متداولة ومحفوظة في ذاكرة أبناء مدينة اللاذقية عن هذه الأمسيات والحفلات التي زرعت الفرح والبهجة والسعادة في قلوب عموم الناس من أبناء اللاذقية ولاسيما من أسعفه الحظ وسنحت له الفرصة بحضور هذه الأمسيات التي تعود إلى نهاية عشرينيات القرن الماضي واحتضنتها اللاذقية تباعاً إضافة إلى مقهى شناتا أيضاً مسرح مدرسة “ثانوية الأرض المقدسة” التي أحيت فيها الفنانة الكبيرة صباح أمسيات غنائية وعدة أمكنة استقطبت أسماء فنيّة شهيرة وجمهور الفن وعشاق الموسيقا والغناء والفن الأصيل ومن أهم من زار اللاذقية خلال تلك الفترة التي تعود تقريباً إلى قبل نحو قرن من الزمن، وعن الموثّق والمحفوظ والمتداول عن الفرق والأسماء الفنيّة العربية التي زارت اللاذقية وأحيت حفلات فنية وأمسيات غنائية فيها مطلع القرن الماضي يقول الباحث الموسيقي عجّان: تحفل الذاكرة الشعبية لعدة أمكنة في مدينة اللاذقية وبالأخص بالمقام الأول مقهى “شناتا” سابقاً البحري على كورنيش اللاذقية الغربي بأعرق وأشهر رواد الفن والموسيقا والغناء العربي وفي مقدمة الأسماء الفنية التي زارت اللاذقية كوكب الشرق أم كلثوم مع فرقتها الموسيقية بقيادة المجدّد الأول في الموسيقا محمد القصبجي في العام ١٩٣١ وعاودت زيارتها إلى اللاذقية ١٩٣٣ وأحيت حفلتين ويقول الموسيقي عجّان: كانت اللاذقية مقصداً وقبلةً للعديد من الفرق والأسماء الفنية منذ نهاية عشرينيات القرن الماضي ومنها فرقة سكينة حسن من مصر وأيضاً فرق جميلة روشن وجميلة شاكوش وصالح عبد الحي وفتحية أحمد في صيف ١٩٢٩ وزارت اللاذقية سهام المصرية التي كانت تلقب بأم كلثوم الصغيرة وقدِم إلى اللاذقية الموسيقار محمد عبد الوهاب في المرة الأولى صيف ١٩٣٠ وفي المرة الثانية عام ١٩٣١ وقدِم عازف الكمان الشهير “أمير الكمان” سامي الشوا في صيف ١٩٣١ والمطربة نرجس شوقي وفي ١٩ أيلول ١٩٣١ زارت اللاذقية كوكب الشرق أم كلثوم كما زارتها مجدداً في العام ١٩٣٣ وفي العام نفسه جاء المغني روحي الخماش من نابلس وفي نفس العام جاءت المغنية اللبنانية سوسن وقدمت أغانيها الخاصة وهي من ألحان الموسيقي اللبناني المعروف اسكندر شلفون، وفي عام ١٩٣٣جاءت المغنية نادرة أمين وفي العام نفسه المطربة المصرية ليلى حلمي وفي العام الذي يليه قدمت المطربة نور الهدى وأيضاً المطربة السورية الأصل المقيمة في مصر سعاد محاسني ومن المطربين أيضاً ابراهيم حمود مع فرقة موسيقية سورية مصرية عام ١٩٣٤ كما قدم المطربة المصري صالح القروحي ثم أمين حسنين من مصر أيضاً، وفي العام ١٩٣٥ عازف البزق الشهير أمير البزق محمد عبدالكريم، وزار اللاذقية في ذات العام المطرب سليم حسن رافقه على العود محي الدين سلام والد الفنانة نجاح سلام، وأحيت الفنانة الكبيرة صباح حفلاتها على مسرح مدرسة الأرض المقدسة في مدينة اللاذقية في العام ١٩٤٣، وفي العام ١٩٥٤ زار اللاذقية الفنان المصري كارم محمود وفي العام ١٩٦٠ الفنان محمد أمين كما زارها سعاد محمد، محمد خيري، وديع الصافي، صليبا القطريب، جان شبابي، وازدانت بزيارات عديدة ومتعاقبة للكبير المبدع صباح فخري صنّاجة العرب.
ويقول الموسيقي عجّان: يتبين لنا من خلال ما تقدّم أن اللاذقية تميّزت بمكانة مميزة لدى أعلام ورواد الفن والموسيقا فكانت سمعتها مميزة لدى كل من زارها حيث حملوا معهم أجمل الانطباعات عنها وقد لمستُ هذه الانطباعات شخصياً من خلال ذكريات الفنان الكبير القصبجي خلال لقائي معه عند تعارفنا في القاهرة خلال آذار عام ١٩٦٠ حيث تحدث بإعجاب كبير عن اللاذقية وأهلها وعن زيارتها لها وما تركته لديه من ذكريات جميلة.
وفي ذات السياق كان للمسرح العربي حضوره ونشاطه في اللاذقية كما أشارت إلى ذلك المصادر الكثيرة والمتداول شعبياً حيث زارتها فرق مسرحية عربية عريقة بدءاً من العام ١٩٢٨ منها فرق فاطمة رشدي وأمين عطا الله ونجيب الريحاني وجرى تقديم العروض على مسرح “شناتا” الذي استضاف أيضاً تبعاً للعديد من المصادر رائد المسرح العربي يوسف وهبي الذي قدّم مع فرقته مسرحيتي الكابورال سيمون وأولاد الذوات وقدّم المسرحي زكي عكاشة أوبرا كليوباترا بمشاركة الفنانين الكبيرين المطرب صالح عبد الحي والفنانة علية فوزي.
إنها لوحات وأسماء وذكريات فنيّة تستحضر من الماضي محطات رائدة وهامة من الذاكرة الفنيّة الشعبية لمدينة اللاذقية من البوابة العربية حيث كانت شرفة بحرية رحبة واسعة أطلّ منها كبار الفنانين العرب وأشهر الفرق الموسيقية والمسرحية العربية وباتت جزءاً غنيّاً من هذه الذاكرة الحيّة الخصبة التي عززتها انطباعات أهالي اللاذقية وسعادتهم بهذه المحطات المبهجة والسارة فكتبوا عنها وأنشدوا لها وتغنّوا بها لسنوات طويلة تعبيراً منهم عن الأثر الجميل الطيب الذي تركته في قلوبهم ونفوسهم ووجدانهم لتبقى حاضرة في ذاكرتهم ووجدانهم.