مجلة البعث الأسبوعية

أوروبا تتجه نحو اليمين الأقصى

د. مهدي دخل الله

يتشكل المجتمع السياسي الأوروبي من أربعة تيارات رئيسية . يمين الوسط ( الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا ، حزب المحافظين في بريطانيا ، الجمهوري الديغولي في فرنسا ، وغيرهم ) ، واليمين الأقصى ( أحزاب عنصرية منها إخوان إيطاليا والجبهة الوطنية في فرنسا وديمقراطيو السويد ) .

في الجانب اليسار ، هناك يسار الوسط الذي يضم الأحزاب الأعضاء في منظمة « الاشتراكية الدولية » ، ومنها حزب العمال في بريطانيا والحزب الاشتراكي الفرنسي والاجتماعي الديمقراطي في السويد ، ومثله في ألمانيا ودول أخرى . أما اليسار الأقصى فهو الأحزاب الماركسية والتروتسكية ، وقد شهدت تراجعاً كبيراً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، وما سمي بالشيوعية الأوروبية .

بعد الحرب العالمية الثانية ، تناوب يمين الوسط ويسار الوسط على السلطة ، بينما لم تنجح أحزاب اليمين الأقصى واليسار الأقصى . سيطرة أحزاب الوسط ، يميناً ويساراً ، بدأت بالتراجع والضعف في العقود الأخيرة ، والسبب – على ما يبدو – أن يمين الوسط ، خاصة بعد انهزام الديغولية ، خضع لسياسات أمريكا ضارباً بعرض الحائط الشعور القومي لدى الشعوب الأوروبية ، بينما التحق يسار الوسط بمصالح الشركات متعددة الجنسيات التي أصبحت تمول هذه الأحزاب وتسيطر عليها ..

لم يبق أمام الناس العاديين ، الذين تعبوا من السيطرة الأمريكية المباشرة ، سوى اليمين الأقصى للجوء إليه. إنها ظاهرة مثيرة ، ولابد من دراستها علمياً في إطار بحوث السوسيولوجيا السياسية . الانتخابات الأخيرة التي جرت في ألمانيا والسويد وإيطاليا تؤكد تقدم اليمين الأقصى ( يمثله في ألمانيا حزب البديل) . طبعاً في ألمانيا فاز حزب يسار الوسط ، أي الاجتماعي الديمقراطي ، زعيمه شولتز ، إلا أنه اضطر لتشكيل حكومة إئتلافية مع اليمين .

التطور الأهم حصل في السويد ، فعلى الرغم أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي ( يسار الوسط ) نال غالبية المقاعد ( 107 مقعداً ) إلا أن تكتل اليسار مجتمعاً حصد عدداً من المقاعد أقل من تكتل اليمين ( 173 لليسار و 176 لليمين المتحالف مع اليمين الأقصى ) . المشكلة أن الحزب الأول بعدد المقاعد في تكتل اليمين هو حزب ديمقراطيي السويد أي اليمين المتطرف . وفي إيطاليا أيضاً فاز حزب اليمين المتطرف ( حزب أخوان إيطاليا ) .

ماذا يعني لنا ، في الوطن العربي ، هذا كله ؟ التأثير مزدوج ، من جهة أولى سيلقى المهاجرون العرب في أوروبا تمييزاً عنصرياً متصاعداً ضدهم ، وهذا هو التأثير السلبي . أما التأثير الإيجابي فهو المضمون القومي لأحزاب اليمين الأقصى والذي يبعدهم ، شيئاً فشيئاً ، عن الخضوع المطلق لأمريكا ، وينمي عندهم الشعور بالمصالح القومية .. وبهذا تكون المسألة القومية انتصرت من جديد في القارة العجوز . وهذا التطور يزعج ما يسمى بالمفهوم الأطلسي الذي تروج له أمريكا ..

mahdidakhlala@gmail.com