على وقع أزمة غذائية مرتقبة..مزارعون يهجرون أراضيهم وآخرون مصرون على تجاوز التحديات..!.
دمشق – البعث الأسبوعية
من المعروف على مر العصور أن لكل وسيلة إنتاجية عمراً افتراضيا ينتهي بها إلى التقاعد لتصبح خارج الخدمة بعد أن يجرى عليها عشرات وأحيانا مئات عمليات الصيانة والترميم…الخ ويحل محلها وسيلة أخرى أكثر حداثة وربما أطول عمراً وأكثر جدوى…وهكذا كلما انقضى عمر وسيلة إنتاجية حل محلها أخرى أكثر تقانة وتطورا … لكن في المقابل يوجد في سورية أكبر وسيلة إنتاج معروفة للقاصي والداني، وتشكل ركنا أساسيا في اقتصادنا الوطني ولها بصمات إنتاجية لا يمكن إغفالها، إضافة إلى أن عمرها يمتد لمئات القرون..إنها (الأرض الزراعية) التي بدأ إنتاجها – على ما يبدو- ينحسر شيئاً فشيئاً لأسباب ردها البعض إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي وهجرة الفلاح لأرضه والتوجه للبحث عن موارد رزق جديدة أكثر عائدية وأقل مجهوداً، والبعض الآخر عزا أسباب تراجع إنتاجية الأرض إلى الظروف المناخية وانخفاض مناسيب المياه الجوفية وانحسار بعض الموارد المائية، وجفاف البعض الآخر.
أسباب عديدة ساهمت بخروج مساحات زراعية من الخدمة في وقت بات العالم يحذر من أزمة غذاء عالمية قادمة، ما يعني أن الأمن الغذائي أصبح على أولوية الأجندات العالمية، لذلك لابد من التوجه نحو القطاع الزراعي بكل زخم لدعمه وتشجيع الفلاح على الاستمرار باستثمار أرضه دون هجرانها حتى لا ينتهي بها المطاف إلى التقاعد النهائي!.
شواهد كثيرة تدلل على هجران كثير من المزارعين لأراضيهم الزراعية إما مؤقتاً أو بشكل دائم….فلم يعد من المستهجن أن يفكر أي مزارع ببيع أرضه والاستعاضة عنها بأي مشروع تجاري، وذلك لعدم جدوى الإنتاج الزراعي، لدرجة أن المردود السنوي لها لا يغطي تكاليف الإنتاج، وغالباً ما يترك إنتاجه في الأرض دون تسويقه كون أن أجرة السيارة التي ستنقل المحصول إلى سوق الهال أعلى من قيمة بيع المحصول ذاته..!
في المقابل هناك كثير من المزارعين لا يزالون متمسكين بأراضيهم ومصرين على جدواها الاقتصادية دون أن يخفوا التحديات التي يواجهونها وفي مقدمتها ارتفاع أسعار حوامل الطاقة والأسمدة وأجور النقل، إلى جانب التغيرات المناخية والأمراض والأوبئة الناجمة عنها، معتبرين استمرارهم بالاستثمار الزراعي في كل المواسم من شأنه أن يشكل رافعة مالية لهم، بمعنى أن الخسارات ليست متتالية، فالمزارع ربما يخسر في موسم أو موسمين لكنه يحصل على هوامش أرباح لا بأس بها في مواسم أخرى..!.