وثائق البنتاغون تكشف أسباب إشعال أزمة أوكرانيا
ريا خوري
لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية يوماً عن وضع الخطط الاستراتيجية والتكتيكية من أجل السيطرة على العالم. ويبدو من مجريات الأحداث المتلاحقة والمتتابعة أن ما يجري من صراع يشهده العالم على الأراضي الأوكرانية هو جزء من المخططات الاستراتيجية الهادفة إلى استنزاف طاقات روسيا العسكرية والاقتصادية. ودون الخوض عميقاً في التحليل والاستنتاج لمشهد الأزمة المتفاقمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا حول أوكرانيا، فإن الوثائق الرسمية لوزارة الدفاع الأمريكية ترسم صورة متكاملة لجوهر الصراع، حيث تتمظهر العديد من الأبعاد الكامنة في صميم الأزمة الساخنة، وهو ما يؤدي إلى تعطيل الوصول إلى حل نهائي لها بالتفاوض السياسي وبالطرق الدبلوماسية.
مؤخراً تسرب إلى صحيفة “نيويورك تايمز” تفاصيل وثيقة عسكرية مهمة جداً وخطيرة صادرة عن البنتاغون في آذار ١٩٩٢ تحت مسمى “دليل التخطيط الدفاعي” للسنوات من ١٩٩٤ حتى ١٩٩٩، تشرح فيها بشكل واضح أن هدف الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة الأمريكية ابتداءً من هذا اليوم، سيكون المحافظة على التفوق الأمريكي، بمنع ظهور قوى دولية كبرى جديدة منافسة لها.
ومن خلال عرض صحيفة “نيويورك تايمز” لهذه الوثيقة، فإنها تتضمن استراتيجية لا ترمي فقط إلى الحيلولة دون بروز قوى دولية صاعدة مثل روسيا والصين، بل إنها تتحسب أيضاً لاحتمال صعود دول أخرى من بين حلفائها مثل اليابان وألمانيا.
وفي آب ٢٠٠٢، أعلنت الإدارة الأمريكية عن استراتيجية جديدة للأمن القومي الأمريكي، متضمنة توجهات أكثر وضوحاً وشمولاً تؤكد إن هدف الاستراتيجية العالمية الأمريكية هو منع أي دولة أخرى في العالم من بناء قدرات عسكرية نوعية، تتيح لها التفوق على قوة الولايات المتحدة، أو حتى أن تكون مساوية لها. تلك الاستراتيجية احتفظت للولايات المتحدة الأمريكية بحق العمل الاستباقي العسكري، لجعل أي قوة تحاول منافستها عاجزة عن بلوغ هدفها، حتى من قبل أن تتحرك في اتجاه مثل هذا الهدف.
واليوم يظهر في أفق تلك الاستراتيجيات الأمريكية شبح مخيف مبكر عن الأزمة حول أوكرانيا بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما رسمته بعض مراكز الأبحاث المتخصصة القريبة من متخذي القرار في أمريكا التي حددت المعطيات لإشعال الحرب في أوكرانيا، حيث يتبين – حسب نيويورك تايمز – إن المواجهات العسكرية المباشرة يمكن أن تقود إلى أزمة إقليمية حادّة تدار فيها الحرب بالوكالة مدعومة من أطراف خارجية، وهو ما ينطبق على ما تمثله أوكرانيا بالنسبة لروسيا، وجزيرة تايوان بالنسبة للصين.
الوثيقة، بما فيها من تفاصيل، تهدف إلى قضية مهمة هي الاعتراف بمبدأ النفوذ. بمعنى آخر، لا يلتفت النظام السياسي والعسكري والأمني الحاكم في الولايات المتحدة إلى نتائج الحروب، لأن الدولة الأمريكية حتى في تاريخها المعاصر تسير وفق مسار يفرضه ميراث تاريخي للآباء الأوائل المؤسسين للدولة، والذي يقرن القوة بالهيمنة والسيطرة والبطش، وهي قاعدة أساسية امتدت إلى يومنا هذا، ويضعها كل رؤساء الولايات المتحدة على قمة أولوياتهم بأن تكون الولايات المتحدة الأمريكية القوة المسيطرة على النظام العالمي برمته.