هاروكي مورا كامي
حسن حميد
قرّ في نفسي، ومنذ أمد بعيد، أن أخطر أنواع الجهل هو الجهل الثقافي، لأنه جهل يرى ويسمع ويعي ويعرف ماذا يفعل، ولا غاية له سوى تدمير بنية الوعي داخل المجتمع!
الجهل الثقافي هو الأخطر، ليس لأنه يعمل في الحقل الثقافي، وإنما لأنه يمدّ دروباً مشبعة بالضلال والعماء، ويدعو الآخرين، بكل ما يملك من براعة، لكي يمشوا فيها، وهي دروب تشبه دروب الخلد (أبو عماية) التي لا تصل إلى القرى ولا إلى البر ولا إلى البحر.
من أبرز وجوه الجهل الثقافي الترجمة الضريرة التي يتصدّى لها أناس يعرفون لغتهم، ويعرفون لغة من لغات العالم، فيترجمون من اللغة الأجنبية لكتّاب وأدباء من دون أن يعرفوا أهدافهم وغاياتهم وقيمتهم في بلادهم من جهة، ومن دون أن يعرفوا المحتوى الذي يترجمونه من جهة أخرى، وقد رأينا من أمثالهم هؤلاء الذين ترجموا رواية “عوليس” لجيمس جويس وهم لا يعرفون محتواها وما الذي تهدف إليه. لقد ترجموها وهم لم يحسنوا قراءتها، وحين وصلوا إلى حديث جيمس جويس عن الأراضي الفلسطينية / طبريا، حيفا، يافا، الجليل، عكا، أسقط في أيديهم، وظنوا أن ذكر أسماء الأمكنة الفلسطينية يعود إلى شطحة من شطحات خيال جيمس جويس ليس إلا، وهذا ليس صحيحاً بالمطلق، لأن كلّ شيء في “عوليس” مدروس لمصلحة الحديث عن غايات الصهيونية وأهدافها التي راحت الدعايات إليها تكبر مثل كرة الثلج في أعقاب الحرب العالمية الأولى، صعوداً إلى عام 1948، ورأينا الجهل الثقافي يتجلّى أيضاً حين ترجمت رباعية الاسكندرية للورانس داريل ظناً بأنها رواية تشيد بالمصريين والأمكنة المصرية، ولكنها كانت على العكس تماماً، لأنها قدّمت صورة شوهاء عن المصريين والأمكنة المصرية، وأسندت الحضارة، عبر وجوهها الثقافية والفنية والسلوكية، لشخصيات غربية ما كانت تحتاج إلى تنقيب لأن أسماءها دلّت عليها.
واليوم، وخلال العقود القريبة الماضية، رأينا ما اقترفته الترجمة من أغلاط فاقعة بحق الحضارة العربية، والشخصية العربية، والثقافة العربية، وذلك حين هرع المترجمون العرب إلى ترجمة مؤلفات ميلان كونديرا الذي لم يخلُ كتاب من كتبه من تقريظ للفكر الصهيوني، وهذا ما دعا الصهاينة إلى أن يمنحوه جائزة القدس باسم الكيان الصهيوني، والآن يُهرع بعض المترجمين العرب إلى ترجمة كاتب ياباني اسمه هاروكي مورا كامي (من مواليد 1949) أثيرت حول كتاباته زوبعة إعلامية كبيرة، في دور النشر، ومعارض الكتب، وسلاسل أفضل الكتب مبيعاً، والحداثة وما بعد الحداثة، وفي الصحف الكبرى في العالم، ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية، وهو لا يكاد يكون معروفاً في بلاده اليابان.
هاروكي مورا كامي منح جائزة القدس من الكيان الصهيوني، وبعض ممن ترجموه يعرفون ذلك، لكنهم لم يذكروا هذا الأمر، وهو يتحدث عن الهولوكوست، وعن ضحايا اليهود أيام هتلر، وأن الحرب العالمية الثانية نشبت من أجل التخلّص من اليهود، وأن ضحيتها الأولى هم اليهود!
وكلّ هذا موجود في رواياته، وكتبه، وقصصه، ولاسيما في روايته (كافكا على الشاطئ)، وفكرته الأساسية في جلّ أعماله (التي قرأتها له) تدور حول الإيمان العميق بوجود (الأخ الأكبر) الذي يمدّ يد المساعدة لكل من يخرج عن صف بلاده، وعن الروح الوطنية الخاصة بالشعوب والبلدان! وكتب الرجل موجودة في الأسواق، وتتسابق دور النشر العربية على ترجمتها وإعادة طباعتها، لأن الدعاية، دعاية التغرير في أمريكا وأوروبا، حصدت ما زرعته! ما كان على بعض المترجمين العرب إلا أن يكونوا صدى لها، ترى إذا كان هذا ليس جهلاً وخراباً ثقافياً، فماذا نسميه إذاً؟!.
Hasanhamid55@ yahoo.com