“اللغة العربية بين الأصالة والتغريب”.. المشكلة مستمرة
تناول العديد من الباحثين والمهتمين التحديات الجمة التي تواجه اللغة العربية وتهدد مستقبلها وصيرورتها وأصالتها، فقد صدرت أبحاث وكتب متعددة في هذا الشأن، ولعل الدكتور محمود السيد رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق تطرق بالبحث والتحليل إلى الكثير من هذه التحديات في كتابه “اللغة العربية وتحديات العصر”، ومنها موضوع التدريس بلغات غير عربية في الجامعات العربية، والغزو الثقافي وتأثير وسائل الإعلام وغيرها، وكذلك حذا حذوه الشاعر والناقد الراحل وفيق محمود سليطين في كتابه “اللغة العربية في زمن العولمة التحديات والآفاق”. وكان الأديب محمود تيمور عضو مجمع اللغة العربية في مصر استفاض في هذا الشأن في كتابه “مشكلات اللغة العربية”، وكذلك فعل الدكتور محمود فهمي حجازي في كتاب “اللغة العربية قضايا التجديد وتحديات المستقبل”.
وضمن هذا الإطار جاءت محاضرة الدكتور عصام كوسا الأستاذ المحاضر في كلية الآداب جامعة البعث في رابطة الخريجين الجامعيين بحمص وحملت عنوان “اللغة العربية بين الأصالة والتغريب” لتعيد إلى الأذهان التحديات ذاتها التي تطرق إليها من سبقه من باحثين ولغويين، دون الغوص في التحدي الجوهري الذي يهدد كيان هذه اللغة ويأتي على وجودها واستمراريتها، ألا وهو التخلف الاقتصادي والتكنولوجي للأمة العربية التي تعجز عن مواكبة العصر واللحاق بالركب الحضاري المتسارع اقتصادياً وتقنياً وحتى اجتماعياً، فقوة اللغة ترتبط بقوة الأمة الناطقة بها، وهذا ما لا يتوفر لأمة الناطقين بلغة الضاد، لأن السيطرة في كل المجالات هي للأقوى علمياً وتقنياً، وأما باقي التحديات التي تطرق إليها الدكتور كوسا فهي ليست إلا نتيجة للضعف والتخلف الاقتصادي والعلمي، ومن هذه الأسباب التي أدت للتغريب مناهج التعليم المتخلفة التي لم تعد تتلائم مع واقعنا المعيشي التي تعتمد على الحفظ وليس الفهم، وهذا أدى برأيه إلى الازدواج اللغوي بين العامية والفصحى، وهناك مناهج تشجع على التعليم باللغات الأجنبية بدل العربية.
السبب الثاني المثاقفة المضللة وتعني عقدة النقص والتبعية والاستلاب، والثالث غياب السياسة اللغوية عن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة التي سمحت ببروز اللهجات المحلية الضيقة، ومن الأسباب الأخرى وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت المجال واسعاً للكتابة باللهجات العامية.
وقبل ذلك أفرد الدكتور كوسا حيزاً واسعاً للحديث عن مميزات العربية وسماتها وأصالتها من حيث الغنى والنقاء والاشتقاق، فهي لغة مطواعة تمتلك قدرة على التكيف مع كل زمان، ومن أهم سماتها الفصاحة البعيدة عن التنافر والغموض، والاتحاد في المفهوم، وتعدد المفردات الذي ينعكس على قوة البلاغة، وهناك سمة المشترك اللفظي، أي وجود لفظة واحدة تؤدي إلى غير معنى، وهي عكس الترادف، وسمة التضاد الكلمة تحمل المعنى وضده، وكذلك سمة دلالة الأصوات على المعاني، وغيرها من سمات جعلت العربية تتفوق على الكثير من اللغات فغدت إحدى اللغات الست الأكثر تداولاً وانتشاراً في العالم.
وعرّف الأصالة بأنها لا تعني تقديس القديم والتقوقع فيه بل هي نقطة انطلاق نحو المعاصرة، وحجر أساس نستطيع عندما نرتكز عليه أن ننطلق إلى الأمام، وأي انطلاق من فكر أو ثقافة دون الارتكاز على فكر الأمة وثقافتها الأصيلة يؤدي إلى الانزلاق نحو التغريب والتبعية، والأصالة تعني الثقة بماضي الأمة وتراثها ورفض التقليد الأعمى.
وتحدث كوسا عن أشكال التغريب المختلفة وأخطرها التغريب الثقافي لأنه يهدف إلى إبدال ثقافة محل أخرى تضافرت على صنعه عوامل كثيرة، والموجة التغريبية تستهدف ضرب ثوابت الأمة وأهمها العربية الفصحى فعمدوا إلى تشجيع العامية والشعر المحكي في مجال الأدب والإعلام.
آصف ابراهيم