المؤتمرات الحزبية والوظيفة الاجتماعية للبعثيين
د. خلف المفتاح
تابعنا انعقاد المؤتمرات السنوية للفروع الحزبية، وقد سبقتها ومهدت لها مؤتمرات الفرق والشعب الحزبية التي استمرت لشهرين متتاليين، بحضور ومشاركة الرفاق في القيادة المركزية وقيادات الفروع ولجنة الرقابة والتفتيش وأجهزة السلطة التنفيذية، ما يعني تعزيز الحياة الحزبية واستعادة العمل الحزبي ديناميته مع نجاح نسبي في تجاوز النمطية، ولما لهذه المحطات التنظيمية من أهمية خاصة في سياق الفعالية الحزبية كونها وقفات نقدية وتقويمية وكشف حساب سنوي للعمل الحزبي والجماهيري والسلطوي، إضافة إلى أنها تتيح للمؤسسة الحزبية وللمؤتمرين تبيان نقاط القوة والضعف في عمل القيادات، وفق الهرمية التنظيمية السائدة، وتوفر لأعضاء المؤتمرات والمشاركين فيها والمشرفين عليها فرصة لطرح الأفكار الجديدة التي تغني العمل والحزبي والجماهيري، وتساهم في حل المشكلات التي تواجه الأخوة المواطنين بحكم التواصل المفترض بين المؤسسات الحزبية والسلطوية والمجتمع المحلي، سيما ونحن نعيش ظرفا استثنائيا يستدعي أن تكون مؤتمراتنا الحزبية ذات طبيعة استثنائية. والاستثنائية هنا تكمن أولا في الخروج عن النمطية التي تغلف غالبا المؤتمرات السنوية، وثانيا في تغليب المهام والواجبات التي تتطلبها طبيعة التحديات القائمة في ظل الأزمة على القضايا التقليدية. وهنا يطرح السؤال المحوري: ماذا نعمل من أجل حماية بلدنا وتعزيز صموده ومنعته في مواجهة الحرب الإرهابية والحرب الاقتصادية التي تشن علينا ضمن الإمكانات المتاحة بين أيدينا وهي كثيرة ومتعددة؟ وما طبيعة المهام والدور الوظيفي الملقى على عاتق الرفاق البعثيين بحكم انتمائهم الوطني والحزبي، بحيث يكونوا في مقدمة من يضحي دفاعا عن الوطن – الارض والهوية – سيما وأن الفكر القومي وفكرة العروبة في دائرة الاستهداف من مشروع فكري ظلامي وشعوبية جديدة واضحة الأهداف والملامح والهوية؟
إن تحديد الأولويات والآليات والأدوات والوظيفة الاجتماعية للبعثيين هي نقطة البداية لنجاح أي عمل منظم ومؤسسي. ومن هنا تأتي أهمية التركيز عليها في جدول أعمال المؤتمرات على فرض أن القيادات الحزبية تعيش الواقع، وتعي المهام الملقاة على عاتقها، ولا تعيش في عالمها الخاص، الأمر الذي يكسبها خاصية التعامل النوعي مع الواقع ومشكلاته، والقدرة على التأثير الإيجابي فيه. وما دمنا في إطار الحديث عن الأولويات والمهام والواقع، فلا شك أن الأولويات راهنا تتمثل في الأزمة وتداعياتها، وهنا يصبح دعم الفعل المقاوم الشعبي والجهد القتالي بكل أشكاله وصوره وصنوفه أولوية تتقدم على غيرها من مهام. وعلى التوازي مع ذلك، تأتي مسألة مواجهة الفكر التكفيري المتطرف وما يشكله من خطر على المجتمع السوري والهوية الجامعة. ولعل الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد في ظل ظروف الحصار الظالم المفروض على الشعب السوري، واستهداف مصادر الثروة الوطنية وكل المرافق الاقتصادية ووسائل الإنتاج والخدمات والمرافق العامة ومحاولة تجفيف مصادر الموازنة العامة للدولة، وما لذلك من انعكاسات على الوضع الاقتصادي والخدمي والمعاشي للمواطنين.. كل ذلك يستدعي استنفارا حزبيا ووطنيا يتمحور حول التخفيف من آثار الأزمة وتداعياتها على الواقع المعاشي والخدمي والسعي الحثيث لتشكيل رديف وطني خدمي واجتماعي للسلطة التنفيذية لمساعدتهاعلى القيام بواجباتها ضمن حدود الإمكانات المتاحة وصولا لدرجة عالية من العدالة في توزيع الموارد والحاجيات، وعقلنة ذلك، وتكريس قاعدة أن البعثي هو أول من يضحي وآخر من يستفيد، عملا لا قولا.. ومن هنا يرتقي الدور الاجتماعي الوظيفي للرفاق البعثيين إلى مستوى المهمات والأولويات التي درجت أدبيات الحزب على التأكيد عليها.
إن استعادة الحياة الحزبية بعيدا عن النمطية وبحيوية وروح جديدة يجعل من المؤتمرات السنوية قيمة مضافة للعمل الحزبي وفرصة ثمينة تتلاقى فيها الأفكار وصيغ العمل التي تعطي الانطباع بأن ثمة جديداً وفاعلاً في الحياة الحزبية له انعكاسه المباشر على الحزب والمجتمع، وهذا يحتاج إلى ملامسة حقيقية وتفاعل صادق مع قضايا المواطنين وحاجاتهم ورغباتهم وتعاون وتنسيق بين المؤسسات الحزبية والسلطوية والمجتمع المدني والأهلي عنوانه، وبوصلته المصلحة العامة وعملية التنمية، وهدفه المحوري تحقيق الأمن والاستقرار على كامل الجغرافية السورية.
إن ما يجعل المؤتمرات الحزبية تصل إلى أهدافها، وتطور في مستوى أداء المؤسسات، هو الإعداد الجيد لها ووضع جدول أعمال واضح يغنى بمداخلات وحوار جدي وواقعي يلامس قضايا الحزب والمجتمع، مع معرفة وإدراك لوظيفة هذه المؤتمرات وصلاحياتها ومهامها، يضاف إلى ذلك أن تتعامل المؤسسات المعنية والمتسلسلة تعاملا جديا مع كل طرح موضوعي وجاد ومثمر وضمن صلاحياتها ومهامها وامكاناتها المتاحة، بحيث يتحسن الأداء العام بنسقيه الحزبي والسلطوي، وهو ما يجب أن يلمسه المواطنون عموما، ويشكل الانطباع بأنها مؤتمرات ذات جدوى، وليس طقسا وظيفيا تقليديا.
إن تعزيز الشعور بالمسؤولية الوطنية في ظل الأزمة والحرب القذرة التي تشن على الشعب السوري بأدواتها العسكرية والاقتصادية والإعلامية، والانطلاق من حقيقة أن لكل مواطن دوره في مواجهة التحديات، مسألة غاية في الأهمية. وهنا، يبرز دور المؤسسات الحزبية المتسلسلة في القيام بذلك من خلال وضع آليات وصيغ عمل واضحة وقابلة للقياس، فعقلنة العمل الحزبي هي في صلب الحديث عن العمل المؤسساتي الذي يؤكد عليه دائما الرفيق الأمين العام للحزب، السيد الرئيس بشار الأسد، وهو ما يجب أن يشكل أهم سمات وملامح عمل القيادات الحزبية والمنظمات الشعبية، بحيث تكرسه ثقافة ونهجا وسلوكا، ما يعني ولوج مسار تجديدي فاعل في الحياة الحزبية .