“الرابطة الأدبية” أرادت أن تخلق من الأدب عالماَ جديداَ قريباً من الحياة اليومية
تتالت ظاهرة تشكيل الروابط الأدبية، في سورية، بدءاَ من مطلع الخمسينيات (رابطة الأرض، رابطة الكتاب الشباب، رابطة وحي القلم، رابطة الأدب الجديد، جمعية الأدب العربي، رابطة الأدب السوري الجديد، أسرة الكواكبي) وجميع من دخل في هذه الجمعيات كان يعرف لغة أجنبية أو أكثر. ويقول الأديب مواهب كيالي عن هذه الروابط: “اجتمعنا فيها لأنَ استجابة حميمة جمعت بين أفرادها وربطت بين قلوبهم وربطتها حول قضية مقدسة، تستمد عناصرها من قضية بلادنا، الحرية. ومن قضية الإنسانية، السلام، فكان مولدها استجابة لا تنادياَ، استجابة لكل ما في صدور قومنا من أشواق تنضفر حول أدب قاطع في صف الشعب”.
وجاء في مجلة الأديب: “هذه رابطة الكتاب السوريين، هي الينبوع المنتظر، هؤلاء أدباء الرابطة الجديدة يتدفقون كالمجرى الأعظم على هدي وبصيرة ونور”.
وشاركت صحيفة النقاد بقسط وافر في هذا النهوض، وقد سبقت عصبة الساخرين هذه التجمعات التي تألفت في أواخر عام 1948، وقامت فكرتها على السخرية، وضمت مجموعة من الأعمال لعدد من الأعضاء، تختلف توجهاتهم الثقافية وتتنوع، وكانوا يبغون أن يوجدوا تكتلا أدبيا ما في سورية “الالتزام ليس له إلا باب الأدب” غير عابئين بأفكار العضو المنتسب ومعتقداته ومبادئه. ولم يكن للعصبة نهج ولا رسالة ولا منطق فكري، وقد ضمت عدداَ من الصحفيين أكثر من الأدباء، وضمت 12 عضوا، هم: عبد السلام العجيلي، رئيسا، وكل من عباس الحامض، نسيب الاختيار، سعيد القضماني، أحمد عسَة، عبد الرحمن أبو قوس، عبد الغني العطري، ممتاز الركابي، مواهب كيالي، حسيب كيالي، أحمد علوش، سعيد الجزائري، أعضاء.
لقد حاول هؤلاء أن يخلقوا من الأدب عالماَ جديداَ يقربه من الحياة اليومية، ويبتعد به عن الموروث الجامد القابع في بطون الأسفار والمخطوطات والكتب، ويرى عادل أبو شنب إن رابطة الكتاب السوريين لم تكن رداَ على عصبة الساخرين بصورة مباشرة، وإنما جاءت لترسم الطريق الصحيحة في الفكر والأدب.
كانت الاجتماعات التمهيدية لرابطة الكتاب السوريين تجري في منزل مواهب وحسيب كيالي، في حي السبكي بدمشق، عام 1950، وهناك جمعت ضبوط الفكرة عن تأليف رابطة أو تجمع يضم الكتاب الذين يلتقون حول فكر تقدمي، ثم حصل أول اجتماع لهذا الغرض في مطلع تموز 1951، حضره شوقي بغدادي، سعيد حورانية، مواهب وحسيب كيالي، ليان ديراني، شحادة الخوري، حنا مينة، صلاح دهني.
ثم عقدت الرابطة اجتماعات متوالية وانضم إليهم: إحسان سركيس، أنطون حمصي، نبيه عاقل، وتم اختيار اسم الرابطة لهذا التجمع، كما تم الاتفاق على وضع الخطوط الفكرية الأساسية لبيان تقرير. وتمَ تكليف كل من شوقي بغدادي وحسيب كيالي بصياغته، فأعلن مولد الرابطة ومبررات وجودها والأسس الفكرية لتوجهاتها الأدبية. وكتب البيان ودفع إلى الصحف التي نشرته، وكان ذلك في أواخر صيف 1951. واقترح حنا مينة إصدار مجموعة قصصية مشتركة، ينشر البيان مقدمة لها، وسرعان ما أعدت المجموعة، وصدرت في أواخر أيار عام 1952, ووضعت البيان في المقدمة وثماني عشرة قصة قصيرة، حملت اسم “درب إلى القمة”.
خلال الفترة ما بين تأسيس رابطة الكتاب السوريين وانعقاد مؤتمرها الأول الذي تحولت فيه إلى رابطة الكتاب العرب عام 1954 انضم إليها من سورية مجموعة من الكتاب والشعراء يقارب عددهم الثلاثين. ويجب أن نلاحظ بأن الرابطة لم تكن تنظيماَ سياسياَ أو مرتبطة بتنظيم سياسي معين، وتجمع أعضاءها وحدة الفكر والهدف، ولم تكن تتلقى أوامر أو توجيهات من حزب سياسي معين، ولكنها كانت تنظيماَ أدبياَ يستند على أهداف أعلنها الكتاب في بيانهم وهي: خدمة الأمة والالتزام في الأدب والتقدم والحرية، وكانت الأحزاب تتعاطف معهم وتتعاون، وفسر هذا على أنه ارتباط وانتماء، وعلى هذا الأساس قررت الرابطة حلَ نفسها.
أصدرت الرابطة خلال هذه الفترة، ما يزيد على عشرين كتاباَ، بين موضوع ومترجم، من قصص وشعر وروايات وأبحاث أدبية واجتماعية، كانت تحمل عنوان “كتاب الرابطة” وكان أعضاء الرابطة عندما ينشر أحدهم أي نتاج يذيل اسمه بعبارة (من رابطة الكتاب السوريين).
فيصل خرتش