دراساتصحيفة البعث

قراءة في كتاب “دولارات من أجل الحياة”

علي اليوسف

في كتابها “دولارات من أجل الحياة”، تجادل ماري زيغلر بأن الحركة المناهضة للإجهاض على مدار عقود أرست الأساس لمرشح متمرد مثل دونالد ترامب. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية كانت الاضطرابات كبيرة لدرجة أنه قد يكون من الصعب تذكر مدى غرابة الشراكة بين دونالد ترامب والمحافظين الاجتماعيين، وخاصة لجهة أنهما زوجان غريبان على مرّ العصور.

تقول المؤرخة القانونية ماري زيغلر في كتابها “دولارات من أجل الحياة”، إن بداية الدورة الانتخابية لعام 2016 كانت تثير قلق الإنجيليين. وحتى هيلاري كلينتون التي اعتبرت رئاستها المحتملة “كارثية”، كانت تعمل على ما تسميه زيغلر “أكثر منصة مؤيدة للاختيار في التاريخ”، بأنه هل يمكن أن يتحوّل “قطب عقارات كريه الفم” إلى “المنقذ الذي كانوا يبحثون عنه”؟.

نوعاً ما، كما تقول زيغلر، مؤلفة العديد من الكتب حول تاريخ الإجهاض في الولايات المتحدة، على الرغم من أن حجتها في “دولارات من أجل الحياة” تسير في الغالب في الاتجاه الآخر، فقد وضعت الحركة المناهضة للإجهاض على مدار عقود الأساس لمرشح متمرد مثل ترامب. وقد تمّ تحقيق الكثير من هذا من خلال تخفيف قيود تمويل الحملات، أو تغيير طريقة عمل الأموال في الحملات السياسية الأمريكية. بينما جادل التقدميون منذ فترة طويلة بأن السماح بتدفق المزيد من الأموال إلى السياسة يمكّن الأثرياء من تجاهل إرادة الشعب، وهنا توضح زيغلر أن آثارها كانت أكثر “غموضاً” من ذلك. نعم، كما تقول، عمل المليارديرات مثل تشارلز وديفيد كوخ لتحرير تمويل الحملات الانتخابية، لكن الصناعة الكبيرة لم تكن المستفيد الوحيد، وقد أدرك بعض أعضاء الحركة المناهضة للإجهاض أن إلغاء التنظيم يمكن أن يساعد الغرباء الشعبويين على “تحطيم الحركة الشعبية التقليدية” عبر تحريك المال بطرق غامضة. وكما تقول، لم تكن قيادات الحركة المناهضة للإجهاض دائماً ملتزمة بقضية مناهضة الإجهاض. تشير زيغلر في كتابها إلى أن الجمهوريين في أواخر الستينيات كانوا في الواقع أكثر ميلاً إلى تفضيل إلغاء قوانين الإجهاض الإجرامية مقارنة بالديمقراطيين. حتى عندما حاول السياسيون الجمهوريون تهدئة الجناح المضطرب المناهض للإجهاض في حزبهم، كان بإمكانهم الاعتماد على قيود تمويل الحملات الانتخابية.

تعقيب

في كلّ عام، تصل المحكمة العليا إلى أكثر من مائة قرار تؤثر على حياة الأمريكيين، لكن القليل منها كان مثيراً للجدل مثل قرار “رو ضد وايد” الذي تمّ الإعلان عنه في 22 كانون الثاني 1973. وتتعلق القضية بحق المرأة في طلب الإجهاض، التي تمّ حظرها إلى حدّ كبير بموجب قانون ولاية تكساس، حيث نشأت القضية في عام 1970. ومع قدوم جو بايدن إلى البيت الأبيض أثارت تسريبات تشير إلى أن المحكمة الأمريكية العليا قد تلغي قرار عام 1973 احتجاجات من قبل مؤيدي حق المرأة في الاختيار وأولئك المعادين لحق الاجهاض، أو من يعرفون بـ”مؤيدي الحياة”.

القراءة

ينطلق كتاب “دولارات من أجل الحياة” من السنوات التي سبقت قضية “رو ضد وايد”، والتي حاول سماسرة السلطة في الحزب الجمهوري استخدامها لمصلحتهم. وتقول زيغلر في كتابها إن السيطرة على المحكمة العليا حفزت الناخبين المحافظين، بينما كان الجمهوريون العاديون خائفين من أن ينقلب “رو”. تقول زيغلر إن “رو” كان “درعهم”، ولهذا طالب النشطاء المناهضون للإجهاض السياسيين الجمهوريين، المنشغلين بالاحتمالات الانتخابية، باتباع أجندة أكثر راديكالية مما يريده الناخبون الأمريكيون. لقد خسر بوش عام 1992 أمام بيل كلينتون، الذي وضع حقوق الإجهاض في مقدمة برنامجه، وبدا أن القادة الجمهوريين “يريدون إزالة القضية”، لكن المواطنين مثل “جيمس بوب الابن” لم يكونوا على وشك ترك ذلك يحدث، كان “بوب” شخصية محورية في كتاب زيغلر، وكان يبلغ من العمر 24 عاماً، وكان جمهورياً مصمّماً على مناهضة الإجهاض منذ ذلك الحين، لكنه رسم علاقة مباشرة بين المال والكلام، ملاحظاً أنه حتى سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض لم تُترجم إلى نوع نظام مناهضة الإجهاض الذي أراد رؤيته.

تقول زيغلر في كتابها: “كان يعتقد أن القيود المفروضة على إنفاق الحكومة الكبيرة المتميزة على حساب الحرية، تحمي شاغلي المناصب من الحركات الشعبية، وتجعل من الصعب على المنظمات المناصرة العمل، لكن المزيد من المال يعني المزيد من النفوذ. إذا كان الجمهوريون المؤسّسون يتقلبون بشأن الإجهاض كقضية، معتقدين أنه من الآمن من الناحية الانتخابية التعامل مع المركز، فقد قرّر بوب أن تدفق الأموال التي جمعتها الحركة المناهضة للإجهاض سيقنعهم بخلاف ذلك”.

قصة زوال المؤسسة الجمهورية

في كتابها الجديد “دولارات من أجل الحياة: الحركة المناهضة للإجهاض وسقوط المؤسّسة الجمهورية”، ينتاب القارئ شعور أن زيغلر تقرأ التاريخ إلى الوراء وإلى الأمام، وتأخذ القليل من الجرأة للمساعدة في إنهاء الإجهاض في أمريكا، وبالتالي ما يجعل كتابها رصيناً لا جدال فيه. وهي تستند في ذلك إلى أنه حتى لو تمّ رفض المحافظين الاجتماعيين الإجهاض مثل “بوب” في البداية بسبب تصرفات ترامب الغريبة، لكن سرعان ما أدركوا أن ضعفه في الحزب الجمهوري قد يكون لمصلحتهم. كان ترامب منعزلاً وغير شعبي، وكان يعتمد على دعم الحركة المناهضة للإجهاض، وكان دائماً متناغماً مع الحفاظ على نفسه، وقد تصرف وفقاً لذلك، وهنا تقول زيغلر: “لقد تجاوز ما كان متوقعاً في العادة من رئيس مؤيد للحياة”.

كما تقرّ زيغلر بعدد من القوى التي ساهمت في صعود ترامب كالحزبية السلبية، على سبيل المثال، وانتشار وسائل الإعلام المحافظة، لكنها تشير إلى أن المال لعب دوراً رئيسياً في هذه السياسة الجديدة، حيث قامت مجموعات خارجية بتكديس صناديق آلة حرب هائلة لتمويل المرشحين الذين يمكن الاعتماد عليهم لتعزيز مصالح هذه الجماعات بدلاً من الاستسلام للضغوط المعتدلة للحزب الجمهوري، وتؤكد أن صعود ترامب والمرشحين أمثاله هو قصة زوال المؤسّسة الجمهورية.

تُظهر زيغلر أن الحركة المناهضة للإجهاض تحوّلت إلى التدريجية من الناحية الإستراتيجية، واكتفت بالثغرات الواقعية المؤقتة فقط، سعياً وراء هدف أوسع بكثير. هنا تقول: “أي شيء أقل من حظر الإجهاض على الصعيد الوطني لن يرضيهم”. بمعنى آخر “دولارات من أجل الحياة” علّم اليمين الديني درساً مفيداً، وإن كان مدنساً، وهو أنك “تحصل على ما تدفع مقابله”.