صحيفة البعث في عيدها الـ76.. دفاع عن حقوق سورية والأمة العربية
د. معن منيف سليمان
لعبت صحيفة البعث منذ صدورها الأول، في الثالث من تموز عام 1946، دوراً أساسياً في الدفاع عن حقوق الأمة العربية وقضاياها الكبرى، وإظهار الحقيقة التي برعت وسائل الإعلام المعادية في طمس بعض جوانبها، كما أسهمت الصحيفة في نشر الوعي بقضايا العرب والدعوة إلى إحياء الروح القومية العربية بمفهومها الحضاري بين أبناء الأمة، فكانت الصوت الأقوى في الساحة العربية، لأنها مثّلت تطلعات أوسع للجماهير في رفض الواقع ورسم آفاق المستقبل العربي الجديد.
واكبت “البعث” منذ اللحظة الأولى ما يلمّ بالأمة من أحداث، وما يواجهها من تحديات، فوقفت بالمرصاد للمخططات الاستعمارية والأحلاف المشبوهة، كاشفةً كل خفايا التآمر لتكريس مصالح الاستعمار وعملائه، وعكست في مقالاتها وتعليقاتها مواقف الحزب الداعمة لنضال الشعوب والحركات التحررية والوطنية في بقاع العالم عامة، والوطن العربي خاصة.
وتجلّت قوة “البعث” في ابتعادها عن الحزبية الضيّقة، ومحاربتها للنزعات الإقليمية والقطرية، وفي التصاقها بالقضايا القومية، ومحاكاتها لهموم الإنسان العربي وطموحاته في بناء المجتمع العربي الموحد الذي تسوده العدالة، وكانت المدافع عن قضايا الإنسان وقضايا الشعوب في كل مكان، كما حافظت على الدوام على قدسية الكلمة وشرف الحقيقة، وترفّعت بشكلها ومضمونها عن صغائر الأمور وسفاسفها، ونالت بذلك مكانة محترمة ومرموقة لدى القارئ، وذاع صيتها في الأوساط الصحفية والإعلامية.
كانت المرحلة التي سبقت المؤتمر التأسيسي للحزب، والتي بدأت منذ عام 1940، مرحلة مخاض ونضال مكثف، وكان الحزب في أعوامه بين 1943– 1945، يعتمد إصدار البيانات السياسية وإصدار الكراسات في نشر أفكاره، فقد جاء في افتتاحية العدد الأول تحت عنوان “بذور البعث”: “لقد حيل بين البعث العربي وبين حقه في إصدار صحيفة تنطق باسمه مدة ثلاث سنوات كاملة، وها هو يصدر صحيفة “البعث” بعد أن أصرّت الحكومة على ألا تُسمّى “البعث العربي”، وهكذا حقق الحزب انتصاراً داخلياً كبيراً، حيث أتيح له الاتصال بالجماهير على نطاق أوسع وأكثر تنظيماً”.
من هنا كان صدور صحيفة البعث عام 1946، نقلة نوعية وحدثاً مهماً في مسيرة البعث، إذ أصبح للحزب منبره وصوته المدوي، وبدأ من خلال الصحيفة نشر أفكاره ومواقفه، وبذلك شغلت صحيفة البعث دوراً كبيراً في التهيئة للمؤتمر التأسيسي الأول الذي كان نهاية لمرحلة النشوء والتأسيس، وبداية لمرحلة الانطلاق.
ومنذ انطلاقتها رفعت “البعث” شعارات البعث التي نادى بها، الوحدة والحرية والاشتراكية، فوقفت في مواجهة جميع المحاولات الشوفينية والإقليمية والرجعية، كما أكدت على وجوب تحرّر الفرد العربي والمجتمع العربي من رواسب الاستعمار، ومن الخمول والظلم والإذلال والجهل والجوع والمرض، وضرورة وضعه في المكان اللائق، وعملت على طرح أفكار الحزب الذي نادى بوجود اشتراكية قومية ديمقراطية في الوطن العربي بعيدة عن أوجه التسلّط الخارجي، وربط الاشتراكية بالوحدة والديمقراطية والحرية، وحققت بذلك كسباً إنسانياً وفكرياً وقومياً كبيراً.
لقد كانت الصحيفة منذ البدايات منبراً لطرح مثل هذه الأفكار على الجماهير العربية، متبنية قضاياها، حيث دافعت صحيفة البعث عن قضية فلسطين، معتبرة أنها قضية العرب الأولى، فاضحة مشروع التقسيم داعية إلى التطوع للقتال في فلسطين عام 1948، ونشرت التحقيقات عن حرب 1948، وتخاذل الحكومات العربية آنذاك، فعُطّلت الصحيفة في عهد حسني الزعيم، وعادت إلى الظهور بعد سقوطه.
وفي عام 1950– 1951، فضحت المشاريع الاستعمارية ضد استقلال سورية، وناضلت من أجل وضع دستور جديد للبلاد يعكس إرادة الشعب العربي في سورية، كما حاربت الشركات الاستعمارية ودعت إلى تأميم الريجي “إدارة حصر التبغ والتنباك”، ودعت إلى تأميم جميع المصالح الأجنبية في سورية، كمؤسسة الكهرباء والسكك الحديدية، وقد توقفت عن الصدور في ظل ديكتاتورية أديب الشيشكلي بين 1952- 1954، وعادت إلى الظهور بصورة منتظمة في نيسان 1956.
دافعت الصحيفة عن ثورة الجزائر، ودعت إلى وحدة سورية ومصر منذ عام 1956، وحاربت حلف بغداد والمؤامرات على سورية والعدوان الثلاثي على مصر ومشروع أيزنهاور.
وبعد إجهاض تجربة الوحدة عام 1961، قاومت الانفصال بضراوة داعية إلى إعادة الوحدة على أسس جديدة، ولذلك، لا غرابة إن تعرضت للمصادرة مرات عديدة، قبل أن تستقر أوضاعها بعد ثورة الثامن من آذار عام 1963، كمؤسسة صحفية متكاملة.
وفي 9/11/1969، صدر المرسوم 273 الذي نصّ على إحداث “دار البعث للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع”، وسُجلت ملكيتها باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، بادئة مرحلة جديدة في عملها الإعلامي، أخذت أبعادها بعد قيام الحركة التصحيحية. وفي عام 1971، قدم اتحاد الصحفيين العالمي لصحيفة البعث ميدالية ذهبية وشهادة تقدير، بسبب “التزام الجريدة بقضايا الجماهير ووقوفها المشرف إلى جانب قضايا التحرير العالمية”.
ومن المحطات المهمة في تاريخ صحيفة “البعث”، إرساء القائد المؤسّس حافظ الأسد يوم السابع من نيسان عام 1975، وفي الذكرى الثامنة والعشرين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، حجر الأساس لبناء “دار البعث”، وقد أدلى القائد المؤسّس بمناسبة تدشين المبنى الجديد لدار البعث بتصريح جاء فيه: “… في مثل هذا اليوم يستعيد المرء صوراً ومشاعر من الماضي، وفي مثل هذا اليوم يتطلع المرء إلى المستقبل بتفاؤل.. جئت اليوم لكي أدشّن هذا المشروع، مشروع دار البعث، وفي ذهني ما يرمز إليه هذا البناء، وما ترمز إليه هذه المطبعة، وما ترمز إليه جريدة حزب البعث العربي الاشتراكي.. هذه الجريدة التي نشأت في ظروف مظلمة، وكان لها دور بمن عملوا فيها، بمن كتبوا فيها، بمن ساهموا في طباعتها وتوزيعها، وكما قلت في الظروف المختلفة التي تعرّضت لها بلادنا، هذه المعاني الكبيرة التي يحملها هذا اليوم والتي يشير إليها مجيئنا اليوم إلى هذا المكان، والتي يشير إليها تدشين هذا البناء وتدشين هذه المطبعة، وتشير إليها جريدة البعث العربي الاشتراكي.. هذه المعاني، كما كانت في الماضي، تشدنا إلى العمل، وتحفزنا على العمل، وتجعلنا نصمّم على بناء المستقبل بناءً مشرقاً”.
وبتدشين القائد المؤسّس حافظ الأسد لمبنى دار البعث عام 1980، بدا واضحاً أن حلماً كبيراً قد تحقق في سعيها لأداء رسالتها، وتفخر صحيفة “البعث” وتعتز بالافتتاحيتين اللتين خصّ بهما القائد المؤسّس صحيفة البعث، وكانت أولاهما في الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في 7 نيسان من عام 1972، فيما كانت الثانية في السابع من نيسان من عام 1997، في الذكرى الخمسين لتأسيس الحزب.
يقول القائد المؤسّس حافظ الأسد في افتتاحية البعث التي كتبها ونُشرت يوم 7/4/1972: “مما لا شك فيه أن صحيفة البعث الناطقة بلسان الحزب، قد أدّت منذ أن كانت نشرة سرية يتداولها المناضلون والمواطنون في الخفاء، ثم بعد صدورها رسمياً في تموز عام 1946، دوراً كبيراً، ولا تزال، في نشر الوعي القومي الاشتراكي”.
واليوم تقف البعث معلماً بارزاً في الساحة الإعلامية والثقافية العربية، بما تنهض به من دور وما تقوم به من مهام، فهي تصدر العديد من المطبوعات التي تجذّر الوعي وتُغني الفكر والثقافة في الوطن العربي، وفيها تُطبع صحف المنظمات والنقابات، كما تُطبع فيها العديد من صحف أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، والكثير من المستلزمات الورقية للقطاع العام وللقطاعين المشترك والخاص، ناهيك عن الكتب والمنشورات الحزبية والرسمية، إضافة لملايين النسخ من الكتب المدرسية، بأحدث المواصفات الطباعية، بما تملكه من آلات طباعة حديثة، وحواسيب وأجهزة تنضيد وإخراج متطورة، وبما لديها من كوادر مدرّبة على مواكبة أحدث المستجدات في عالم الطباعة.
“البعث” بعد أن أنهت مشروعها الجديد في إنشاء قاعة تحريرها الجديدة، باشرت بالقيام بقفزة جديدة، تطويراً لأدائها ليواكب المتغيرات والإيقاع المتسارع الذي فرضته ثورة المعلومات والاتصالات، بما حملته من تنافسية شديدة يفرضها التطور المتصاعد للإعلام الذي بات سمة العصر، والذي يتجسّد في الصحافة الإلكترونية والفضائيات واسعة الانتشار، إضافة إلى التطور الهائل في الصحافة المكتوبة، مدركة حجم المسؤولية التي تحملها، وعبء النهوض برسالة ارتضتها لنفسها منذ لحظة ولادتها، وهي مصرّة على حمل مشعل الأمل الذي ينير الطريق لغدٍ عربي مشرق، انطلاقاً من إدراك العاملين فيها أن الإعلام وسيلة ناجعة في تطوير المجتمع وتغييره نحو الأفضل.