الملء الثالث لسد النهضة.. تعنت إثيوبي واحتقان مصري سوداني
رغد خضور
خلافاً لما أعلنته إثيوبيا عن أن موعد الملء الثالث لسد النهضة سيكون خلال شهر آب أو أيلول المقبلين، بدأت أديس أبابا التجهيز لهذه العملية، لتنطلق بها الأسبوع المقبل، وسط تعنّت إثيوبي في هذا الملف، ونبرة هجومية في خطابها الموجّه لدولتي المصب، وإصرار على المضي بهذا المشروع بغض النظر عن نتائجه.
وتمهيداً للخطوة الثالثة من الملء، عملت إثيوبيا على تعلية الممر الأوسط لسد النهضة، في محاولة لزيادة سعة تخزين بحيرة السد لعلها تصل إلى منسوب العام الماضي، بإجمالي 8 مليارات متر مكعب، إذ تسعى أديس أبابا لتخزين 3- 5 مليارات متر مكعب من المياه خلال فترة الفيضان، وتطمع للوصول إلى 10 مليارات متر مكعب هذا العام لتعويض الكميات التي فشلت في تحقيقها خلال الملء الأول والثاني، الأمر الذي يثير العديد من التحفظات حول هذا المشروع وتبعاته المحتملة على دول المصب، التي بدأت تلمس الآثار المدمرة له منذ الملء الأول.
الجديد في هذه الخطوة، التصريحات التي صدرت من مدير السد، كيفيلي هورو، التي حملت إقراراً “بسيطاً” بتأثير عملية الملء على دول المصب، وأن الضرر لن يكون حقيقياً، وهنا يمكن أن نذكّر المسؤول الإثيوبي بـ”الأضرار الحقيقية” التي لحقت بدولتي المصب جراء إجراءات بلاده الأحادية ورفضها التوصل إلى اتفاق حول قواعد التشغيل وخروجها من المفاوضات واستمرارها بعمليات الملء رغم كلّ الضغوطات الدولية والإقليمية، وهذا التصريح اعتبره مسؤولو البلدين بأنه مراوغة إثيوبية في قضية حساسة تمسّ حياة الملايين من المواطنين في كلا البلدين، وتكشف عن نية أديس أبابا بعدم التنازل فيما يتعلق بمسألة إدارة السد.
وعلى مدار الأيام الماضية، كانت الأجواء المتوترة هي المسيطرة على مسار الأحداث، حيث ندّدت مصر والسودان بهذه الخطوة والتجاهل الإثيوبي لمواقفهما تجاه هذه القضية، رغم أن اللهجة المصرية كانت ضعيفة، هذه المرة، بعكس المرات السابقة، ويمكن إرجاع ذلك إلى الوفود الدولية التي زارت القاهرة والمحاولات من قبل دول عديدة للتوصل مع السلطات المصرية إلى حلّ مرضٍ لكلّ الأطراف، بعد توقف المفاوضات بين الدول الثلاث، في نيسان من العام الماضي.
ومع توقف المفاوضات، تتمسك إثيوبيا بموقفها، وتسعى بشتى الوسائل لحرف الأنظار عن جوهر القضية، بحجة أن ما تقوم به هو حق مشروع لها في تطوير اقتصادها والحصول على الطاقة، وادعائها بأن الأطراف الأخرى تحاول منعها من استخدام مواردها، دون أن تلقى بالاً لما خلفته قراراتها وبياناتها المغلوطة التي أعلنت عنها لدول المصب خلال عمليات الملء الأول والثاني، وعدم التنسيق معها، من كوارث لحقت بالقطاع الزراعي والبنى التحتية في كلا البلدين.
وفي خضم هذه المشاحنات، أظهرت صور للأقمار الصناعية، نشرها أستاذ في جامعة أخن الألمانية، وجود تشققات في الواجهة الخرسانية لسد السراج، السد المساعد أو المكمل لمشروع النهضة، ما يُشكك بقدرة هذا السد على حجز (50) مليار متر مكعب في حال ثبتت فرضية انهيار السد، وما يترتب على ذلك من تأثيرات على دول المصب في حال حدوثه، وعليه فإن إثيوبيا والشركة المنفذة للمشروع مطالبة بتقديم الدراسات الفنية التي تؤكد سلامة السد وتقديم تبرير وشرح فوري لهذه التشققات. لكن عدم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد التشغيل، هو ما يثير المخاوف المصرية السودانية، أكثر من عملية الملء ومدته، فهذه المسألة في غاية الحساسية كونها تجعل من أديس أبابا هي صاحبة القرار في فتح وإغلاق ممرات السد، والمتحكم الوحيد في النيل، المصدر الرئيسي للمياه في مصر والسودان، وما يتبعه من زراعات وصناعات مرتبطة بذلك.