بلد الينابيع عطشى.. عشرات القرى في طرطوس بلا مياه لأيام وأسابيع والمعنيون يستهجنون!!
قرى عديدة في محافظة طرطوس تعيش معاناة حقيقية مع العطش في بداية كل موسم صيفي، ورغم غناها بالعديد من الينابيع وهدر مياهها بغزارة على الطرقات والأراضي الزراعية في فصل الشتاء، لم تفلح الدراسات والاجتماعات والخطط بإيصالها لمنازل السكان العطشى في ظل قلة عدد ساعات الضخ، وما يرتبط بها من ضعف في التغذية الكهربائية ونقص المحروقات، الأمر الذي يرتب على المواطنين أعباء مالية إضافية واضطرارهم لشراء صهاريج المياه للشرب وللاستخدامات المنزلية وبأسعار مرتفعة!.
لا وجود لشبكة مياه
“البعث” وفي جولة طويلة استقصت من السكان أحوال القرى العطشى، والبداية كانت من ريف منطقة بانياس، حيث يوجد /30/ منزلاً في قرية الغنصلة يعانون قلة المياه صيفاً، فالقرية، ووفق ما أفاد الأهالي، منطقة توسع جديدة لا تحوي شبكة مياه شرب لتاريخه، علماً أنه تمّ إعداد دراسة للحي وإقرار تخديمه بشبكة مياه، ويتغلب الأهالي على تلك المشكلة بشراء المياه بأسعار تبدأ من ٣٥ ألفاً وتصل حدّ الخمسين ألفاً!.
مرة كل ٢٥ يوماً
وشكا أهالي القرى التي تروى من مشروع “نعمو الجرد” من الانقطاع الطويل للمياه والتي تصلهم كل ٢٥ يوماً، يكون نصيب كل حارة ساعة ضخ لا غير، وأشاروا إلى أنه عرضة للتعديات والسرقات، وأن الجهات المعنية ربطت قلة المياه بمشكلة انقطاع الكهرباء ما يسبّب قلة عدد ساعات الضخ، واستجابة لنداءاتهم “المتكررة” فقد تم مدّ خط كهرباء مباشر من محطة كهرباء العنازة لاستمرارية التغذية لكن لم تحل المشكلة!.
محسوبيات واضحة!
كما أن المياه التي يشتريها السكان من مؤسسة مياه بانياس أسعارها مرتفعة، إذ تصل تكلفة صهريج مياه الشرب سعة ٢٦ برميلاً إلى عشرين ألف ليرة، بعد أن يسجل الأهالي لدى المؤسسة للحصول على نقلة واحدة لكل قرية، والمفارقة أنهم يسجلون عليها في آخر الشتاء ليحصلوا عليها مع بداية الموسم المطري، علماً أن مؤسسة مياه بانياس عاجزة عن تلبية الطلبات بإمكانياتها المحدودة، حسب الأهالي الذين أشاروا إلى موضوع المحسوبيات لدى المؤسسة، ومشكلة المحروقات ووجود آليات قديمة يصعب عليها سلوك طرقات الريف الجبلية القاسية، وهنا يطالب سكان “حي رأس العين” بقرية الغنصلة بتخديمهم بشبكة مياه أو منحهم الأولوية بتخديمهم بالصهاريج ريثما تحلّ المشكلة.
وأشار الأهالي في شكواهم إلى أن نبع السن من أقرب موارد مياه الشرب لكامل ريف بانياس، لكن وللأسف تذهب مياهه للبحر بدلاً من أن تذهب للعطشى وتحرم ميزانية الدولة من الاستفادة من دخل كبير بسبب سوء التخطيط.
انتظار الدور
وبالانتقال إلى واقع المياه في منطقة القدموس، نجد أنها ليست أفضل حالاً، حيث تعاني قراها الواقعة في الجهتين الشمالية والجنوبية مثل بسقاية والشعرة والمشيرفة ونعنو والمقرمدة وخربة عامودي، وجرد القدموس “الأشد عطشاً” من قلة المياه، وكذلك قرى الحاطرية والطواحين وشمسين ورام ترزة وحدادة وبدوقة ودير الجرد والنواطيف والدي، وبلوسين وعين قضيب الواقعة في الشرق، كما تعاني بعض القرى الشمالية من العطش كقرى العليقة وجارة الوادي وكعبية عمار، علماً أن بعض تلك القرى فيها عيون ماء لكنها شحيحة ويقف عليها الناس بالدور وبعضهم يضطر للسهر ليلاً أمام مناهل المياه ليحظوا بماء يسدّ رمقهم!!.
المعاناة واحدة
ويتشارك أهالي ريفي الدريكيش وصافيتا معاناة العطش مع سكان أرياف مناطق المحافظة، رغم وجود سد الدريكيش المخصّص لمياه الشرب، لكن للأسف أغلب القرى عطشى كالرجام وفتاح نصار التي لا تصلهم المياه إلا كل ١٢ يوماً وهي التي تقبع بجوار نبع الغمقة، وتجلت مطالب أهالي القرى بفتح آبار لتعويض نقص المياه، وإعفاء مشروع ضخ شباط من التقنين الكهربائي لتأمين استمرارية الضخ وري القرى التابعة له، وإقامة قناة لجر مياه سد الدريكيش إلى العوجة، وفي كل القرى التي تعاني من العطش كان هناك مطالبة بعدالة توزيع المياه.
خارج التغطية!
أسباب عطش العديد من القرى في المحافظة وبعض الأحياء داخل المناطق، بقيت دون إجابة لدى المؤسسة العامة لمياه الشرب، علماً أن كتابنا المرسل بتاريخ ١٣/ ٦/ ٢٠٢٢ تخلله عدة اتصالات مع مدير عام المؤسسة وانتظار دون جدوى!، وما يثير الغرابة أنه استهجن وجود قرى عطشى وكأن الأمور في أحسن حال!.
مدير الموارد المائية بطرطوس “تكليفاً” المهندس محمد محرز أشار لـ”البعث” إلى أن طرطوس تتمتّع بمعدل هاطل مطري جيد يتراوح بين ٨٠٠ – ١٢٥٠ مم سنوياً، مما يشكل وارداً مائياً للمياه السطحية والجوفية، ويغطي الطلب المتزايد على استخدامات المياه لكافة الأغراض (زراعية- شرب- صناعة – سياحة) في حال إمكانية رفع نسب الاستفادة، وذكر محرز أن نسبة الهطول المطري لهذا الموسم بلغت نحو ٩١% من المعدل العام للهطول المطري، موضحاً أن في المحافظة سدين منفذين لأغراض الشرب هما الصوراني والدريكيش.
مشاريع حصاد المياه
ورداً على سؤالنا حول كيفية الاستفادة من مياه الأمطار في ظل تردي الواقع المائي بالعديد من القرى، أوضح محرز أن المديرية تعمل على إقامة أكبر عدد ممكن من مشاريع تجميع المياه السطحية من سدود وسدات مائية وخزانات ورامات على مجاري المسيلات وخاصة في المناطق الجبلية العطشى، إضافة إلى إعادة تأهيل وتوسيع بعض السدات القائمة، وذلك بالتنسيق مع مديرية الزراعة والبلديات المعنية، مبيناً وجود مشاريع حصاد المياه في المحافظة كمشروع سد الشهيد باسل الأسد على نهر الأبرش بتخزين ١٠٣،١٦ ملايين م٣ لري ٨٥٠٠ هكتار من سهل عكار، ومشروع ري سد خليفة بتخزين ٣ ملايين م٣ لري ٦٢٦ هكتاراً من سهل عكار، وسد الصوراني لتخزين ٤،٥ ملايين م٣ مخصص لأغراض الشرب، وسدة البيرة لتخزين ١٠٠ ألف م٣ مخصصة لري ٣٠٠ دونم وهي قيد الاستثمار من المجتمع المحلي.
تنفيذ وفق الإمكانات
وبيّن محرز أن المديرية قامت بتنفيذ وتأهيل مجموعة من الرامات، حيث بلغ عدد المنفذ والمستثمر منها ٣٣ رامة بتخزين إجمالي /٥٥٠٠٠/ م٣، كما أن هناك بعض مشاريع حصاد المياه قيد التنفيذ كسد الشهيد أحمد الخطيب في الدريكيش بتخزين ٦ ملايين م٣، وسد البلوطة بتخزين ٢،٥ مليون م٣ لأغراض الشرب وري ١٠٠ هكتار خلفه، وسدة عين دليمة بتخزين ٢٥٢ ألف م٣ لري ١٥٠ دونماً، وسدة بمنة بتخزين ١٢٠ ألف م٣ لري ١٠٠ دونم، وتنفيذ خزان رام ترزة بتخزين ١٦٠٠٠ م٣، وتنفيذ خزان الطواحين- البرطاش بتخزين ٢١٠٠٠ م٣.
وذكر المدير أن هناك عدة دراسات جاهزة للتنفيذ كسد مرقية، وسدتي خربة مكار وشرق قنية في القدموس، وفي النيحة التابعة للشيخ بدر، وفي قرية الدردارة التابعة لعنازة بانياس بكلفة إجمالية تتجاوز ٣ مليارات ليرة سورية، حيث أدرجت هذه الخزانات في خطط المديرية المستقبلية لتنفيذها وفق الإمكانات المتاحة. وفيما يتعلق بمياه نبع السن بيّن محرز أن مياهه مستثمرة للشرب لمحافظتي اللاذقية وطرطوس، وهناك كميات قليلة جداً منه لا يمكن التحكم بها تم تجميعها بأحواض خلف بحيرة التخزين واستثمار ما يمكن منها، أما الينابيع ذات الغزارات الصغيرة فهي مستثمرة من قبل المجتمع المحلي لأغراض السقاية، وفي هذا الإطار قامت مديرية الموارد المائية بتأهيل مجموعة منها لخدمة المجتمع المحلي، كما أن هناك دراسات جاهزة لمجموعة من السواقي في قرى الجرينات والحويزية وكفر صنيف وحكر كابر والكفرون وعين الباردة بقيمة تقديرية نحو ٦٠٠ مليون ليرة.
كلنا أمل ألاّ يطول زمن تنفيذ المشاريع المائية، فليس مقبولاً أن تهدر المياه العذبة في الأنهار والبحر، وهناك عشرات القرى عطشى وهي التي تقع بجوار الينابيع!!.
طرطوس- دارين حسن