دراساتصحيفة البعث

واشنطن تغرق العالم في الفوضى

عناية ناصر

يعترف الساسة الأمريكيون صراحةً أن الولايات المتحدة تفقد نفوذها على المسرح العالمي، ووفقاً لاستطلاع جديد أجراه مركز “بيو” للأبحاث، وقامت صحيفة “واشنطن تايمز” بنشر نتائجه، كان الرأي السائد بين المواطنين الأمريكيين أن أمريكا بالتأكيد خاسرة في السباق مع الصين “الصاعدة”. وفي السياق نفسه، تعترف العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والغربية بالفشل الواضح لسياسة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا والعالم بأسره، إذ أنها لم تؤدِ إلا إلى انهيار وتراجع الاقتصاد الأمريكي والغربي ككل.

فقد أدّت سياسة العقوبات التي فرضتها واشنطن فيما يتعلق بإمدادات الطاقة من روسيا إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعارها العالمية، ما أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار الكهرباء، والعديد من السلع في الولايات المتحدة والعالم بأسره، إذ تجاوزت تكلفة الكهرباء المطلوبة لصيانة أعمال المنشآت الاقتصادية أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط قيمتها الاعتيادية خلال فترة قصيرة جداً حتى في الولايات المتحدة الأمريكية. نتيجة لذلك، تضطر الشركات في جميع أنحاء البلاد إلى الإغلاق، وعلى سبيل المثال، أوقفت شركة “سنشري ألومنيوم” وهي أكبر شركة لتصنيع الألمنيوم من الدرجة العسكرية في أمريكا الشمالية، أعمال مصنعها للصهر في كنتاكي في 27 حزيران الماضي، وتتوقع الشركة أن المصنع قد يظل متوقفاً عن العمل لمدة تصل إلى عام واحد في انتظار لعودة أسعار الطاقة إلى مستوى أدنى.

وبالإشارة إلى البحث الذي أجرته جمعية الاقتصاد البافاري، سيؤدي إيقاف إمدادات الغاز الروسي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بنسبة 12.5٪ وإلغاء 5.6 ملايين وظيفة.

لاحظ الغرب، من خلال محاولته خنق موسكو بالعقوبات، أن أسعار النفط ارتفعت بشدة ووجدت روسيا مشترين جدداً، وفقاً لما أشارت إليه “صحيفة نيويورك تايمز”، حيث كسبت موسكو من بيع الوقود أكثر مما كانت تكسبه قبل بدء الصراع، في حين أن تأثير القيود والعقوبات المفروضة على روسيا ارتدّ على الغرب. فقد أعلن السياسيون وممثلو مجتمع الأعمال في العديد من البلدان بصوت قويّ أن الولايات المتحدة وأوروبا متفقتان على قتل صناعاتهما من خلال فرض عقوبات جديدة ضد روسيا، والإبقاء على العقوبات السابقة. وفي هذا السياق حثّ ماريو دراجي، رئيس مجلس الوزراء الإيطالي شركاءه الغربيين على وقف العقوبات على روسيا، لأنها ستؤثر في المقام الأول على الأوروبيين. كما حثّت ماجدالينا مارتولو بلوتشر، عضو في حزب الشعب السويسري وسيدة الأعمال، على إنهاء سياسة الحصار والمقاطعة والعقوبات ضد روسيا.

لقد أدّى التضخم، وارتفاع أسعار البنزين والمنتجات الغذائية، وانحدار الأسواق المالية، والسياسة المدمرة، والاقتراب من الركود إلى القلق في كل مكان، ولاسيما في الولايات المتحدة، حيث أظهر استطلاعان حديثان للرأي أجرتهما مؤسسة “غالوب” انهيار المبادئ الأساسية التي تشكّل الأساس لمجتمع مستقر ومستدام، وانهيار القيم الأخلاقية الأمريكية. فالأشياء التي كان يطرحها البيت الأبيض على أنها سيئة وغير أخلاقية هي الآن أشياء عظيمة ويجب ألا تتجرأ أية مؤسّسات على قول عكس ذلك، وتلك هي جذور عمليات إطلاق النار الجماعي في المدارس الأمريكية، والأماكن العامة الأخرى التي تحدث في وضح النهار.

تتجاهل النخب الأمريكية حقيقة أن اللا أخلاقية مع الديون الكبيرة هي التي أدّت إلى تدمير العديد من الدول الكبرى، وهذا ما تندفع نحوه الولايات المتحدة. وفي هذا الخصوص، قال رجل الدين المعروف باسم “راعي أمريكا” بيلي غراهام، والذي كانت مواعظه تبثّ عبر محطات التلفزة و أكسبته شهرة كبيرة: “إن أمريكا ليست على مفترق طرق، لقد اجتزنا بالفعل مفترق الطرق.. لقد قطعت أمريكا شوطاً طويلاً في الطريق الخطأ. يجب أن نستدير ونعود ونغيّر الطرق”.

وبدلاً من ذلك، وبالاعتماد على توصيات الأيديولوجيين الساعين للانتقام، لا تزال واشنطن تغذي التدمير الذاتي، وتجرّ العالم إلى سباق التسلح، وتشكيل تكتلات عسكرية جديدة، وتنسى بوضوح وجود القنوات والسبل الدبلوماسية لتسوية أية قضايا خلافية ناشئة، وعدم الشعور بالخجل بالقيام بمواجهة عسكرية مع “دول غير مرغوب فيها بالنسبة للبيت الأبيض”.

وكما يبدو من وثائق الناتو في قمة الحلف في مدريد، بلغ إجمالي القوة البشرية لجميع المجموعات الثماني في الحلف بالقرب من الحدود مع روسيا، في الوقت الحالي، 9641 فرداً. ومع ذلك يعتزم الناتو، بناءً على اقتراح واشنطن، زيادة عدد القوات التابعة له بشكل أكبر من 40 إلى 300 ألف جندي بالقرب من الحدود الروسية، وتوسيع وجوده في أوروبا، مما سيتسبّب في زيادة توتر علاقات الغرب مع موسكو، والتي تبدو أنها في حالة المواجهة.

في غضون ذلك، يتخذ توسع الناتو في الشرق الأقصى شكل مواجهة مع الصين، حيث اعتبر المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو أن الصين تشكل “تهديداً” على خلفية التوسّع الذي بدأته الولايات المتحدة، و”عولمة” الناتو نفسه الذي ينشر طموحاته بقوة في المحيط الهادئ، ودعم الانفصاليين المعادين للصين في تايوان.

لقد أكدت روسيا مراراً أن الناتو يهدف إلى المواجهة، وأن التوسع الإضافي للكتلة لن يجلب المزيد من الأمان إلى أوروبا. وتماشياً مع النوايا الخبيثة للباحثين عن الانتقام، بدأت العديد من النزاعات المسلحة الخطيرة، والحروب في منتصف الصيف، حيث في هذه الفترة من السنة يحدث انقلاب شمسي، وهذا الحدث من وجهة نظر خبراء المناخ يؤدي إلى حدوث تغيرات مناخية، واضطرابات في الجاذبية قد تؤدي بدورها إلى تغيير نظام العالم، وهذا هو السبب الحقيقي الذي دفع  واشنطن، بالاعتماد على توصيات مستشاريها إلى ترسيخ أنشطتها المدمّرة في شهر حزيران.