الوقود الحيوي الأمريكي ونقص الغذاء
ترجمة: هناء شروف
أثارت جائحة كوفيد 19، وأزمة أوكرانيا مخاوف بشأن الأمن الغذائي العالمي على الرغم من استمرار ارتفاع إنتاج الحبوب العالمي على مدى العقدين الماضيين. تُزرع الذرة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، ويتم إنتاج وزن أكبر من الذرة كل عام حيث ينمو إنتاجها بمعدل 3.5 في المائة سنوياً منذ عام 2000 ليصل إلى رقم قياسي يبلغ 1.2 مليار طن متري في عام 2021.
ومع ذلك، واجه العالم أزمتين غذائيتين منذ عام 2000، وهو في الطريق إلى أزمة ثالثة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن استخدام الذرة لإنتاج الوقود الحيوي أدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب. ومع التوسع السريع في صناعة الوقود الحيوي، أصبحت الولايات المتحدة أكبر مستهلك للوقود الحيوي للذرة في العالم، حيث تم استخدام حوالي 40 في المائة من إجمالي إنتاج الذرة في الولايات المتحدة لصنع الوقود الحيوي على مدى العقد الماضي، وهو يتجاوز إجمالي استهلاك الذرة في إفريقيا كغذاء.
واجه العالم أزمة الغذاء الأولى من عام 2005 إلى عام 2008، ففي آذار 2008 ارتفع مؤشر أسعار المحاصيل العالمية إلى أعلى مما كان عليه في أوائل عام 2005. كما تضاعفت أسعار الأرز ثلاث مرات تقريباً بين عامي 2005 و2008، وارتفعت أسعار القمح والذرة وفول الصويا بأكثر من 40 بالمائة، حيث تزامن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية مع الموجة الأولى من التوسع في صناعة الوقود الحيوي في الولايات المتحدة.
في عام 2005، وقع الرئيس الأمريكي، آنذاك، جورج دبليو بوش قانون سياسة الطاقة الذي ينص على الاستخدام المختلط للوقود الحيوي بما في ذلك الإيثانول الحيوي والديزل الحيوي مع البنزين. في عام 2006 أعلنت الإدارة الأمريكية عن تمويل إضافي لدعم البحث والتطوير في مجال الوقود الحيوي، وفي عام 2007 أصدرت قانون استقلال وأمن الطاقة لتعزيز أمن الطاقة في الولايات المتحدة. وعليه شهدت صناعة الوقود الحيوي في الولايات المتحدة نمواً سريعاً حيث بلغ إنتاج الوقود الحيوي المحلي 3.9 مليار غالون مع 40.72 مليون طن من الذرة.
في عام 2007، زاد إنتاج الوقود الحيوي في الولايات المتحدة إلى 10.9 مليار غالون، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف إنتاج عام 2005، وبلغ استخدام الذرة لإنتاج الوقود الحيوي 94.21 مليون طن، وهو ما يمثل 30.8 في المائة من إجمالي إنتاج الذرة في الولايات المتحدة. حتى بعد الارتفاع القياسي في أسعار الغذاء العالمية. وفي عام 2008 استمر إنتاج الوقود الحيوي للذرة في الولايات المتحدة في الزيادة، حيث تجاوز 117 مليون طن في عام 2009. وبشكل عام ارتفع استخدام الذرة لإنتاج الوقود الحيوي بنسبة 24.7 في المائة من 2000 إلى عام 2009.
حدثت أزمة الغذاء العالمية الثانية في 2010 – 2012 مرة أخرى، بسبب الاستخدام المتزايد للذرة لصنع الوقود الحيوي في الولايات المتحدة. كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية مرة أخرى في عام 2012، حيث ارتفعت أسعار فول الصويا والذرة بأكثر من 50 في المائة، وبلغت كمية الذرة المستخدمة في صناعة الوقود الحيوي في الولايات المتحدة 127 مليون طن في عام 2010، أو 40.4 في المائة من إجمالي الذرة في الولايات المتحدة. وهذا يعني أن الولايات المتحدة استخدمت أكثر من 15 في المائة من إجمالي إنتاج الذرة العالمي في عام 2010 لصنع الوقود الحيوي والذي كان أكثر من ضعف كمية الذرة المستهلكة كغذاء في شمال إفريقيا، وأفريقيا جنوب الصحراء. في عام 2012، بلغت نسبة الذرة الأمريكية المستخدمة في إنتاج الوقود الحيوي 43.2 بالمائة.
تظهر العديد من الدراسات أن استخدام الذرة لصنع الوقود الحيوي في الولايات المتحدة هو سبب رئيسي لارتفاع أسعار الغذاء العالمية، ما قد يؤدي إلى أزمة غذاء عالمية. ومع ذلك خلال أزمة الغذاء العالمية الثانية، وسعت شركات المواد الغذائية الأمريكية الكبيرة أعمالها في مجال الوقود الحيوي من خلال عمليات الدمج والاستحواذ والاستثمارات، بينما استهلكت أكثر من 40 في المائة من الذرة المنتجة في الولايات المتحدة.
في النصف الثاني من عام 2020، بدأت أسعار الحبوب العالمية في الارتفاع مرة أخرى حيث وصلت أسعار القمح إلى مستوى قياسي، واقتربت أسعار فول الصويا والذرة من مستويات قياسية، حيث يواجه عدد متزايد من الناس في جميع أنحاء العالم الجوع بسبب الارتفاع الشديد في أسعار المواد الغذائية بفضل استخدام الولايات المتحدة المتزايد للذرة لإنتاج الوقود الحيوي. ووفقاً لوزارة الزراعة الأمريكية أنتجت الولايات المتحدة 45 مليون طن من الوقود الحيوي في عام 2021 ، بزيادة 8 في المائة على أساس سنوي.
وعلى الرغم من أن العالم يواجه أزمة غذائية، فقد أعلنت الإدارة الأمريكية عن دعم جديد لإنتاج الوقود الحيوي، ففي 12 نيسان الماضي أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن إعفاءات طارئة لتحفيز إنتاج الوقود الحيوي، مما أدى إلى زيادة أسعار الغذاء العالمية. وفي 3 حزيران الفائت، أعلنت وزارة الزراعة الأمريكية عن إعانات بقيمة 700 مليون دولار لدعم منتجي الوقود الحيوي. وكجزء من الجهود المبذولة لتقوية معيار الوقود المتجدد، حددت وكالة حماية البيئة الأمريكية مؤخراً تفويض استخدام الوقود الحيوي للذرة عند مستوى قياسي بلغ 15.25 مليار غالون.
في مواجهة أزمة الغذاء العالمية الوشيكة، ليس تحرك الولايات المتحدة لاستخدام المزيد والمزيد من الذرة لصنع الوقود الحيوي مجرد أنانية، بل هو ضار أيضاً ببقية العالم وخاصة البلدان النامية، فقد استخدمت الولايات المتحدة، وبعض الاقتصادات المتقدمة الأخرى بشكل متكرر احتكارها في قطاع الزراعة للتلاعب بأسعار الغذاء العالمية، وتحقيق أرباح ضخمة على حساب حياة الناس في البلدان النامية.