Uncategorized

الحروب وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية

ريا خوري 

تستعر الحرب في أوكرانيا بكل تداعياتها واستحقاقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية  والحياتية اليومية السلبية على العالم، ويتم رصد مئات المليارات من الدولارات لشراء أسلحة الدمار والموت والحروب. ومع كل ما يحمله ذلك من نُذر مواجهات مستقبلية أوسع وأخطر، فإن هناك وجهاً سلبياً وخطيراً آخر يتمثل باتساع رقعة الفقر، والحرمان، والجوع، والديون، ومن ثم الجهل والتخلف الذي يشمل عددا كبيرا من البلدان الفقيرة في آسيا وأفريقيا، والتي لا تستطيع مواجهة التحديات والأعباء التي تصاعدت حدّتها  بشكلٍ كبير مع انتشار وباء كوفيد-19.

في هذا السياق، رفعت المنظمات الدولية الإنسانية مؤخراً صوتها عالياً محذرةً من كارثة إنسانية خطيرة تتمثل بالحوع والجفاف وعلى وجه الخصوص في القارة الأفريقية التي تعاني أصلاً من قلة الموارد الغذائية. فقد أظهرت التقارير التي قدمها البنك الدولي حول عدد الفقراء في العالم خلال العام الحالي أنه وصل لأكثر من مئة مليون شخص، غير متناسين ما خلفته جائحة كوفيد-19 من فقر وحاجة أثرت على أكثر من 115 مليون شخص، ووضعتهم تحت خط الفقر في العالم، وهي زيادة غير مسبوقة لم يسبق لها أي مثيل في التاريخ الحديث  والمعاصر.

ووفقاً لتقرير التنمية الصادرة في الربع الأول من العام 2022، ومع الحرب الدائرة في أوكرانيا، سوف ترتفع هذه الأرقام وتصل إلى حدود غير مسبوقة، وتزداد معدلات التضخم، ويزداد معه ارتفاع الأسعار، ويتراجع النمو بشكلٍ ملحوظ. وبطبيعة الحال، تزداد أعداد الفقراء والمحتاجين، وترتفع الديون، وتتشابك العلاقات المالية مع العلاقات التجارية والاقتصادية والمرتبطة بعجلة التصنيع  والأسواق، ويتهدد أمن الغذاء العالمي.

لسوء الحظ، فإن عددا كبيرا من الدول الفقيرة ستكون الأكثر تضرراً في الأيام القادمة، لأنها لا تستطيع توفير ما يلزمها من احتياجات ضرورية حياتية لشعبها، فهي مثقلة بالديون وغير قادرة على توفير المال من أجل سدادها، في حين تضخ الدول الغنية عشرات المليارات من الدولارات على الأسلحة والحروب والقتل والتدمير.

الجدير بالذكر أنّ ديون الدول الفقيرة المنخفضة الدخل وصلت إلى مستويات قياسية، فقد ارتفعت عام 2020 حتى بلغت نحو 860 مليار دولار، وفقاً لتقارير البنك الدولي، وكانت الديون قد تراكمت عليها حتى قبل الجائحة، لأنّ تلك البلدان كانت في وضعٍ ضعيف وهش، فقد ارتفعت أرصدة الديون الخارجية للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل مجتمعة 5.3 بالمائة في عام 2020 لتصل إلى ما يقارب 8 ترليونات وسبعمائة مليون دولار أمريكي خلال عام 2021، والعام الحالي 2022 بنسبة كبيرة.

إن مجمل المعطيات والتقارير والدراسات الصادرة لا تبشّر بالخير أبداً، لذا يطلب من الدول الغنية التي امتصت واستغلت ثروات وخيرات الشعوب أن تتخلى عن أنانيتها، وسياساتها التي تقوم على فرض شروطها القاسية من شروط اقتصادية وسياسية  واجتماعية مجحفة على الدول الفقيرة، وتحديداً البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي من خلال اتباع  سياسة لها قلب ووجه إنساني، ونهج يقوم إما على إلغاء الديون المستحقة، وإما تقليصها إلى درجة تستطيع تلك الدول من سدادها وتنمية بلدانها، وإما تخفيف عبئها، أو مقايضتها بشرط التزام الاستثمار في البنية  التعليمية والصحية والاجتماعية والبيئية، من خلال التقيد بالقوانين الإنسانية والأخلاقية السامية والتقيد بمعايير الشفافية، وإعادة الهيكلة بشكل يناسب تلك الدول لوضع هذه الدول على طريق التعافي، والعمل على تحقيق التنمية والتطوير والتحديث، وتحقيق حضورها الإنساني بين شعوب الأرض.