ثقافةصحيفة البعث

المعرض السنوي الثاني لبيت الخط العربي والفنون بين الانطباعية والحروفيات والموزاييك

ولما تلاقينا على سفح رامة

وجدتُ بنان العامرية أحمرا

فقلتُ: خضبت الكف بعد فراقنا؟

فقالت: معاذ الله ذلك جرى

الحوارية العاطفية الشهيرة بين قيس بن الملوح وليلى العامرية انسكبت بروحها وألوانها بالوشاح الأحمر الذي أخفى جزءاً من وجه العامرية على سطح لوحة الفنانة ريم قبطان، فجسّدت فيها بتدرجات المدرسة التعبيرية هذا اللقاء وزيّنت بالحروفية المذهبة والكتابة المباشرة بالقصب الشطر الأول، فشغلت حيزاً من جدران صالة الشعب في المعرض السنوي الثاني الذي أقامته جمعية بيت الخطّ العربي والفنون برعاية اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية لفناني أعضاء الجمعية الاثني عشر، فضمّ أربعة وأربعين عملاً. وبدا القسم الأكبر للمدرسة الانطباعية بالبورتريه والطبيعة الصامتة، بالتوازي مع الحروفيات التي وُظّفت ضمن العمل التشكيلي، إلى جانب مشاركة خاصة بالموزاييك.

التآلف الاجتماعي 

وقد أثنى رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية عرفان أبو الشامات في حديث لـ “البعث” على هذا المعرض المتنوع، وتابع بأن الفنّ التشكيلي بحر لاحدود له، آملاً استمرارية المعارض التي تقدم فكرة جيدة وجديدة.

أما عن دور الجمعيات الأهلية برفد الحركة التشكيلية فعقب: الفنّ التشكيلي هو الروح التي يتنفس بها المجتمع ككل، والمعارض تعزّز الرقي والإبداع بالتنوع، ودور الجمعيات الأهلية في أيّ مجتمع يؤثر على أرض الواقع بالفنّ التشكيلي الذي لا يقتصر على القطاع العام أو صالات الجهات الخاصة، فهذا التآلف الاجتماعي بين عدد من الفنانين الذين يشكّلون تجمعاً ويقيمون أنشطة ومعارض يساهم برفع سوية الفن التشكيلي في الجمهورية العربية السورية الذي هو جزء من حضارتها العريقة.

الحرف وتكوينات اللوحة 

تألق المعرض بمشاركة الفنان بشير بشير من أعضاء الجمعية بمجموعة لوحات ضمن مساره الفني بإدخال الحرف العربي وانثناءاته ضمن التكوين التشكيلي كأحد عناصر فضاء اللوحة التجريدي، ليتشابك مع الهياكل الصغيرة، وفي إحدى اللوحات اعتمد على مبدأ الوحدة الصغرى داخل الوحدة الكبرى مع هيمنة اللون البنفسجي، فأوحت بتأويلات عن الحب والوطن.

وضمن مسار المزج بين الحروفيات والتشكيل قدّم فايز الصدقة مجموعة لوحات جسّد فيها الحرف بأسلوب تجريدي، ونوّه بأهمية الحداثة بالخط والاشتغال عليه بتشكيل الحرف بشكل بصري، مثل مشاركته بجملة من آيات القرآن الكريم في إحدى لوحاته “وما بكم من نعمة فمن الله” سورة النحل -الآية 53- أو بجملة شعرية يترجم باللون معناها ويحرف بها أحياناً مستخدماً الأكليريك على القماش بلونين بالذات، الأسود والأرجواني كلون صريح على الخلفية الداكنة وتميّز الحرف بلون واحد.

وكانت لوحة عبد اللطيف حلاق لافتة بتشكيله النقطة المفرغة التي تجمع كلّ الحروف داخلها، فإضافة إلى جماليتها الحروفية توحي بمعاني الاحتواء.

موزاييك ملون 

ومن معالم دمشق القديمة وجمالية البيت الدمشقي وتفاصيل باحته، استوحى علاء الغبرة لوحاته المتميزة المشكلة بقطع صغيرة ملونة بتكوينات الموزاييك المنفذة بخليط من مواد متعدّدة من خامات طبيعية مثل الصدف والخشب، إضافة إلى خامات صناعية من الريزن وعجينة من معدن ومواد تخدم العمل، وأضاف: كوني رساماً ونحاتاً وخطاطاً أردتُ تطوير عملي بدعم أكبر بجمع هذه الفنون في مسار الموزاييك التشكيلي.

مفردات التراث

وكانت مشاركة ونسة عابد غنية بالطبيعة والطبيعة الصامتة، كما دمجت بين البورتريه والطبيعة الصامتة في إحدى اللوحات التي تظهر نظرة المرأة الدافئة موظفة مفردات تراث بيئتها في الحسكة، من حيث الأقمشة والسلال والجرار والدلة، وأوضحت أن رؤيتها للطبيعة كانت مبسطة مستخدمة السكين وقوة الضوء في اللوحات. وترى أن الطبيعة الصامتة جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان وخاصة الفنان، وركزت على الألوان الترابية لتأثرها ببيئتها، كما تقوم عابد بالتعليم ضمن أعمال الجمعية لرفد حركة الفنّ التشكيلي بفنانين جدد وبروح جديدة من كل الأعمار بتعليمهم التقنيات والأسس بطريقة مدروسة.

قراءة الوجوه 

مرام الحمديش استخدمت الريشة الحرة وضربات السكين القوية والعجينة الكثيفة، كما ذكرت، برسم بورتريهات خيالية استوحتها من روح الإنسان القوي الصامد. وتقاطعت سهام محيسن معها من زاوية ما بقراءة الوجوه وترجمة إحساسها وتعابيرها كما بيّنت وفق انطباعها، مستخدمة ألوان الزيتي بتركيبة عجينة اللون بالمزج وصولاً إلى تدرجات لونية وتداخلات. وتمكّنت أريج سمعول من نقل بيئتها المحلية إلى اللوحة برسمها معالم من قرية تعنيته في بانياس مقتربة من الواقع بتدرجات الأخضر، وقد نفذتها كما قالت بالدمج بين الواقعية الانطباعية وخصوصية تقنية الرسوم المتحركة.

خطوط متوازية 

وتحدث الخطاط فرج آل رشي عن توسّع الجمعية خلال سنتين فقط، إذ أصبح لديها عدد كبير من الطلاب من الأطفال والشباب، ومنهم جامعيون، وصار لديها حيّز كبير للتحرك على مستوى المجتمع الأهلي لتعليم الخطّ العربي والرسم.

وختاماً مع رئيسة الجمعية الفنانة ريم قبطان التي دمجت بمسارها الفني بين الرسم والحرف والمنمنمات والزخارف المذهبة، التي وظّفت فيها أشعار الصوفية واستلهمت من معانيها روح اللوحة، وأشارت إلى أنها رسمت لوحة ليلى العامرية لهذا المعرض بالذات. ثم توقفت معها حول دور إنجازات الجمعية بعد عامين على تأسيسها في عام 2020، فعقبت بأن الجمعية تمضي بخطوط متوازية على صعيد التعليم والأداء، فالورشات دائمة على مدار العام، سواء أكانت مجانية أم مأجورة بشكل رمزي، يناسب قدر الإمكان جميع الشرائح، وكذلك الدورات مستمرة في مقر الجمعية –في الشهبندر- أو في المراكز الثقافية، وتعرض معارضنا وأنشطتنا نتاج طلابنا بغية بناء شخصية فنانين شباب يتحلون بشغف الهواية وهذا يدفعهم لتطوير الموهبة إلى إبداع الاحتراف.

كما أغنت بقية المشاركات المعرض الذي سيترافق مع ورشات وندوات ومعرض لنتاج الشباب وملتقى للأطفال.

ملده شويكاني