“شرف”.. جرأة الطرح وموضوعية المعالجة
سلوى عباس
يمثل مسلسل “شرف” شراكة إبداعية بين الأم الكاتبة ديانا جبور وبتوقيع ابنها المخرج الشاب مجيد الخطيب في أول عمل له تلفزيوني له من إنتاج منصة “وياك”.
يطرح العمل قضية جرائم الشرف التي طرحتها العديد من الأعمال الدرامية برؤيتها التقليدية، عبر تصويرها لحالات تقع المرأة فيها ضحية الأعراف والتقاليد المجتمعية فيحكم عليها بالموت، وهنا يُحسب للكاتبة جرأتها في طرح القضية وكشف المستور الذي يتلطى خلفه المجتمع، وهذا ليس ببعيد عنها، فهي تنحاز لقضية المرأة وتمثل جزءاً مهماً من اهتماماتها، فصاغت النص ببناء درامي عالي المستوى قدّم هوية كل شخصية بجرأة وموضوعية، وربما التجارب النسائية التي طرحها العمل لم تأتِ بجديد من حيث فكرة جرائم الشرف، لكن الجديد فيها كان ردة الفعل المرأة ذاتها على الحيف الذي وقع عليها من أقرب الناس إليها، وهم أهلها، ووعيها لتغيير واقعها هذا بلجوئها إلى حيلة “رتق غشاء البكارة” وبناء حياة زوجية مع رجل يعتقد أنه الأول بحياتها، وهنا الرؤية الجديدة التي طرحتها الكاتبة جبور بتعاضد النساء اللواتي وقعن ضحية هذه المفاهيم مع بعضهن وتعاطفهن مع الممرضة آسيا في الظلم الذي وقع عليها بسبب ممارستها الطب من دون رخصة.
الأمر الآخر الذي أحدث الفرق في العمل هو تغيير المفاهيم عبر الحوارية التي جرت بين الأب الفنان فراس إبراهيم وابنه الفنان مجد فضة، فالأب الذي قتل ابنته غسلاً لعارها هو أيضاً ضحية الأفكار المجتمعية الظالمة التي حصرت “الشرف” بهذه الرؤية الضيقة، وبالتالي هذا الظلم ولّد لديه قسوة ظنّ أنها ستحمي عائلته، لكن هذه القسوة هي التي أوصلته إلى السجن ليجد نفسه يدور في دائرة مفرغة، فيظنّ أن ابنه جاء يزوره ليشمت بمصيره، لكن تأكيد الابن أن الشماتة لا تعيد له أخته من الموت ولا تعيد لأمه كرامتها، ولا تحوله لأب حقيقي ولو لمرة واحدة، فهذا الأب الذي ربى أولاده على القسوة، كانت لهم نظرتهم المختلفة للحياة، نظرة أكثر رحابة حاولوا أن يعطوا أنفسهم ما يليق بها في الحياة، ويعيشوا الحب بمفاهيمه الأسمى، وبالمقابل قدّم العمل شخصيات متعدّدة للمرأة، منها الشخصية التي ترفض الظلم وتتحرّر من صمتها كوالدة الضحية إيمان، جسدتها الفنانة هناء نصور، ونموذج المرأة الفاسدة التي تبيع ابنتها لرجل ثري يمارس شذوذه وساديته عليها، جسدتها الفنانة مريم علي، والمرأة التي ارتكبت جريمة شرف بهذا الزوج دفاعاً عن شرفها، لكن القانون لم يطبق عليها ما يطبقه على الرجل في هذه الحالات وحكم عليها بالإعدام، وأيضاً شخصية المحامية جسدتها الفنانة روبين عيسى عبر سعيها لتغيير بعض المفاهيم القانونية بما قد ينصف المرأة.
شكّل المشهد الأول في العمل بين الأم الفنانة صباح الجزائري وآسيا الفنانة أمل عرفة، وطلب الأم أن تذهب ابنتها لمعاينة حالة يطلب أهلها إثبات أن ابنتهم عذراء، وفي البداية ترفض آسيا لأنها ترى الأمر أكبر من قدرتها على هذا الموقف، لكن أمام إلحاح والدتها وأم الصبية ذهبت ووجدت نفسها في موقفين أحلاهما مرّ، فالفتاة حامل وبالتالي إن حكت رأيها بصراحة حكمت على الصبية بالموت، فاختارت أن تخفي الحقيقة وتنقذ الفتاة وجنينها، وحلفت يميناً كاذباً بأن الفتاة عذراء، وكان هذا الموقف نقطة البداية بالنسبة لآسيا التي نظرت للموضوع بداية من وجهة نظر إنسانية بتعاطفها مع بنات جنسها وإثبات أن المرأة عونٌ للمرأة، وبعدها أصبحت حاجتها المادية هي دافعها الأول بكل عملية “رتق” تجريها لفتاة ارتكبت خطيئة بنظر المجتمع أنها أحبت وعليها تحمّل المسؤولية وحدها.
مجيد الخطيب باختياره هذا الموضوع ليكون عمله الإخراجي الأول أثبت أن الإخراج ليس مهنة، بل موقف من الحياة بكل مجالاتها، وأن المخرج صاحب موقف ورؤية، وأن عملية الإخراج بكاملها تقوم على قدرة المخرج على التقاط التفاصيل وإبراز الجانب الجمالي فيها بعين حساسة ومراقبة ودقيقة، مثبتاً أن العمل الإخراجي كمهنة إبداعية أكثر ما يتطلبه من المخرج هو المراقبة المستمرة والدقيقة لكل ما يحيط به. وربما هذا ما استفاده مجيد الخطيب من دراسته الأكاديمية، وهو كيف يمكن أن يكون له موقف من كل شيء في الحياة، إضافة إلى أنه وعى الحياة في أسرة فنية إبداعية متميزة، ومن هنا يُحسَب له تقديمه للفنانين بصورة هادئة وعفوية، فكان قادراً على إدارة كوادره وممثليه بشكل مهم ينبئ بمبدع ننتظر منه الكثير.