الشباب وميولهم الأدبية
“البعث الأسبوعية” سلوى عباس
أرسل إليّ كاتب صديق يسألني مشاركته في تحقيق حول واقع القراءة في العالم العربي وماذا يقرأ شباب اليوم، وهل هناك ميل للشباب لقراءة الأدب وما الأجناس الأدبية الأكثر قراءة لديهم، وفيما إذا كان الشباب العربي قادر على الاسهام في تنمية الوعي المجتمعي من خلال مايكتب، وهل تفاعلهم مع الأدب الرقمي الفيسبوكي على وجه الخصوص أسهم في يقظة الأدب بمنحى آخر مغاير لما كان من قبل؟.
الحقيقة توقفت كثيراً قبل أن أبدأ بالإجابة على هذه الأسئلة، فهذا الصديق كاتب من الجيل الشاب يتمتع بثقافة عالية تختلف عن ثقافة أبناء جيله، ولديه نتاجات إبداعية ملفتة ونشاط كبير في الكتابة بمجالات أدبية متعددة، وانطلاقاً من تجربته لايمكننا وضع إنتاجات الشباب الأدبية في ميزان واحد، خاصة وأننا في ظل الظروف التي نعيشها الآن نرى تراجعاً ليس في مجال القراءة فقط، بل في “الطقس المعرفي” برمته، وهذا ليس عند الشباب فقط، وإنما الحالة عامة، وأسباب ذلك كثيرة، فهل يمكننا مثلاً إغفال الشرط الاقتصادي ودخول الناس في معركة البقاء وتأمين عيش أولادهم، إضافة إلى أن تراجع الإقبال على القراءة وشراء الكتاب الذي ارتفع سعره بما يتناسب طرداً مع الغلاء العام، وعكساً مع الإقبال عليه، وأيضاً نمط حياتنا الاستهلاكي يحيلنا إلى عامل “الوقت” حيث لم يعد المثقف، وفق الظروف الاقتصادية السائدة، قادراً على توفير زمن للقراءة، وكذلك التطورات التكنولوجية الهائلة مثل القنوات التلفزيونية الفضائية التي تطور بثها ليشمل أربعاً وعشرين ساعة، أخذت تساهم في تخفيض ما قد يخصصه المهتم للقراءة من وقت، فضلاً عن ظهور الكمبيوتر والانترنت والتي أصبحت تكلفة الحصول عليها أقل بكثير من تكلفة الكتاب، ما أدى إلى تراجع هاجس القراءة نظراً لسهولة تحقيق تلك الوسائل التكنولوجية، وتحولت المنافسة من التنافس على الشأن المعرفي بوسيلته الأساسية “الكتاب” إلى التنافس على اقتناء أدوات ووسائل التكنولوجيا الحديثة، مما أدى إلى تحوّل عميق في النظر إلى مصادر المعرفة، وماتعانيه الثقافة اليوم هو جزء من أزمتنا الإنسانية ككل.
أما من حيث ميل الشباب لقراءة الأدب فيؤسفني القول أن غالبية شبابنا ينظرون للأدب بما يشبه الوجبات الجاهزة، فأغلب قراءاتهم يعتمدون فيها على مايتوفر لديهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتروواتسآب وغيرها، فليس لديهم هذا الجلد والصبر على القراءات الطويلة، وبالتالي يكتفون في تعاطيهم مع الكتابة بالشعر أو النصوص القصيرة غالباً بعيداً عن الخوض في الرواية، لأنها تحتاج لتراكم معرفي يفتقده غالبية شبابنا.
ولايغيب عن بالنا هنا التفاوت في التفكير والسلوك بين الأجيال، فهم خلقوا لزمان غير زماننا، يسعون لأن يكون لهم كيان مستقل عن جيلنا بأفكارهم وثقافتهم ورؤيتهم للحياة ككل، ولنا في شباب سورية خير مثال على ذلك، هؤلاء الشباب الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة واقع لا يعرفون كيف يتعاملون معه، ولا كيف يرتبون أوراق تاريخه الجديد، ففي كل مرحلة، أو كل عدة أجيال ينبثق الحلم بتجاوز الماضي، وبإعطاء ما لم يعط من قبل، وهذا الأمر نراه في شتى جوانب الحياة، وهو جزء من الطبيعة البشرية، وهنا أتوقف عند حديث جرى بيني وبين أحد الشباب أخذته أحلامه باتجاه الشعر -الذي أصبح فضاء لكثيرين-، لكنه يعتبر أن كل ما كتب قبلهم لايحاكيهم ولا يعبّر عنهم فيسعون إلى قتل الأب، ورفض الوصاية.
أما إذا توقفنا عند إسهام الشباب العربي في تنمية الوعي المجتمعي من خلال ما يكتبون، فمن وجهة نظري لا يمكن للكاتب من أي جيل إلا أن يقرّ بدور ما له، حتى لو كان هذا الدور جزءاً من عملية الكتابة، وليس من جوهرها، إلا أن الأثر الأقوى والأهم هو الأثر الذي تتركه الموضوعات التي يتناولها الكاتب في أعماله، والتي قد تغير بهم شيء ما تظهر نتائجه تدريجياً، ما يؤكد فاعلية الكتابة وجدوى إدراك الكاتب لمهمته وإيمانه بدوره تجاه مجتمعه.