“نباشو القمامة” أين مؤسسات الرعاية والجمعيات التي تتغنى بشعارات حماية الأطفال المشردين؟
البعث الأسبوعية- غسان فطوم
قبل طلوع الشمس تجدهم بالعشرات يتسابقون إلى حاويات القمامة ينبشونها بحثا عن مبتغاهم من مخلفات البيوت والبقاليات والمحال التجارية (عبوات بلاستيكية وقوارير زجاجية وكرتون وخردوات وغيرها..).
منظرهم يثير الشفقة عليهم والألم على حالهم وهم يعملون بصمت، والمؤلم أكثر أن أغلبهم أطفال ويافعين لا تتجاوز أعمارهم الـ 12 عاماً تركوا مدارسهم، ومنهم نسوة ورجال كبار في السن، جميعهم أجبرتهم ظروف الحياة القاسية لامتهان “النبش” في حاويات القمامة في شوارع المدينة والبلدات والضواحي، وفي القمامة القريبة والبعيدة والتي يقال أنها تشهد حرباً فيما بينهم للفوز بشحنة القمامة وخاصة إن كانت قادمة من حي راقِ تكثر فيها “الهديا واللاقايا” على حد تعبير أحد النباشين من أصحاب الخبرة.
ثمة سؤال، بل وأكثر يطرح نفسه هنا: أين الإعلام من هؤلاء، ولماذا يركّز في طرحه على الجانب السلبي من المشكلة وينسى طرح الجانب الإنساني الذي يتعلق بحرمان هؤلاء “الضحايا” من الأطفال واليافعين وكبار السن من أبسط حقوقهم في العيش بكرامة والتعلم في المدارس وغيره من الحقوق المشروعه لهم؟!.
هناك من يقول أن هؤلاء النباشين وغيرهم من الأطفال المتسولين ومن يعملون في أعمال شاقة يملكون الملايين وعندهم بيوت فخمة بنوها من وراء النبش والشحادة والتسول، قد يصح ذلك ولكن على قلة قليلة منهم، بينما الغالبية العظمة هم ضحايا الفقر والبطالة وظروف الحياة الصعبة لذلك يحتاجون لمن ينصفهم ويقف إلى جانبهم ويعيد الأمل لهم في عيش حياة مستورة.
تأثيرات مدمرة!
الدكتور حيدرة أصلان أستاذ التربية في جامعة تشرين سأل: أين الجهات المعنية من هؤلاء الأطفال الضحايا، لماذا قضاياهم لا توضع تحت مجهر الإعلام، ليسألهم ماذا يأكلون وكيف يغتسلون و بماذا يأملون ويحلمون؟.
وبرأيه أن حال هؤلاء الأطفال من نباشين ومتسولين والذين يعملون في معامل تستغلهم باتت غير مقبولة لا إنسانيًا ولا عاطفياً ولا اجتماعيًا، داعياً مؤسسات الدولة والمجتمع المدني للوقوف بجانبهم، مشيراً إلى أن عملهم في نبش القمامة أو في أعمال أخرى يترك تأثيرات خطيرة ومدمرة على نفسيتهم وعلى المجتمع بشكل عام، نظراً لشعورهم بالقهر والظلم الاجتماعي.
مشكلة وطنية
من جانبه يرى الباحث والمحلل في الشأن المحلي برهان شعبان أن مشكلة النباشين والمتسولين وعمالة الأطفال بشكل عام تحولت إلى مشكلة وطنية بات من الواجب وبشكل سريع البحث عن إجراءات وحلول لها، ويرى شعبان أن مسألة أو قضية إنصاف هؤلاء وخاصة الأطفال منهم تبدو صعبة في ظل استمرار وتفاقم وسوء الحالة المعيشية للمواطن السوري، يضاف إلى ذلك أن الترهل والتراخي في تطبيق الأنظمة والقوانين خاصة قانون التعليم الإلزامي وقانون عمالة الأطفال القصّر يراكم المشكلة وآثارها المدمرة على المجتمع السوري، ولا يرى شعبان أن الإعلام كان مقصراً بالإضاءة على المشكلة، حتى أن الدراما السورية اهتمت بها ، ويرى أنه حان الوقت لتضافر جهود المجتمع الأهلي ومؤسسات الدولة خاصة وزارت الشؤون الاجتماعية والعمل والإعلام والتربية وجهات أخرى من أجل وضع حلول لمواجهة هذه المشكلة والحد من انتشارها (المبرر) كما يرى البعض نتيجة سوء الحالة المعيشية .
تقصير واضح
وترى الباحثة والمدّرسة إيلانا خليل أن هناك تقصير واضح تجاه الأطفال المشردين والمتسولين والذين يعملون في ظروف صعبة، مضيفة: صحيح أن الحرب في السنوات الأخيرة فعلت فعلها وكان لها تأثيرات مدمرة تجلت بتشتيت الأسرة السورية، لكن هذا لا يبرر إهمال هؤلاء الأطفال، متسائلة: أن تلك الجمعيات التي تطلق شعارات براقة لحماية ورعاية الأطفال المشردين الذين يعملون في جمع القمامة أو التسول أمام الجوامع وفي الشوارع بحثاً عن لقمة العيش!.
ليس ذنبه!
الزميل الإعلامي مصطفى المقداد أكد أن الإعلام الوطني أفرد مساحة جيدة للمشكلات الاجتماعية في سورية وخاصة التي ظهرت وزادت خلال الحرب، حيث دخل إلى تلك العوالم الخفية والسلبية والمناطق السوداء بحسب قوله، وعمل بإمكانيات محدودة جداً وقدّم أكثر مما يُقدّم له، وإن كان لم يصل إلى مرحلة الإقناع بحسب رأي البعض، لكن هذا ليس ذنبه بحسب الزميل المقداد-، بل ذنب من لا يريد للإعلام أن يأخذ دوره، مشيراً إلى أن عدم القدرة على متابعة البرامج التلفزيونية بسبب التقنين الكهربائي وغياب الصحافة الورقية جعل الكثيرين يرون أن الإعلام مقصراً في مواكبة المشكلات الاجتماعية وخاصة التي يعاني منها الأطفال والشباب.
إعلام غافل!
فيما رأي الزميل الإعلامي محمود الصالح أن الإعلام غافل عن كثير من القضايا الاجتماعية الخطيرة، وإن سلط الضوء على جانب منها فلا يحظى بالدراسة الكافية المتكاملة، أما فيما يتعلق بالأطفال العاملين بنبش القمامة، فبيّن أن هناك نوعين من الأطفال، الأول يعتمدها كمهنة يحقق من خلالها دخلا كبيراً لا يمكنه تحقيقه من أي عمل آخر متاح له، مشيراً إلى أنه كتب في السابق أكثر من تحقيق عن ذلك تبيّن له فيها ومن خلال لقاء العديد من الأطفال “النباشين” في مكب باب شرقي بدمشق وغيره أن ما يحصلون عليه من جمع الزجاج والمعدن والنايلون يوميا يزيد أضعاف عن أجر شهر في أي وظيفة حكومية، وفي الجانب الآخر هناك البعض ممن هم بحاجة للقمة العيش واستسهلوا النبش على غيره، ووضح ذلك لي من خلال سؤال أحدهم: لو ذهبت إلى ورشة حفر أو أعمال يومية، أليس أفضل لك؟ فأجاب “في الورشة أحصل على خمسة آلاف وينهد ظهري من زق الباطون، وهذا المبلغ أحصل عليه بساعتين عندما أجمع كم كيلو نايلون وتنك أبيعها بضعف المبلغ”.
بالمختصر، باتت المشكلات الاجتماعية في مجتمعنا مقلقة للغاية وتستدعي الاهتمام والمتابعة من قبل الإعلام لتسليط الضوء على آثارها السلبية، وخاصة ما يتعلق منها بالأطفال، فهؤلاء سيصبحون في المستقبل شباب ولكن دون أي هدف وطموح وبالنتيجة سيشكلون عالة على أنفسهم ومجتمعهم وقد يتحولون إلى قنابل موقوتة تنفجر بأي لحظة شراً وضرراً تؤذي كل من يحيط بهم، فهل يستفيق أصحاب القرار ويستنفروا بالبحث الجاد عن حلول مجدية من خلال تحسين الوضع المعيشي المتدهور ومساعدة العائلات الفقيرة، ودعم دور الرعاية الاجتماعية والصحية تطبيق أنظمة التعليم الإلزامي وكل ما من شأن حماية هؤلاء الأطفال واليافعين.