حياة صقر في غاليري مشوار: اللوحة عالم مجهول والخيط يقودني لاتجاهات عدة
ملده شويكاني
مغامرة أن ترسم حياة صقر بالخيوط على قماش الخيش هواجس وأحلاماً متعثرة.. وربما انتظارات قلقة تخطّ أسرارها على الوجوه وحركات الجسد، لتشكّل بدمج لافت مع اللون المتوهج حكايات خفية يتلمّسها المتلقي بقراءات تتبع موسيقا مكنوناته.
فكيف كانت هذه المغامرة؟ وإلى أين وصلت؟ وهي معلقة على جدران غاليري مشوار في حيّ القصور في معرضها “خيط”، فعدت في حوار “البعث” معها إلى الخط الأول.
كيف بدأت علاقتك بالفنّ؟ وكيف تسربت الخيوط إلى لوحاتك؟.
علاقتي بالفنّ بدأت منذ صغري، فنشأتي في الريف جعلتني أمضي نحو الفنّ، لأنني أحتاج إليه ليمنحني مساحة من الضوء، فصنعتُ ألعابي والكثير من الأشياء التي أحتاج إليها، ومن ثم الشغف كان يقودني لمتابعة هذا الطريق الذي لا يعوضني عنه شيء. أما عن الخيوط التي غدتْ عنصراً أساسياً بلوحاتي، فكلّ فنان يمتلك خيارات بالخامات والتقنيات وبالموضوعات ومضامين اللوحة والطريقة التي يشتغل بها بتكنيك خاص، وبالنسبة إليّ كان الخيط خامة صديقة لي وعلاقتي به قديمة، إذ عملت بفنّ تصميم الأزياء في المسرح والسينما، وارتبطت بعلاقة حميمة مع الخيوط والقماش.
تدمجين بين الألوان والخيوط بمساحة مدروسة بين الكتلة والفراغ، فماذا يعني لك هذا التوازن؟.
خلال مساري الفني لم أفكر ولا مرة قبل إنجاز العمل بأيّ تصور أو بأي تخطيط مسبق ولا أضع أية ملامح بمخيلتي، كانت دائماً اللوحة بالنسبة إليّ عملاً مجهولاً، تمتد منذ البداية بشكل عفوي إلى مرحلة السيطرة على العمل، وكنتُ في منتصف اللوحة أرى شيئاً وفي نهايتها أفاجأ بشيء آخر تماماً.
أحياناً كنتُ أشعر بالرضا وأحياناً بالدهشة، وفي أحايين أخرى كنتُ أفكّ الخيوط، وأبدأ من جديد، فترجمتُ ما أشعر به باللحظة ذاتها، لذلك كانت مغامرة بالشكل واللون وبالعلاقة مع الخيط الذي كان يقودني لاتجاهات عدة، فمرة يمضي باتجاهي وأخرى أنساق إليه، فتبادلنا مساحة من الحرية وأطلقت العنان له، ومرات كثيرة أوصلني إلى نتيجة مذهلة.
تعتمدين على الوجوه التعبيرية بأسلوب قريب من التحوير، فلماذا اخترت هذا الأسلوب؟.
العمل بالخيط يتطلّب الإصغاء إلى عالمك الداخلي، فبالتأكيد لا نركز على النظريات الأكاديمية لأن العقل الباطن ينسق الخيط ويرسم شكله ويحدّده على سطح اللوحة، فينجز العمل بإطار الحساسية العالية، وهذا يستدعي العمل بكل الحواس كما نتفاعل مع المحيط الخارجي بكل حواسنا. كما أنني عشقتُ الخيط وأسراره وصار ضمن مفردات التشكيل بأعمالي، فأحسستُ أن هذا الأسلوب هو السبيل لتحرير الروح والحدّ من تأثير الواقع الذي كنّا نعيشه، فاتبعتُ إحساسي الفطري ليشكّل على اللوحة ببساطة بالتعبيرية التي تدخل العين والقلب في آن واحد.
توجد أنواع متعددة للغرزات، بعضها طويلة كما في تجسيد الهياكل الأنثوية، وأخرى صغيرة، فكيف تفسرين هذا التباين؟.
في أعمالي يتسيّد الخيط وتتكثف المشاعر، وقد تحوّلت الخيوط إلى حسّ إنساني، كما أنني منحتها الكثير من الاحترام والمحبة، فحرّرت الغرز من الحركة الإدراكية، فلا أقيسها بطول معيّن لأنها لا تخضع للرتابة التي تتميّز بسهولة، أنا أخطّ إحساسي، لذلك جاءت الغرز متباينة ومختلفة بالطول لأنها كانت ومضات من الأحاسيس.
الإنسان عامة ورموز من الطبيعة شغلت فضاءات لوحاتك، فما الرسالة التي تودين إيصالها؟.
موضوعاتي مستمدّة من الحياة، فاستحضرتُ أشخاصاً من مخزون ذاكرتي ومن الأشخاص المحيطين بي، وهم الأشخاص القلقون المسكونون بالهموم المفكرون بهواجسهم وأحلامهم، وحاولتُ أن أعكس كلّ ما يدور بخاطرهم ولو جزئياً، إضافة إلى عناصر موجودة بالطبيعة مثل الديك والسمكة وزهرة عباد الشمس وغيرها، وهي مصادر لها دلالات، وكل فنان يوظّفها ضمن المعنى الذي يريده.
كيف وجدت انطباعات الزائرين؟.
الفنّ أحد الحقوق التي يجب أن يتمتّع بها الفرد ضمن مجتمعه، فمن حق أيّ إنسان أن يمارس نوعاً من الفنون، والشعوب التي تبدعُ بالفنون هي شعوب حضارية ومتوازنة، وليس بالضرورة أن يكون الجميع فنانين لكن يمكن أن يمارس الجميع الفنّ من خلال أشياء عدة، وهذا ما أتمناه.
وأشكر كلّ الذين زاروا المعرض وتحمّلوا أعباء المواصلات وصعوبة الجو الحار، وكنت سعيدة بمحبتهم التي لمستها بإبداء إعجابهم وآرائهم ومن ثم مغادرتهم وهم يقولون: سنعود مرة ثانية، فهذا كان له أثر كبير في قلبي وأحسستُ بأنهم غمروني بالسعادة، وبرأيي إن موضوع قبول العمل الفني بالنسبة للمتلقي وقراءته من منظوره لا علاقة له بالثقافة أحياناً، هو إحساس فطري وتحليل اللوحات هو بالحقيقة تفسير لذواتنا، وأنا أقبل أي تفسير أو تحليل حتى لو كان مغايراً للمعنى الذي أريده، وكنتُ سعيدة بالإصغاء إلى قراءات الزائرين، سواء أكانت قريبة أم بعيدة، لأنني تركتُ مساحة للمتلقي وأردتُ أن يكون شريكاً فعلياً معي في قراءة اللوحة، ليحاور اللوحة كما يرتَئي.